نهر البارد ــ عبد الكافي الصمد
تعرّضت عودة نازحي مخيّم نهر البارد لنكستين كبيرتين الأسبوع الماضي، خفّفتا من الاندفاعة الواسعة التي رافقت انطلاقتها، ما دفع غالبيتهم إلى إعادة مراجعة حساباته مُجدّداً، بعدما تبيّن أنّ الآمال التي عُلّقت على العودة قد أُحبطت بعدما ارتطمت بجدار الواقع المعيشي الصعب الذي ينبغي على كل نازح عائد تحمّله.
النكسة الأولى تمثلت في عودة عدد من العائلات النازحة إلى الجزء الجديد من مخيّم نهر البارد على أعقابها من حيث أتت، إن كان من مخيّم البدّاوي أو المدارس الرسمية في البدّاوي، ولم يخرج من هذه المدارس وفق مصادر في الأونروا حتى يوم أمس إلا 21 عائلة فقط، بعدما لمسوا تعذّر العيش في بيوت تنعدم فيها أدنى مقوّمات العيش، من تيار كهربائي ومياه وبنى تحتية، فضلاً عن الركام الذي لا يزال موجوداً على جوانب الطرقات، والبيوت الخالية من كلّ شيء، وآثار الدّمار والحرائق التي لا تزال ماثلة أمام أعين العائدين، وانتشار البطالة وغياب المساعدات الموعودة، الأمر الذي جعل الشعار الذي رفعه غالبية النازحين بأنهم يرضون بالعودة إلى المخيّم والعيش فوق أطلاله وركامه، مجرد شعار لم يلبث أن تهاوى عند أول امتحان حقيقي.
وإذا كان أغلب العائدين قد دعوا الأونروا إلى تحمّل مسؤولياتها في هذا المجال، ورفع نسبة تقديماتها وخدماتها لأهالي المخيّم، فإنّ شكاوى كثيرة نُقلت عن معظمهم، أبدوا فيها تذمرهم من الإجراءات الأمنية المتشدّدة التي يتخذها الجيش على مداخل المخيّم عند دخول أو خروج أيّ منهم، وهو أمر لم يعتادوه من قبل. وكان لافتاً قيام أحد العائدين، الذي أصيب بالإحباط نتيجة هذه العودة غير الموفقة، بإضرام النيران في ما بقي من أثاث بيته، من أجل أن يقبض لاحقاً تعويضاً من الأونروا عن ذلك.
وإذا كانت هذه الحالة قد اعتبرت فردية ولا تمثل كلّ العائدين، الذين أعربوا عن استعدادهم للعيش في المخيّم مهما كانت الظروف المعيشية صعبة فيه، رافضين التشرّد والتسكع على أبواب الآخرين، فإنّ النكسة الثانية للعودة أتت من ذوي شهداء الجيش اللبناني الذين سقطوا أثناء أحداث مخيّم نهر البارد، وذلك بعدما خرجت في بلدة ببنين المجاورة، نحو 70 امرأة من ذوي الشهداء صبيحة يوم عيد الفطر إلى مستديرة العبدة، في حركة عفوية وسلمية بدرت منهن عقب زيارتهن قبور الشهداء والأموات، في تقليد متّبع في مناسبات كهذه، الأمر الذي استغله عدد من الشبّان والمتهورين، فقاموا برفع العصي وترداد الشعارات، قبل أن يعمدوا إلى قطع الطريق الدولي بالإطارت المشتعلة والحجارة لمدة قاربت ساعة من الزمن.
وقد دفع هذا التصرف عناصر الجيش اللبناني إلى التدخل وإعادة فتح الطريق، وسط استياء أبداه أكثرية ذوي شهداء الجيش، الذي رفضوا استغلال الموضوع بهذه الطريقة، لافتين إلى أنّ تحركهم «أتى ردّة فعل عفوية على عودة» نازحي مخيّم نهر البارد، مطالبين بـ«أخذ مشاعرنا بعين الاعتبار»، وسائلين: «كيف تعيدونهم إلى هنا ودمّ أبنائنا لم يجف بعد؟»،
وقد انعكس هذا التحرّك تراجعاً في حركة عودة النّازحين الذين تخوّفوا من تطوّر هذه التحرّكات نحو الأسوأ، بانتظار مزيد من الاتصالات لتوفير العودة إلى المخيم في ظروف وأجواء أفضل.
من جهة ثانية، أمل ممثّل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عبّاس زكي المساعدة في إيجاد المناخات التي تمكّن الفلسطيني من المحافظة على توازنه في لبنان في انتظار العودة إلى فلسطين. شرح زكي، أثناء زيارته الرئيس عمر كرامي في منزله في طرابلس، «معاناة العائدين إلى مخيم نهر البارد بفعل غياب البنى التحتية وحجم الدّمار والروائح وسوء البيئة والتقصير سواء من وكالة الغوث أو المعنيين». وردّاً على سؤال عن خشية البعض من أن يؤدّي غياب مقوّمات الحياة داخل مخيم نهر البارد إلى الإحراج فإعادة الإخراج، أوضح زكي أنّ «هناك إصراراً من جانب القيادة السياسية على بقاء المخيم»، داعياً الدول المانحة إلى الإسراع في توفير السكن عبر البيوت الجاهزة، وترميم الأبنية في المخيّم الجديد، في انتظار إعادة بناء المخيّم القديم.