كونين ــ داني الأمين
قضى مسؤول فريق «البكتك» البريطاني التابع لشركة آرمر غروب، والمتخصص بنزع الألغام، كريك إبلت (36 عاماً)، في أثناء قيامه بواجبه الوظيفي والإنساني في خراج بلدة كونين. وأدى انفجار قنبلة عنقودية إلى وفاة إبلت على الفور، فيما كان يقوم وفريقه بمسح وتنظيف الخلية الممتدة بين كونين وبيت ياحون وشقرا من العبوات غير المنفجرة. ويذكر أنّه في المكان نفسه، استشهد المواطن عبد الله محمد فوعاني (45 عاماً) منذ أقل من أسبوع بانفجار قنبلة عنقودية.
هو الحادث الأول الذي يقتل فيه أحد العمال الأجانب المتخصصين في نزع الألغام، وخصوصاً أن الضحية بريطاني ويعمل في الشأن الإنساني في لبنان، وكأنّ في ذلك سخرية القدر، إذ إنّ الحكومة البريطانية ساهمت بدعم العدوان الاسرائيلي على لبنان، وأحد أبناء بريطانيا المؤمنين بالإنسانية والسلام الحقيقي توفي بسبب دعم بلاده لإرهاب اسرائيل المستدام.
وكان إبلت قد حضر إلى لبنان منذ نحو عشرين يوماً، وهو خبير بنزع الألغام وتفجيرها، فرأس فور وصوله فرقة لنزع الألغام التي تكون عادة مؤلفة من تسعة أفراد مقسّمين إلى ستّة منقّبين ومسعفين اثنين ورئيس يؤمّن ويفجّر الألغام ويشرف على المجموعة. وكان دور رئيس الفرقة يقضي بأن يؤمّن القنابل والألغام ليفجرها بعدما يقوم أعضاء الفرقة بتحديد أماكن وجودها. وكُلّف إبلت بالعمل في قرى مرجعيون وبلداتها، وخصوصاً في مجدل سلم وقبريخا وتولين. ولسوء حظه، اضطر المسعف الطبي الأساسي في فرقته إلى أن يغيب لأسباب صحية، ما دفع أفراد الفرقة إلى العمل والاندماج مع فرق أخرى ريثما يعود المسعف إلى عمله. فالتحق إبلت بفرقة في كونين، وأثناء قيامه بعملية تأمين القنابل العنقودية انفجرت به إحداها، فقتلته على الفور بعدما شوّهت وجهه وقطعت يديه.
ونقلت الجثة إلى مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل ومن ثم إلى مستشفى جبل عامل في صور حيث وضع في برّاد خاص، وسينقل إلى بريطانيا خلال 24 ساعة.
وقالت ديالا فران من مركز تنسيق العمل ضد الألغام التابع للأمم المتحدة إنّ مواطناً بريطانياً قتل بينما كان يعمل على إزالة قنابل عنقودية، رافضةً الكشف عن اسمه. ولفتت إلى أنّ إبلت هو الشخص الثالث عشر الذي يقتل خلال العمل على تنظيف المنطقة من العبوات غير المنفجرة من مخلفات العدوان الاسرائيلي الأخير. وأكّدت فران أنّ التحقيقات لا تزال جارية لمعرفة ملابسات الحادث، مشيرةً إلى «أننا لا نعرف حتى الآن ما إذا كان إبلت داس على القنبلة العنقودية أم أنه قضى في أثناء تفكيكه لها».
ربما لم تكن صدفة أن يحتفل إبلت بعيد ميلاده السادس والثلاثين مساء أول من أمس أي قبل استشهاده بساعات. فكان العيد مناسبة صغيرة وأخيرة لتوديع بعض الأصحاب في مركز العمل، من دون أن يتاح له توديع ذويه في بلده الأم.
وربما باستشهاده، يكون إبلت أكمل واجبه الإنساني في إزالة ما خلفته الأيادي الإسرائيلية بتغطية دولية على أرض الجنوب من ألغام وقذائف وقنابل عنقودية، وكأنه بذلك يوصل رسالة إلى الحكومات الداعمة لإسرائيل، بأن القنابل الإسرائيلية تؤذي أي إنسان من دون أن تميّز بين جنسيته وانتمائه وعقيدته. وقد عمّت أجواء الحزن بين زملاء إبلت، من المتطوّعين الأجانب واللبنانيين، ولا يقلّ حزن هؤلاء عن حزن ذويه في بريطانيا. أحب المتطوّعون اللبنانيون «رئيسهم» كابن بلدهم وأكثر، كما يقول زميل له في الوظيفة، «فكان مقداماً وسريعاً في إنجاز العمل، واستطاع تأمين أكثر من خمسين قنبلة عنقودية صباح أمس، قبل أن تنفجر فيه القنبلة الأخيرة وقبل أن يطل العيد على أهل الجنوب، ليكون الحدث رسالة حزن إلى البريطانيين جميعاً مفعمة بروح التضحية والإباء من أجل السلام والإنسانية».