إبراهيم الأمين
لم يعد في إمكان فريق 14 آذار إخفاء المشكلة المتفاقمة المتصلة بوضع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، حتى إن الأخير لم يعد صامتاً كما كان في السابق حيال مواقفه مما يجري الآن وما يمكن أن يطرأ إذا تواصلت الخلافات السياسية الداخلية من جهة، وتفاقمت الأزمة الإقليمية من جهة أخرى، وقد بادر منذ مدة غير قصيرة الى إثارة الأمر من خلال حلقات داخلية وخارجية دون التوصل الى صياغة من النوع الذي يحل له مشكلته سواء المتعلق منها بعلاقته مع قيادة فريق 14 آذار ولا سيما مع فريق «المستقبل» أو مع فريق المعارضة.
وبحسب مصادر دبلوماسية عربية فإن السنيورة بدا في الآونة الأخيرة محبطاً، كثير الشرود، قليل الكلام، مسهباً في التعبير عن قرفه من حالة البلاد ومن المواجهات الدائرة، ومبدياً الملاحظات على سلوك شخصيات كثيرة في فريق الأكثرية، وهو الذي لا يخفي أن لديه أسلوبه الخاص في معالجة المشكلات القائمة في البلاد، وأنه يشعر بعزلة من النوع الذي يؤدي عملياً الى حصر دوره بما سوف يقرره الكبار محلياً أو إقليمياً. وتقول هذه المصادر إن السنيورة سبق أن أبلغ جهات داخلية وخارجية أنه لم يعد مرتاحاً الى ما يجري في لبنان، وأنه يفكر في احتمالات عديدة بينها الإقدام على خطوة إنقاذية تلزم الجميع من الطرفين بالذهاب مباشرة الى حوار ينتهي بوضع حلول.
وتؤكد هذه المصادر أن السنيورة ناقش ومقربين منه ومع جهات خارجية معنية بالوضع اللبناني خيار الاستقالة المبكرة إذا كان في ذلك ما يلزم طرفي الموالاة والمعارضة الجلوس سريعاً الى طاولة حوار تسفر عن توافق اضطراري لأجل إنتاج حكومة جديدة تدير البلاد. وهو يخشى، من جانب آخر، أن تلقى عليه الأحمال كلها دون أن يؤخذ برأيه. وفي هذه النقطة يظهر السنيورة انزعاجه من حلفائه لا من خصومه وحدهم.
وتورد المصادر أولويات السنيورة واتجاهات احتجاجاته وفق الآتي:
أولاً ـــــ يشعر السنيورة بضيق شديد من مواقف لا يفهمها، تصدر عن أقطاب المعارضة ولا سيما عن الرئيس نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون، وبينها رفضهم الاتصال به أو استقباله أو محاورته، ومبادلته دعوته إياهم الى التلاقي بحملات قاسية عليه وتحميله مسؤولية كل ما يجري في البلاد.
ويبدو أن السنيورة متطلب في هذا الشأن، لكن لا أحد يتجاوب معه، وإن نجح في فترة ما في إقناع وزراء في حكومته من الذين يمثلون وزناً في قواهم السياسية بأن يُرهَن أي حوار عام بين الموالاة والمعارضة بكسر الحرم المفروض عليه، فإن الأقطاب الأبرز في فريق 14 آذار لا يناقشون الأمر من هذه الزاوية، بل هم يشعرون بأن السنيورة لا يمثل عنصر القيادة الرئيسي، بل هو قائد الأداة التنفيذية، ويمثل طرفاً له قيادته التاريخية، وأنه بدل من ضائع في الوقت الحاضر، وأنه متى بات النائب سعد الحريري جاهزاً لتولي مهمات رئاسة الحكومة فإن السنيورة سيعود الى الصفوف الخلفية، وقد لا يكون أمامه فرصة العمل الاستشاري الذي كان يبرع فيه في ظل الرئيس الراحل رفيق الحريري.
