نادر فوز
واجهت البشرية مخاطر عديدة مع تطوّر المجتمعات وتقدّم صناعتها، وخاصةً في القرن الماضي، حيث انصبّت جهود الدول «الكبيرة» على تصنيع الأسلحة التي كانت العنصر الأهمّ في السيطرة على الدول «المتخلّفة»، وسلب ما تيسّر من الثروات لتمتين الاقتصادات القومية والوطنية. واليوم، ازداد خطر تلك الدول ومؤسّساتها، إذ إنّها بعيداً من تصنيع أسلحة الدمار والسلطة والسيطرة، أصبحت تهدّد، من خلال الاحتباس الحراري، البشرية جمعاء التي يحق لها المشاركة في ثروات الأرض والعيش بسلام.
يصحّ وصف ما تقوم به الدول الصناعية الكبرى بالإرهاب، إذ إنها تقوم بتدمير حياة سكان الأرض، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بل عبر تهشيم البيئة. و«الاحتباس الحراري»، يمكن تعريفه علمياً، بأنه ارتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة تغيّر في دوران الطاقة الحرارية، أي ازدياد ضخّ المزيد من الغازات المضرّة بالطبقات الجوّية والتي تنفثها المصانع والمعامل. معالم «الإرهاب الجديد» واضحة وتترجم بشكل شبه دوري في معظم القارات والمناطق، فنشهد من فترة إلى أخرى تغيّرات في المناخ وفيضانات كارثية وازدياداً في التصحّر وارتفاع نسبة ذوبان القطبين الجليديين. وأبرز ما يمكن الحديث عنه اليوم هو التغيّر المناخي الحاصل في كل القارات. وتجدر الإشارة إلى أنّ حرارة الأرض ارتفعت 6 بالعشرة من الدرجة المئوية خلال القرن الأخير.
يعتبر بعض العلماء أنّ ارتفاع درجة حرارة الأرض ظاهرة طبيعية على اعتبار أنّ التغيّر المناخي يعدّ أمراً طبيعياً، فيشهد سكّان الكوكب فترات باردة، كما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا حيث انخفضت درجات الحرارة بشكل ملحوظ بعد عدة قرون من سخونة المناخ. لكن هذا التبرير العلمي غير كامل، إذ يستبعد تأثير الإنسان في ظاهرة التغيّر المناخي.
وللإنسان دور بارز في ضخّ الغازات الضارّة إلى الفضاء الخارجي نتيجة الصناعة والنقل والتجــــــــارة. وتُحفظ هذه الغازات في الطبقات السفلى من الغلاف الجوّي وتعكس نور الشمس وتمتصّ منها الأشعة دون الحمراء، فترتفع حرارة هذه الطبقات، ومعها يرتفع معدّل حرارة الهواء على سطح الأرض وحرارة المحيطات.
الحديث عن الصناعة والتجارة والنقل لا بد من أن يعني الدول الكبرى، أي الدول التي وسّعت نشاطها الاقتصادي عبر تحطيم مجتمعات الشعوب الأخرى، وعبر المسّ بالمشاع العالمي الذي يحق للجميع الاستفادة منه. وقد سوّقت الدول الكبرى نماذج النمط الرأسمالي الذي حوّل الموارد الطبيعية إلى رأسمال يجب استثماره كيفما كان، ومهما كانت عواقب هذا الاستثمار. وسوّقت نموذج حياة الرفاهية، ما جعل بعض المجتمعات أكثر استهلاكاً للطاقة، بهدف ما يسمّى «الترفيه والتسلية» وبحجّة الراحة. ويمكن، على سبيل المثال، ذكر بناء جبل الثلج في دولة الإمارات، إضافةً إلى مشاريع «ترفيهيّة أخرى»، وهو ما جعل هذه الدولة تحتل المرتبة الأولى في مسألة الاحتباس الحراري، إذ إنّ الأثر البيئي للشخص الواحد في الإمارات يقدّر بـ11.9 هكتاراً، أي أن علينا زرع 11.9 هكتاراً من الغابات والأشجار لتعويض الضرر البيئي لفرد إماراتي واحد. وتكون الإمارات تخطّت الولايات المتحدة التي يبلغ فيها الأثر البيئي للشخص الواحد 9.6.
يأتي تبرير بعض العلماء بأنّ ارتفاع سخونة الأرض ظاهرة طبيعية، ليصبّ في مصلحة المؤسّسات والشركات الاقتصادية والصناعية الكبرى، أي الدول الصناعية الكبرى. ويمكن الحديث هنا عن مسألة الإرهاب الذي تمارسه هذه الدول ــــــ الشركات على علمائها في عدم نشر أي دراسات أو أرقام تصبّ في خانة إظهار تردّي الوضع البيئي. ويشير اتحاد العلماء المهتمين بالشأن البيئي (The Union of Concerned Scientists)، إلى أنّ 58% من العلماء الـ279 الذين يعملون في الوكالات الوطنية في الولايات المتحدة، يتعرّضون لضغوط لئلا يتطرّقوا إلى مسألة الاحتباس الحراري، إضافة إلى إجراء تغييرات في مضمون تقاريرهم، والتعتيم الإعلامي على هذه التقارير. وسُجّل، خلال الأعوام الخمسة الماضية، أكثر من 435 حالة تدخّل سياسي في التقارير العلمية بهدف عدم نشر الوقائع والأرقام الصحيحة التي تدين بشكل أساسي الحكومة الأميركية ومؤسساتها الاقتصادية. ويترجم عدم اكتراث الولايات المتحدة لمسألة البيئة، ومنح الأولوية للاقتصاد، بانسحابها من معاهدة كيوتو، وانسحاب حكومة الرئيس بوش من هذا المؤتمر.
نحن، المواطنين في الدول النامية، لا يسعنا إلا انتظار ما يمكن المجتمع المدني والجمعيات غير الحكومية فعله بوجه الحكومات المساهمة في «الإرهاب الجديد»، وانتظار المؤتمرات العالمية كقمتي «الأرض» و«التنمية المستدامة» التي فضحت مساعي «الدول الصناعية».