الضنّية ــ عبد الكافي الصمد
لم تسهم الأمطار القليلة التي هطلت قبل نحو عشرة أيّام في الضنّية، في تبديد مخاوف الأهالي من احتمال انتقال موجة الحرائق التي ضربت مناطق حرجية واسعة في لبنان إلى منطقتهم. ذلك أنّ الحريق الذي اندلع منتصف الأسبوع الماضي في حرج السفيرة الكبير، وقضى على مساحات حرجية واسعة فيه، أتى ليؤكّد أنّ عوامل الطبيعة ليست السبب الفعلي في اندلاع الحرائق، بل إنّ معتدين على الأحراج، وتجّار فحم وحطب، لهم اليد الطولى في اندلاع مثل هذه الحرائق.
ويوضح رئيس دائرة التنمية الريفية في مصلحة الزراعة في الشمال غازي الكسّار، أنّ الحريق المذكور شبّ في منطقة وعرة من الحرج، وتقع في نقطة متساوية في بعد المسافة عن بلدات السفيرة وبطرماز وطاران، مشيراً إلى أنّه لا إمكان لوصول سيّارات الإطفاء إليه، ما دفع الأهالي، بالتعاون مع طوّافات الجيش اللبناني، إلى إخماده يدوّياً على فترة زمنية امتدت أكثر من يومين.
ويرجّح الكسّار أن يكون الحريق مفتعلاً، «لأنّه اندلع بعد أيّام قليلة من هطول الأمطار في المنطقة، ما يدحض تماماً ما يُحكى عن أنّ يباس العشب وعوامل الطبيعة كانا السبب في ذلك، وهو أمر مشابه لما حدث في أحراج القبيّات وعندقت في عكار من حرائق، إذ اندلعت معظمها بعد الفجر بقليل، حيث يكون الندى على الأعشاب وأوراق الأشجار. إضافة إلى أنّ الحرائق هناك حصلت في أوقات كانت درجات الحرارة فيها غير مرتفعة، عدا عن أنّ الغيوم المتوسطة والضباب كانا يعمّان المنطقة».
وفي حين يشير الكسّار إلى أنّ 19 شخصاً هم قيد التحقيق حالياً لمعرفة خلفيات أسباب الحرائق في عكار، يرى أنّ الأسباب الاقتصادية المتدهورة لغالبية المواطنين، والارتفاع غير المسبوق لأسعار مادتي المازوت والغاز، هما اللذان يدفعان المواطنين وتجّار الحطب والفحم إلى التعدّي على الأحراج.
وكانت دوائر مصلحة الزراعة في الشمال قد سجّلت 9 محاضر ضبط بحق مخالفين اعتدوا على الأحراج في الضنّية خلال الشهر الماضي، وهو رقم يعدّ مرتفعاً نسبياً، لأنّه جاء خلال فترة السماح بإعطاء رُخص تشحيل اليباس واستصلاح الأراضي الزراعية، حيث ترتفع نسبة وأعداد المحاضر إلى أكثر من الضعف في غير أوقات السماح هذه.
ويلفت رئيس مصلحة الزراعة في الشمال، معن جمال، إلى أنّ المصلحة تُعطي رُخَصاً لاستثمار الأحراج والغابات في الشمال ضمن الأطر القانونية، وخصوصاً رُخص قطف الصنوبر المثمر، وتشحيل اليباس من الأشجار الحرجية، وصناعة الفحم، واستصلاح الأراضي الزراعية، وغيرها، مشيراً إلى أنّ قانون الغابات يسمح باستثمار الغابات والأحراج ضمن مُهلٍ قانونية، تبدأ بالنسبة إلى التشحيل من 15 أيلول ولغاية 14 نيسان، وتبدأ بالنسبة إلى صناعة الفحم من الأول من تشرين الثاني وتمتد لغاية شهر حزيران.
في موازاة ذلك، تبقى المخاوف قائمة من التقلّص الذي تتعرض له رقعة المساحة الحرجية في الضنّية سنوياً، والتي تحتاج إلى جهود كبيرة للحفاظ عليها. إذ إنّ مجموع المساحات الحرجية فيها، وفق «أطلس لبنان الزراعي» الذي صدر عام 2001، في إطار مشروع الإحصاء الزراعي الشامل المُموّل من الحكومة اللبنانية، والبنك الدولي، بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو»، يبلغ 13932 هكتاراً، أيّ نحو 38 في المئة من مساحة المنطقة التي تبلغ مساحتها 364 كيلومتراً مربعاً، ما يجعلها واحدة من أغنى مناطق الشمال ولبنان في هذا المجال. أمّا باقي المناطق الشمالية، فقد بلغ مجموع المساحات الحرجية، وفق الأطلس الزراعي نفسه، كالآتي: الكورة 4390 هكتاراً، زغرتا 5601 هكتاراً، البترون 12364 هكتاراً، عكّار 20793 هكتاراً وبشري 4321 هكتاراً.