ثانياً ـــــ يعتقد السنيورة أنه سلّف المعارضة على اختلافها مجموعة من الخطوات، وأنه أبقى خطوط التواصل مع العماد عون من خلال مستشاره محمد شطح، وأن رئيس التيار الوطني الحر يتعامل معه بتحفظ شديد. كما انه أطلق جملة من المواقف حيال المقاومة في مناسبات عدة، وطلب تسريع العمل في إنجاز ملف التعويضات رغم ما تعرض له من حملات، ومع ذلك فهو لا يجد من حزب الله سوى الحملات المستمرة، وأنه هو من ثبت قاعدة أن الرئيس بري هو المفاوض وهو رئيس السلطة التشريعية الذي يجب التعامل معه كوسيط، لا كمجرد طرف، وأن الأخير يرفض حتى محادثته على الهاتف.
ثالثاً ـــــ يعرف رئيس الحكومة أن ثمة من لا يطيق وجوده في رئاسة الحكومة، وهذا الطرف ليس في فريق المعارضة، بل هو في الدائرة المحيطة بالنائب الحريري، وهو الفريق الاستشاري الذي يرى أن السنيورة نجح في ترتيب صورة مستقلة له منعت هؤلاء من الدخول إلى السرايا الكبيرة، وأنه بات يدير أموراً كثيرة دون أخذ مصالحهم أو حاجاتهم أو مواقفهم في الاعتبار. ويعرف رئيس الحكومة أن من بين هؤلاء من يطمح الى دور تنفيذي بارز إذا تولى النائب الحريري رئاسة الحكومة، وهؤلاء هم الذين يشددون الآن على أن سعد بات في وضع يمكنه من تولي هذه المسؤولية، وأن الانتخابات الرئاسية يجب أن تحصل وفق منظومة أهداف بينها ترتيب الشكل الذي سيدخل فيه الحريري الابن إلى السرايا لا كيفية إخراج السنيورة من هذا الموقع.
ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن هناك خصمين كانا من الحقبة السابقة، هما: الرئيس السنيورة ووزير العدل السابق النائب بهيج طبارة، وأن الاخير الذي تردد أنه مرشح السيدة نازك الحريري لتولي رئاسة الحكومة غادر «الصف» من تلقائه، عندما أطلق مواقف مبدئية خالفت التوجه السياسي ـــــ التكتيكي لقوى 14 آذار، وأنه في مرحلة الخروج من الحياة السياسية، بينما حاول السنيورة بناء قاعدة مستقلة له، وبالغ في توظيف الدعم الذي تلقاه موقع رئاسة الحكومة وحاول تجييره لنفسه، وهو الذي يعلم أن كلمة من سعد الحريري تجعل العشب ينبت على درج منزله.
وفي السياق نفسه، تشير المصادر الدبلوماسية العربية الى أن الحديث يدور الآن عن شكوى تقدم بها السنيورة الى القيادة السعودية وإلى دبلوماسيين غربيين نافذين في الملف اللبناني، وأنه تحدث صراحة عن رفضه سياسة الإهمال التي يتعرض لها، وأنه لم يعد يكتفي بعملية الوقوف على خاطره من خلال زيارة يقوم بها وليد جنبلاط أو كلمة طيبة تصدر عن سعد الحريري أو قيام الأخير بزيارته في مكتبه، وأنه بات يسأل عما إذا كان هو عضواً رئيسياً في الحلقة الضيقة المقررة في فريق 14 آذار، أم عليه البحث في آلية للخروج من دون تحويله الى كبش محرقة وتحميله مسؤولية الأزمات التي قامت في العامين الأخيرين.
إلا أن مواقف السنيورة الأخيرة من خطاب السيد حسن نصر الله أو الاجتماعات التي يعقدها في بيروت وخارجها بغية تحصين موقعه العام، لا تشكل موضوعاً ذا أهمية في نظر النواة الصلبة في فريق 14 آذار، التي لا تتوقف كثيراً عند عمليات التجميل هذه، وسط ارتفاع منسوب الكلام عن الدور الذي يضطلع به الحريري هذه الفترة، ويوحي أنه اقترب من لحظة إعلان بلوغه مرحلة الرشد التي تعفي الأوصياء من مهماتهم، وليس السنيورة أبرزهم... هل ينتبه أحد الى موقف وليد جنبلاط هذه الأيام؟