عمر نشابة
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مطالبات بتسريع إنشاء المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجهود المبذولة بهذا الخصوص. ونقل مراسل «الأخبار» في نيويورك الزميل نزار عبّود أمس أن رئيس كتلة «تيار المستقبل» النيابية سعد الحريري يريد أن يسرّع في عمل المحكمة الدولية لكي لا يبقى الموضوع رهن نقاش في الانتخابات الرئاسية التي قد تتأخر عن موعدها المقرر في 23 من الشهر الجاري. وأضاف عبود أنه رغم أن إنشاء مبنى المحكمة لا يمكن أن يجري بالسرعة التي تتوخاها واشنطن، فإن التفكير ينصبّ على تأمين الاعتمادات واستئجار مبنى مؤقت لبدء العمل، حتى قبل استكمال التحقيق.
قد يكون للنائب سعد الحريري دور مهم في المساعي المبذولة لتأمين تمويل المحكمة، لكن صيغة إقرار المحكمة لا تسمح للحريري أو للحكومة اللبنانية بتسريع إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وقد لا يكون هناك حاجة لذلك التسريع أصلاً لأنه لا دليل على أي تباطؤ في الخطوات المتخذة لإنشاء المحكمة. فلقد تمّ تحديد البلد الضيف وأرسلت بعثة ترأسها رئيس الدائرة القانونية في الأمانة العامة للأمم المتحدة نيكولا ميشال إلى هولندا لزيارة عدد من المباني التي يمكن أن تستقبل المحكمة، كما بدأ العمل على صياغة الاتفاقية الدولية بين هولندا والأمم المتحدة. وعلمت «الأخبار» أن الحكومة الهولندية قرّرت التوقيع على الاتفاقية فور جهوزها، آخذة بعين الاعتبار الشروط التي وضعتها سابقاً، ومنها ما يتعلّق بالتمويل والأمن ومكان تنفيذ العقوبات. كما وافقت الحكومة الهولندية على انطلاق عمل المحكمة على أراضيها قبل موافقة البرلمان الهولندي النهائية على ذلك لأن التوصل إلى هذه الموافقة يستغرق وقتاً طويلاً قد يتجاوز 10 شهور نظراً لكثافة الإجراءات البيروقراطية والإدارية.

لا دور رئيسياً للبنان في إنشاء المحكمة

تنشأ المحكمة الدولية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1757 (30 أيار 2007) والقرار يتضمّن نظام المحكمة الدولية والاتفاق الدولي الذي كان من المفترض أن يوقّعه لبنان والأمم المتحدة. لكن، مع صدور القرار الأممي لم يعد للحكومة اللبنانية دور رئيسي في قيام المحكمة سوى تأمين جزء من التمويل رغم ما نصّت عليه الفقرة 3 من القرار 1757، حيث إن «الطلب إلى الأمين العام أن يتخذ، بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية عند الاقتضاء، الخطوات والتدابير اللازمة لإنشاء المحكمة الخاصة في موعد قريب» لا يلزم الأمين العام بذلك التنسيق. أما الفقرة ت 2 من القرار والتي تنصّ على أن «المحكمة الخاصة تبدأ عملها في تاريخ يحدده الأمين العام بالتشاور مع الحكومة اللبنانية، مع مراعاة التقدم المحرز في أعمال لجنة التحقيق الدولية المستقلة» فتدلّ على طبيعة دور «استشاري» للحكومة اللبنانية.

تأمين التمويل

بموجب المادة ٥ من نصّ الاتفاق بين الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية الذي أصبح ملزماً للبنان بعد صدور القرار 1757، إذ تنصّ هذه المادة على أن «يتم تحمل نفقات المحكمة الخاصة على النحو الآتي: (أ) تُحمّل نسبة واحد وخمسين في المئة من النفقات للتبرعات الواردة من الدول؛ (ب) تتحمل حكومة لبنان تسعة وأربعين في المئة من نفقات المحكمة». كما تضيف المادة نفسها في الفقرة الثانية أن «الأمين العام سيبدأ عملية إنشاء المحكمة متى ما توفرت لديه مساهمات فعلية كافية لتمويل إنشاء المحكمة وعملها لمدة اثني عشر شهراً، فضلاً عن تبرعات معلنة تعادل النفقات المتوقعة لفترة الـ ٢٤ شهراً التالية من عمل المحكمة».
لكن الفقرة 1(ج) من القرار 1757 نصّت على أنه، «إذا أفاد الأمين العام بعدم كفاية مساهمات الحكومة اللبنانية لتحمل النفقات المبيّنة في المادة ٥ (ب) من الوثيقة المرفقة، جاز قبول أو استخدام تبرعات مقدمة من الدول الأعضاء لتغطية ما قد يواجه من نقص». وهنا يكمن الدور الذي يمكن لسعد الحريري أن يلعبه عبر اتصالاته وعلاقاته بالدول الصديقة التي من شأنها المساعدة على إطلاق عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

3 أشهر للتدقيق في الأدلّة


تذكر المادة ١٨ من نظام المحكمة الإجراءات التمهيدية للمحاكمة فيتولى قاضي الإجراءات التمهيدية أو ما يعرف أيضاً بقاض ما قبل المحكمة النظر في قرار الاتهام «فإذا ما اقتنع بأن المدعي العام قد قرر الملاحقة في ضوء القرائن، فإنه يعمد إلى تثبيت قرار الاتهام. أما إذا لم يقتنع بذلك فإنه يرد القرار». لكن المادة ١٩ التي تتناول الأدلة التي تم جمعتها سلطات التحقيق اللبنانية أو لجنة التحقيق الدولية قبل إنشاء المحكمة تقول إن دوائر المحكمة الدولية «تقرر مقبولية هذه الأدلة عملاً بالمعايير الدولية المتعلقة بجمع الأدلة. ويعود لدوائر المحكمة تقييم أهمية هذه الأدلة». لذا ستستغرق عملية التأكّد من «مقبولية الأدلّة» بعض الوقت قد يتجاوز ثلاثة أشهر أو أكثر وذلك لوجود عناصر عديدة ذات صلة مثل الترجمة اللغوية بحسب المعايير الدولية والفحوص المخبرية المتطوّرة التي قامت بها لجنة التحقيق الدولية ومحاضر إفادات الشهود والمشتبه فيهم لدى القضاء اللبناني والتي تكتب عادة بأسلوب إنشائي.