إبراهيم الأمين
يبدو أن المؤشرات التي تدفع نحو توافق رئاسي قد تراجعت كثيراً، وأن المواقف التي أطلقها النائب سعد الحريري من الولايات المتحدة لا تشير إلى بقائه على الدرجة نفسها من الاستعداد التي كان عندها قبل سفره وعقده اجتماعات رفيعة المستوى مع القيادة الأميركية، رغم أن مصدراً أميركياً قال إن الإدارة كرّرت للحريري أنها «تقف الى جانب فريق 14 آذار وسوف تدعم ما يقرره». وأضاف المصدر إن «لدى واشنطن تصوّرها للموضوع الرئاسي، لكنها تبدي حذراً شديداً حيال مواجهة تؤدي الى نشوب صراع في لبنان وانتشار فوضى قاتلة، وهي لذلك لا تريد أن تلزم الفريق الحليف لها موقفاً معيناً، وإن كانت لا تريد أن تتحمّل مسؤولية ما سوف يقرره هذا الفريق». وهو الموقف نفسه الذي يقول المصدر إن فرنسا أبلغته إلى جهات بارزة في فريق الأكثرية، وذلك في معرض دفاعها عن ضرورة تكثيف الاتصالات بغية التوصل إلى حل في أسرع وقت، حتى لو كان الحل لا يلبي مصالح الجميع في لبنان.
ودعا المصدر الى انتظار ما سيقوله النائب وليد جنبلاط من العاصمة الأميركية باعتباره كالعادة سيكون صريحاً للغاية ويقول ما لا يمكن الحريري أن يقوله ضد قوى المعارضة. ومهما أعمل الاستدراك حذفاً في ما بعد في «الشطحات الشخصية» لزعيم الغالبية الدرزية، فلا بد لأي كلام يصدر عن جنبلاط من أن يحرّك الوضع الداخلي، ومن المنتظر أن يتخذ جنبلاط المزيد من المواقف التي تقول إن سوريا هي العدو الفعلي للبنان الآن، وسوف يتهمها بكل ما يجري وقد يجري. لكن مشكلة الموقف الأميركي ليست في حسابات إدارة الرئيس جورج بوش، بل في اقتناع موجود على ما يبدو في أذهان قادة وناشطين في فريق السلطة اللبنانية. وبين هؤلاء من يقول جاداً إن الأميركيين لا يتدخلون في الشؤون اللبنانية، وإن سوريا هي التي تعارض التوصل الى تسوية سريعة من شأنها تجنيب البلاد الوقوع في الأسوأ.
لكن المعنيين بتفاصيل الأمور يشيرون الى أن الصعوبات الداخلية لم تعد أمراً ميسور التجاوز، ويورد هؤلاء أخبار التسلح والتوتر الأمني في سياق ما يسمّونه «الاستعدادات النفسية والعملية لمواجهة ما قد يحصل إذا تعذّر التوافق». ويلفتون إلى أن إسراع الرئيس فؤاد السنيورة في إرسال مذكرة الى عواصم خارجية عن التسلّح وحصره بأطراف المعارضة وتحديداً بـ«حزب الله» يمثّل خطوة استباقية هدفها تحميل المعارضة مسؤولية كل ما قد يطرأ من توترات أمنية. وأكثر من ذلك، فإن المذكّرة تهدف، في نظر أصحاب الرأي نفسه، إلى تحميل المعارضة مسؤولية أي تسليح يقوم به الآخرون، ويفترضون أن الأمر سوف يتم من باب رد الفعل.
