إبراهيم الأمين
بين الشخصيات السياسية التي تعقد اجتماعات جدية مع دبلوماسيين أجانب لمناقشة الوضع اللبناني، من يضع سيناريو لا يقل تشاؤماً عن أي سيناريو كان سيضعه فؤاد بطرس المشهور بنظرته التشاؤمية. والمسألة تتصل أولاً وأخيراً بحقيقة ما يردّده الدبلوماسيون «من جماعة القرار الفعلي»، على قول هذه الشخصية التي تدعو المعارضة الى «التبصر في الآتي من الأيام، وأن تنتبه جيداً الى كمين محكم يعمل على نصبه لها أطراف بارزون في فريق 14 آذار» وبدعم وتشجيع جديّين ومكثفين من الولايات المتحدة وبعض الدوائر الغربية، الى جانب تغطية لا سابق لها من أطراف عرب مثل السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة وعدم ممانعة مصرية.
«في المعلومات»، كما تردّد هذه الشخصية، أن المتوقع حصوله خلال الفترة الآتية هو:
أولاً: أبلغت الولايات المتحدة النائب سعد الحريري أنها تضع فيتو على كل من العماد ميشال عون والعماد ميشال سليمان وعلى مرشح مدني يعتبر مقرباً جداً من سوريا. وقالت إنها لن تتدخل في سائر الأسماء، وهي تدعم في حال اللجوء الى خيار النصف الزائد واحداً المرشح نسيب لحود دون غيره، وتعوّل على دور كبير له في مجالات عدة.
ثانياً: إن الولايات المتحدة ترى أن من المبكر أن يعدّ النائب الحريري العدّة لكي يضطلع هو بمسؤولية مباشرة، وأن بقاء الرئيس فؤاد السنيورة في منصبه «أمر حيوي»، وأن هناك الكثير من المهمات التي يجب أن تترك للسنيورة.
ثالثاً: إن المملكة العربية السعودية تشاطر الولايات المتحدة الرأي في ما خص موقع السنيورة، وقد أبلغت الحريري خلال الأيام الماضية دعمها المفتوح لرئيس الوزراء الحالي، وهو أمر يعكس مناقشات جارية داخل أوساط القيادة السعودية حيال الدور المرتقب للنائب الحريري، الى جانب تقدير السعوديين للدور الذي أدّاه السنيورة في مواجهة الأزمات القائمة.
رابعاًَ: إن القرار الأميركي، ومعه السعودي، حاسم بالنسبة الى عدم الدخول في تسوية من النوع الذي يفقد فريق 14 آذار أرجحية واضحة في الحكم، ولا بأس بانتظار بعض الوقت حتى يتحقق ذلك، ولو أدى الى توسع الفترة الانتقالية التي تترك فراغاً في رئاسة الجمهورية، شرط عدم التضحية بالحكومة الحالية، وبالتالي فإن تجديد الدعم لحكومة السنيورة يهدف الى تعزيز وضعه في مواجهة الضغوط المتنوعة، وإلى إفهام فريق 14 آذار أنه لا يمكن فتح أي نوع من أنواع البازار الذي يؤدي الى إسقاط هذه الحكومة قبل الأوان المحدد.
وبناءً على ذلك، تضيف هذه الشخصية أن المناخ الدولي المحيط بلبنان ليس إيجابياً كما يفترض كثيرون، وفكرة تشتيت القرار اللبناني وتعديل موازين القوى الداخلية، ولو على أسس طائفية ومذهبية، هي من ضمن الأفكار التي يُعمل عليها بلا هوادة. ويلفت الى أن الحملة غير المتوقفة على حزب الله وعلى سلاح المقاومة تأخذ في الاعتبار أمرين، أولهما إشعار الجمهور بأن الحديث عن هذا السلاح هو نفسه الحديث عن أي سلاح آخر، وأن نجاح وليد جنبلاط في معركة إسقاط الحرم عن أي تناول لسلاح المقاومة، قد فتح الباب أمام عمل من نوع آخر، هو تعزيز المناخ الميليشياوي في مناطق عدة من لبنان. وتلفت هذه الشخصية الى معلومات موثقة عن تورّط دولة عربية بارزة في أضخم عملية تمويل لأنشطة سياسية ومدنية وغير مدنية في مناطق الشمال تحت عنوان «تحقيق توازن» مع الجنوب والبقاع، ولمواجهة ما يعتبرونه هجوماً سورياً مضاداً في هذه المنطقة حيث يصار الى استمالة العديد من الشخصيات والجمعيات والتجمعات من موقع الأكثرية إلى مواقع المعارضة. وتتحدث الشخصية نفسها عن مبالغ خيالية يصرفها تيار «المستقبل» هناك، وهي أموال مخصصة فقط لهذه الحملة.
