عمر نشابة
تزايدت في الآونة الأخيرة المظاهر المسلّحة في مدينة بيروت. إذ يُشاهَد رجال باللباس المدني يحملون مسدّسات من مختلف الأنواع والعيارات يتنقلون بها بشكل ظاهر لا بل بشكل استعراضي. كما تزداد ظاهرة الأمن الذاتي أو الحرس الخاص باللباس المدني في الأحياء السكنية على مقربة من المدارس والجامعات والاسواق التجارية والاماكن السياحية. ولا يقتصر الوجود المسلّح في بيروت على المربّعات الامنية في عين التينة وقريطم وحارة حريك وجلّ البحر وكليمنصو، بل يتعداها الى شوارع فردان والحمرا والمزرعة ومار الياس والظريف والزيدانية والطريق الجديدة وغيرها. كما يتجوّل مسلّحون بسيارات مدنية ويتبيّن لاحقاً أنهم من رجال التحرّي أو من فرع المعلومات في قوى الأمن أو الأمن العام أو أمن الدولة أو تابعون لمديرية المخابرات في الجيش. أما المسلحون الآخرون فمن المفترض أن تكون بحوزتهم تراخيص بحمل السلاح صادرة عن وزارة الدفاع رغم أن هذه التراخيص مدوّن عليها «يمنع حمل السلاح بشكل ظاهر».
في البلدان المتطوّرة تشدد الانظمة الداخلية للشرطة على وجوب إبراز بطاقة تعريف بشكل واضح، أي إما معلّقة حول الرقبة أو موضوعة بجانب المسدّس خلال تجوّل العسكريين باللباس المدني. أما في لبنان فيسمح القانون لبعض العناصر الأمنية بارتداء الملابس المدنية دون أن يشدد على ضرورة إبراز بطاقة التعريف.
لكن مع تكرار حوادث انتحال صفة عناصر أمنية رسمية لارتكاب جرائم بحقّ الناس، يتساءل المواطنون: كيف نميّز بين رجال الامن وأشخاص مسلحين خارجين عن القانون ينتحلون صفة عناصر أمنية رسمية؟ ومن الناحية العملية نسأل: ما هي الفائدة من عدم ارتداء اللباس العسكري عندما يكون السلاح ظاهراً؟
نستعرض بعض الحوادث التي افتعلها مسلحون باللباس المدني والتي وقعت في الآونة الأخيرة وكان ضحيتها بعض المواطنين، علماً بأنه في معظم الأحيان لا يبرز رجال الأمن والشرطة بطاقاتهم العسكرية التي تعرّف عنهم للمواطنين لا بل يرفضون إبرازها عندما يُطلب منهم ذلك، بل حتى يعتدون أحياناً على المواطنين الذين يصرّون على رؤية بطاقة التعريف والتأكد منها اعتقاداً منهم أن ذلك مهين لهم ولـ«هيبتهم» العسكرية. ويتناسون أنهم موظفون في مؤسسات أنشئت أصلاً لخدمة الناس لا لقمعهم وترهيبهم.

«معك تحرّي، فتاح الباب»

خرج مواطن برفقة صديقته الساعة الثالثة والنصف فجراً من ملهى في شارع مونو، وعندما استقلا سيارتهما فاجأهما شخص مسلّح عرّف عن نفسه بأنه رجل أمن، وطلب منهما أن يطفئا ضوء السيارة الداخلي وأنزل الشاب من السيارة بالقوة وأخذ يضربه، ثم شهر عليه مسدساً وقال إنهما كانا في وضع مشبوه وحاول سلب ما في حقيبة يد الفتاة، ورغم مقاومتهما تمكن من سلب مبلغ من المال منها ثم اعتدى عليها جنسياً.
وفي حادثة مشابهة فاجأ مسلّح شاباً وفتاة كانا يستقلان سيارتهما بالضرب على باب السيارة صارخاً: «معك تحري، فتاح الباب»، فامتثل المواطنان فشهر منتحل الصفة مسدساً حربياً وطلب من الفتاة ممارسة الجنس معه وحين رفضت أخذ يضرب الشاب وأجبر الفتاة على نزع ثيابها والتعري أمامه محاولاً اغتصابها.
وفي ساحل علما، أقدم مجهولون يستقلون سيارة من نوع جيب شيروكي على اعتراض سيارة من نوع بورش يقودها مواطن وترجل من السيارة الأولى شخصان يحمل أحدهما مسدساً والثاني يحمل بندقية كلاشنيكوف وادّعيا أنهما من رجال التحرّي، وطلبا من السائق النزول من السيارة، وعندما رفض أنزلاه بالقوة وضرباه بالبندقية وأقعداه في المقعد الخلفي وتوجها به إلى منطقة ضبية حيث أنزلاه من السيارة بعد سلبه أمواله وأموال رفيقته وهاتفاً خلوياً وساعة يد، ثم أخذا سيارته معهما وغادرا.
وفي بيروت ادعى مواطن أمام فصيلة حبيش أن مسلحين مجهولين أوقفاه في شارع الحمرا بعدما ادّعيا أنهما من عناصر مفرزة الاستقصاء، ثمّ سلباه محفظته بما فيها من أموال وأوراق ثبوتية إضافة إلى هاتفه الخلوي.

البحث عن حلّ

إن استمرار المظاهر المسلّحة باللباس المدني بحجّة الأمن بالتخفّي أمر يدعو للسخرية، إذ كيف يمكن التخفّي بسلاح ظاهر؟ وبالنسبة إلى الحراسة والمواكبة الأمنية وإجراءات الحماية فإن مظاهر السلاح تساعد المخطط لارتكاب جريمة اغتيال على تحسين خططه عبر أخذ الاحتياطات اللازمة لصدّ سلاح الحماية الظاهر.
أما في ما يخصّ عمل الشرطة القضائية وفرع المعلومات فمن المستحسن أن يبرز العناصر بطاقاتهم للمواطنين قبل التواصل معهم حتى ولو لم يطلب المواطن إبراز البطاقة لأن ذلك يشير الى احترام الناس ويشعرهم بأن هؤلاء العناصر تابعون لمؤسسة لخدمتهم قابلة للمساءلة والمحاسبة وليسوا جزءاً من الحركات الميليشياوية التي كانت سائدة في البلد خلال الفترة السابقة.
وفي ما يتعلّق بالعمل السرّي أو الأمن بالتخفّي فهذا النوع من العمل غالباً لا يستدعي استخدام السلاح الفردي أصلاً.