ويلفت أصحاب الرأي نفسه إلى أنه ليس أمراً ثانوياً تجاهل السنيورة أعمال التسلّح والتدريب الجارية لدى فريق 14 آذار وعدم إدراجها في رسالته، وهو الذي يعلم أن لدى الدول الكبرى ولدى الأجهزة المعنية في الأمم المتحدة معلومات مفصّلة عن أعمال تدريب تحصل خارج لبنان، كما أن الجلسة الوزارية التي شهدت مناقشة ملف التسلّح والتدريب انطوت على معلومات كثيرة عن ضلوع قوى من فريق 14 آذار في الأمر، وأن رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي المقدم وسام الحسن، وهو المحسوب مع جهازه على تيار المستقبل وفي عديده عشرات الضباط والعناصر من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، قد قال صراحة إن التدريبات التي قام بها عناصر أو مناصرون لتيار المستقبل ظلت محصورة في إطار شركات الأمن الخاصة. لكنه تحدّث من تلقائه عن قيام أفراد في المستقبل بشراء 500 بندقية حربية. علماً أن معلومات قوى سياسية وأجهزة أمنية رسمية تشير إلى أضعاف مضاعفة لهذا العدد. كما أن الحسن تحدّث عن معسكرات تدريب تابعة للحزب التقدمي الاشتراكي، وأنه تداول الموضوع مع النائب جنبلاط الذي وعده بإغلاقها.
وإلى جانب هذا السلاح المستخدم في المعركة الرئاسية، ثمة سلاح آخر تبرزه قوى الأكثرية ويتعلق بالوضع المالي والاقتصادي، وبدل الحديث عن كوارث سوف تحل بلبنان إذا لم ينجح التوافق، فإن القوى المؤثرة في هذا الفريق تكثر هذه الأيام من الحديث عن وعود ربيعيّة جديدة إذا سارت الأمور وفق ما تراه مناسباً، ويتولّى خبراء ومسؤولون في مؤسسات مالية واقتصادية كبرى الحديث عن تدفق مليارات الدولارات الى لبنان إذا حصل اتفاق، بما يوحي أن فشل التوافق سيحرم لبنان «حصة» يجري تسويقها كأنها أمر حاصل حتماً. وبالطبع فإن فريق السلطة يحمّل سلفاً فريق المعارضة مسؤولية العرقلة، وهو الذي لا يتوقف عن اعتبار اعتصام وسط بيروت كارثة أوصلت البلاد إلى الدين الكبير الراهن.
ويحذّر المعنيون من مناخ التعبئة غير المسبوق الموجود لدى فئات الشباب الموالي للتنظميات السياسية المتنازعة، ويلفتون الى أن التقارير التي ترد عن المشاكل التي تحصل في الأحياء الضيقة والكلام الذي يقال في المراكز الدينية أو في المكاتب الحزبية أو في الجلسات حتى العائلية منها، تنذر بأمر خطير، وإذا لم يحصل تدارك بواسطة تحوّل سياسي كبير، فإن القواعد سوف تكون جاهزة للانفجار في أي لحظة. وإنه يصعب الحديث حالياً عن اتّعاظ اللبنانيين من التجارب السابقة.
وعليه، فإنها المرة الأولى منذ وقت غير قصير، التي يبدو فيها العامل الداخلي حاضراً بقوة في الملف الرئاسي. والمفارقة التي ربما لا تعجب البعض من فريق 14 آذار، هي أن في فريق المعارضة من سوف يعيد الاعتبار وبقوة إلى العامل الداخلي، وربّما سيكون الجميع، من الموالاة إلى بعض المعارضين، أيضاً أمام مفاجأة من هذا النوع، وهي التي تعود حكماً إلى موقف رئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون وإلى سلوكه هو، الذي أبلغ جميع من يهمه الأمر، أنه لن يرفض أي محاولة لفرض تسوية خارجية فحسب، بل سوف يواجهها ويعمل على منع قيامها، وخاصة أنه يرى بوضوح أن في فريق الأكثرية من يريد القضاء على الدور المسيحي في لبنان، ومن يريد إعادة التقسيمات السياسية على خلفيات طائفية ممّا يدفع بالبلاد مجدداًَ إلى أجواء حرب أهلية. ويرى عون أن اضطلاعه بمواجهة تسوية من هذا النوع يمثّل في حد ذاته مناهضة لمشروع إعادة الحرب الأهلية الى لبنان.