وعن توقعات الغرب حيال المرحلة المقبلة، تنسب هذه الشخصية الى السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان قوله إن ما يجري الآن من «حج في اتجاه الرئيس نبيه بري» من قبل شخصيات مسترئسة في فريق 14 آذار لا «يعبّر عن حكمة»، والسفير نفسه قال كلاماً «حاسماً» عن «أن الانتخابات الرئاسية يجب أن تتم وفق مصالح فريق 14 آذار، وأن خيار النصف +1 جدي، وفي حال اللجوء إليه فهذا يعني انتخاب النائب السابق نسيب لحود رئيساً للجمهورية، وسوف يكون العالم كله في موقع الراعي لهذه الخطوة وسوف يحظى لحود بحفلة علاقات عامة لم يحظ بها أي رئيس سابق في لبنان أو المنطقة».
لكن الشخصية المذكورة تلفت الى أن السيناريو المقترح لتنفيذ هذه الخطوات قد شهد تعديلات جدية، منها ما يتصل بتوقيت التحرك. وتنسب الشخصية الى مصادر واسعة الاطلاع تأكيدها أن «القرار الحالي يقول بعدم إقدام فريق 14 آذار على أي خطوة الآن، وترك الآخرين يقعون في الخطأ، وهم إذ يعرفون أن مبادرة الرئيس بري الأخيرة عملت على احتواء خطوة مسبقة من جانب المعارضة، فإن فريق 14 آذار يراهن على الأيام الأخيرة، وعلى قيام الرئيس إميل لحود بخطوة من شأنها دفع فريق الأكثرية الى ردة فعل، وبالتالي فإن انتخاب رئيس من طرف واحد وتأليف حكومة جديدة من طرف واحد، سوف يوضعان في سياق رد الفعل على خطوة قامت بها المعارضة».
وتدعو هذه الشخصية المعارضة، ولا سيما التيار الوطني الحر وحزب الله، الى التنبه «من الكمين الذي يهدف الى الإيقاع بها وتوريطها في خطوات تعتبر تقسيمية، وأن على هاتين القوتين أن تدرسا الملف بتأنٍّ، وأن تناقشا مع الرئيس لحود الخطوات الواجب اتخاذها، وتتركا المبادرة إلى الترصف السلبي للطرف الآخر». وتلفت هذه الشخصية الى أن «هناك من يعمل ليل نهار لتوريط حزب الله تحديداً في مشاكل أمنية، وأن المذكرة التي أرسلها الرئيس السنيورة الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن التسلح واتهام حزب الله بتسليح قوى المعارضة تندرج في سياق تهيئة الأجواء لمواجهة من هذا النوع، وأن في قوى 14 آذار من يعمل على سيناريوهات أمنية بالتنسيق المباشر والمفتوح مع أجهزة أمنية بارزة في العالم العربي ومع أجهزة أمنية دولية».
وفي معزل عن السياق التشاؤمي لسرد هذه الشخصية، إلا أن الوقائع القائمة تشير الى أن المشكلة الكبرى سوف تكون في الموقف المسيحي من الأزمة الرئاسية، بعدما أظهرت الأيام الماضية العجز الكبير في قدرة الكنيسة ومن خلفها الفاتيكان على إنتاج موقف مسيحي من شأنه تنفيس الاحتقان القائم وطنياً. ويبدو أن المسيحيين الآن أمام واحد من خيارين: إما انتزاع موقع الشريك الفعلي، وإما انتظار نتيجة التسوية أو الخلاف القائم داخل الفريق المسلم حالياً.