محمد بدير
أخلى ساسة إسرائيل الساحة أمس لوسائل الإعلام ومحلليها للتعليق على تفاصيل عملية التبادل التي تمت الاثنين الماضي. وأفادت تقارير نشرتها الصحف العبرية أن المعلومات التي سلّمها حزب الله إلى تل أبيب في إطار الصفقة بشأن الطيار الإسرائيلي المفقود، رون أراد، لا تتضمن أي جديد، واقتصرت على تقرير يفصّل المساعي التي قامت بها أجهزته لكشف مصير أراد. وفيما اختلفت تعليقات الصحف بشأن إمكان «فك الارتباط» بين ملفَّي أراد والأسير سمير القنطار بعد التقرير الذي سلّمه الحزب، أقرّ مسؤولون إسرائيليون بحصول تقدم في المفاوضات الجارية لإنجاز صفقة التبادل الكبرى، متحفّظين في الوقت نفسه على منسوب التفاؤل الذي عكسه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أول من أمس.
وذكرت صحيفة «هآرتس» أن التقدير الآخذ بالتبلور في إسرائيل في أعقاب المعلومات التي تسلّمتها تل أبيب، يرى أنه سيتعين على إسرائيل إطلاق القنطار من أجل إطلاق سراح جنديَّيها الأسيرين. وكانت إسرائيل تربط حتى الآن بين ملف القنطار وملف أراد، مشترطة الحصول على معلومات عنه مقابل الإفراج عن القنطار.
وبحسب «هآرتس»، فإن إسرائيل ستتنازل في هذه الحال نهائياً عن احتمال الحصول من حزب الله على معلومات تكشف مصير أراد. وكان حزب الله قد قدّم تعهداً ضمن إطار صفقة التبادل التي أُنجزت عام 2004 بالعمل على كشف مصيره، مقابل التزام إسرائيل إطلاق القنطار.
وقالت الصحيفة إن «الحزب نقل إلى إسرائيل في إطار صفقة الاثنين وثائق تتعلق بموضوع أراد، لكنها لا تحتوي على معطيات جديدة، بل تعرض للجهود التي بذلها الحزب في محاولاته لكشف مصير أراد». وتتحدث هذه الوثائق، على سبيل المثال، عن الأماكن التي جرى فيها البحث عن الطيار المفقود وعن الشهود الذين استجوبوا، وكذلك الأسئلة التي وجهها الحزب إلى جهات إيرانية بهذا الشأن، والأجوبة التي حصل عليها.
وأشارت «هآرتس» إلى أن التقدير السائد لدى الجهات المعنية في إسرائيل حالياً هو أن حزب الله بذل جهداً فعلياً للكشف عن مصير أراد، إلا أنه فشل. ولفتت إلى أن المعلومات نقلها الحزب إلى إسرائيل عن أراد محدودة، ولا تحل لغز اختفائه. ورأت أن الحزب نقل من الناحية العملية إلى إسرائيل رسالة تفيد أنه غير قادر على تزويدها بالمعلومات التي تتوقعها منه، وعليه سيكون على اسرائيل أن تحسم أمرها بين خيارين: إما أن تشمل الصفقة المقبلة القنطار وإما أن تصرّ على موضوع أراد.
وبرغم نقلها عن مصادر سياسية إسرائيلية قولها إن تل أبيب لا تعتزم التنازل عن مطلب الحصول على معلومات «صلبة» في موضوع أراد، قدّرت الصحيفة أن إسرائيل ستوافق على بحث موضوع القنطار كجزء من الصفقة المقبلة، ولن تقبل إطلاقه قبلها، بذريعة أن حزب الله وفى بالتزامه في موضوع أراد.
إلا أن صحيفة «يديعوت أحرونوت» كتبت أن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أنها ستشترط الحصول على معلومات إضافية عن الطيار الإسرائيلي قبل إنجاز صفقة تبادل أسرى مع حزب الله. وقالت إن تل أبيب ستنقل رسالة إلى الوسيط الألماني مفادها أن ثمة حاجة لمعلومات إضافية عن أراد قبل موافقة إسرائيل على «الصفقة الكبرى». ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية قولها إن إسرائيل لم تتنازل عن المرحلة الثانية من صفقة العقيد المتقاعد الحنان تننباوم، وهي تطالب بالحصول على معلومات حقيقية تتعلق بمكان وجود أراد.
وقالت المصادر نفسها إن دراسة المعلومات التي سلّمها حزب الله ستستمر أياماً، «ولا توجد نية في هذه المرحلة لإطلاق القنطار أو أي أسرى لبنانيين آخرين، فالأمر يتعلق بمرحلة سابقة لأوانها. سنستمر في بذل كل الجهود من أجل إعادة الأبناء إلى البيت، وتحتاج المفاوضات إلى صبر كبير. إلا أنه بعد الخطوة الأولى، التي يمكن وصفها بمحاولة إعادة بناء الثقة في كل ما يتعلق بتبادل الأسرى، نتمسك بالأمل بما سيأتي». وأضافت: «لا يمكن القول الآن كم من الوقت ستستغرق هذه العملية، أو فيما إذا كانت المفاوضات عبر الوسيط الألماني ستؤدي إلى نتائج حقيقية، لكننا نأمل ونصلّي من أجل تحقيق ذلك».
وتعليقاً على الكلمة التي ألقاها السيد حسن نصر الله، مساء أول من أمس، قالت «هآرتس» إن «الأوساط الإسرائيلية تقدّر أن تصريحات نصر الله تهدف إلى أمرين: إقناع عوائل الأسرى اللبنانيين المعتقلين في إسرائيل بأنه يعمل جاهداً لإبرام صفقة تنجز تعهّده بإطلاق سراحهم، وزيادة ضغط عائلتي الأسيرين الإسرائيليين على الحكومة بغية رفع سقف المقابل الذي يريد حزب الله الحصول عليه مقابلهما».
ورأت الصحيفة أن الصعوبة الرئيسية في بلورة الصفقة المقبلة، إضافة إلى موضوع أراد، تكمن في مطالبة الحزب بإطلاق عدد كبير من الأسرى، قبل أن يدلي بمعلومات تتعلق بمصير الجنديين. وأشارت إلى أن المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل حاولتا أمس، في أعقاب كلمة السيد نصر الله، خفض سقف التوقعات حيال احتمال التوصل قريباً إلى إبرام صفقة غولدفاسر وريغيف، ونقلت عن مصادر أمنية رفيعة تقديرها أن الاتصالات بهذا الشأن قد تستمر شهوراً. ورغم ذلك، نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مسؤولين سياسيين إسرائيليين إقرارهم بحدوث تقدم في المفاوضات لإتمام الصفقة المزمعة.
وفي سياق متصل، أعلنت عائلة هاران الإسرائيلية، التي قُتل ثلاثة من أفرادها في العملية التي نفذها القنطار في مدينة نهاريا شمال إسرائيل عام 1979، عدم اعتراضها على إطلاق سراح القنطار مقابل الجنديين الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة في لبنان، على أن يكونا على قيد الحياة.
وقال شقيق داني هاران الذي قُتل في العملية، «إذا كان المخطوفان على قيد الحياة، مع التشديد على أنهما أحياء، فإني أوافق على إطلاق سراح سمير القنطار». ورأى أن «إعادة الجنديين أحياء إلى الدولة يستحق عمل كل شيء، وعلى الدولة القيام بكل شيء، فهذا ليس أمراً شخصياً يتعلق بي، بل هو أمر يتعلق بالدولة. وهذا الثمن (إطلاق سراح القنطار) غال جداً».