حسن عليق
ذكر قراران قضائيان أن موقوفاً تراجع عن جزء من إفادته التي أدلى بها لدى مكتب مكافحة المخدرات المركزي، مدّعياً أنها انتزعت منه تحت التعذيب. وأضاف القراران أن طبيباً شرعياً بيّن تعرّض الموقوف للعنف، من دون أن تتحرّك أي جهة قضائية أو رقابية للمساءلة أو التحقيق في ادّعاء التعذيب

خلال التحقيق الاستنطاقي، ذكر بدري م. (مواليد 1987)، المتّهم بترويج المخدرات وتعاطيها، أمام قاضي التحقيق في بيروت، ماجد مزيحم، أن محققين من مكتب مكافحة المخدرات المركزي في ثكنة حبيش، انتزعوا منه تحت التعذيب اعترافاً بترويجه للمخدرات. من ناحية أخرى، اعترف المتهم أمام القاضي أنه يتعاطى الهيرويين. وادّعى بدري، أنه على مدى ثلاثة أيام تلت توقيفه نهاية أيار الفائت، تعرّض للتعليق من يديه ورجليه، وللضرب بالعصي وبالكرباج على ظهره وقدميه، وأنه ضُرب بمسدس على رأسه خلف الأذن اليسرى، وضُرب بالأيدي والأرجل على صدره من الأمام. وقد طلب وكيل المتهم، المحامي عماد المصري، عرض موكله على طبيب شرعي، فكلّف القاضي مزيحم الطبيب عدنان دياب بمعاينة بدري الذي كان موقوفاً في سجن رومية، وتنظيم تقرير طبي بوضعه الصحي. وقد نظّم الطبيب دياب، بعد المعاينة، تقريراً ذكر فيه أن الموقوف يعاني مما يلي:
أ ـــــ وجود آثار رضّة في الرأس خلف الأذن اليسرى.
ب ـــــ وجود تقرّح في طور الاندمال في أعلى اليد اليمنى ووسطها قرب المعصم، مع تورّم من فكش في المعصم الأيمن.
ج ـــــ وجود تقرّح في طور الاندمال في المعصم الأيسر في وسطه وفي طرفه الداخلي.
د ـــــ وجود رضوض عدّة إلى الأمام في الخاصرة اليسرى، مع آثار لثلاثة قروح وجلوف في طور الاندمال.
هـ ـــــ وجود جلف في طور الاندمال في الجهة الخارجية من الركبة اليمنى، مع تورّم في الركبة وألم شديد عند الوقوف وعند المشي وعند الفحص وتحريك الركبة، وكذلك هنالك جلف في طور الاندمال في أعلى الساق اليمنى من الجهة الخارجية.
و ـــــ وجود آثار للضرب في الظهر من الجهة اليمنى من أداة مستطيلة ورفيعة.
ز ـــــ الموقوف يشكو ألماً في وسط الصدر من الأمام مع قصور نسبي في التنفس.
ح ـــــ وجود آثار لرضّة في وسط بطّة الساق اليمنى.
وقام الطبيب المعاين بتوثيق الإصابات بالصور، وذكر أنها «ترجع إلى قرابة الأسبوع، بناءً على وضع الجلوف التي في طور الاندمال وحال الرضوض».
وفي قرار علني صادر يوم 9/7/2007، رأى القاضي مزيحم فِعل بدري م. وآخرين من نوع الجناية المنصوص عليها في المادة /126/ من قانون المخدرات. ويوم 8/10/2007، أصدرت الهيئة الاتهامية في بيروت برئاسة القاضي جميل بيرم قراراً أتى مصدّقاً لقرار القاضي مزيحم.
واللافت في قراري قاضي التحقيق والهيئة الاتهامية ذكرهما أن تقرير الطبيب الشرعي بيّن أن المدّعى عليه تعرّض للعنف، من دون أن يبني أي من القرارين على تسجيل واقعة العنف لإصدار أي قرار كان، أو لعدم الأخذ بالتحقيقات الأولية، أو لإحالة الملف على النيابة العامة للادّعاء. مع العلم بأن المادة 60 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تنص على أنه إذا اكتشف قاضي التحقيق «أثناء التحقيق أفعالاً جرمية غير متلازمة مع الفعل المدّعى به، يحيل الملف إلى النائب العام ليدّعي بهذه الأفعال». كما أن المادة 140 من القانون نفسه تنص على أن «الجرائم غير المتلازمة مع الجرم الأصلي، يقتضي لتحريك دعوى الحق العام فيها ادّعاء النيابة العامة». ورغم غياب نص واضح في القانون يلزم الهيئة الاتهامية بإحالة الملف على النيابة العامة للادّعاء في حال اكتشاف جرم، إلا أن الأصول المتّبعة لدى قاضي التحقيق تأخذ الصفة الإلزامية للهيئة الاتهامية، لكون الأخيرة هي الدرجة الثانية من قضاء التحقيق.
وتطرح هذه الحادثة جملة من الأسئلة التي تبقى من دون إجابة، بعدما نشرت «الأخبار» القرار الظني في عددها الصادر يوم 13 آب 2007. ألا يعدّ التعذيب جرماً يعاقب عليه القانون؟ وفي حال لم يتقدّم المتهم بادّعاء شخصي على من يدّعي أنهم قاموا بتعذيبه وانتزاع اعترافات منه بالعنف والإكراه، ألا تتحرّك النيابة العامة تلقائياً للتحقق من ادّعاءاته، وبالتالي حماية الموقوف من تكرار ما تعرّض له، في حال ثبتت صحة أقواله؟
وتجدر الإشارة إلى أن إثارة هذه الأسئلة ليست من باب التشكيك بالتهم المنسوبة إلى المتهم الذي لا يزال متمتعاً بقرينة البراءة، بل من باب تأكيد الكرامة الإنسانية التي كفلها الدستور والقانون اللبنانيين، إضافة إلى القوانين الدولية. وهذه الكرامة يتمتّع بها الإنسان، سواء أكان متهماً بريئاً، أم مذنباً نزَعت عنه البراءة محكمة عادلة.