أنطوان سعد
السؤال الذي لم يتضح الجواب عليه بعد هو هل أن الولايات المتحدة تدعو حلفاءها في لبنان إلى التصلّب في موضوع الاستحقاق الرئاسي أم أن هؤلاء يتّكلون على تحالفهم معها في إصرارهم على التمسك بأحد مرشحيهم النائب بطرس حرب أو النائب السابق نسيب لحود؟ الفارق بين الاحتمالين غير كبير لكن الجواب على السؤال يوضح أموراً كثيرة، وبخاصة الاتجاه الذي سيأخذه الاستحقاق الرئاسي ابتداء من الرابع والعشرين من تشرين الأول أي غداة الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري.
حتى الآن، ومنذ انتهاء الأعمال الحربية الإسرائيلية، ورفع الحصار عن لبنان، تبنت الحكومة ومن ورائها القوى السياسية التي تُشكل الأكثرية النيابية، سياسة حازمة لم تنجح معها كل مواقف المعارضة ومحاولاتها للحد من اندفاعها، بدءاً من الانسحاب من الحكومة والتظاهرات الحاشدة والتصعيد الكلامي مروراً بالإضرابات وما تخللها من قطع للطرق، وصولاً إلى استمرار الاعتصام في الوسط التجاري. إذ تمسكت بشرعيتها، ولو بغياب كل وزراء الطائفة الشيعية، وأخذت كل القرارات المتعلقة بالمحكمة ذات الطابع الدولي، ولو حصل فيها بعض التجاوز لصلاحيات رئيس الجمهورية، وأدارت البلاد وشؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأجرت انتخابات فرعية، ولو من دون توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة.
وفي قراءة لهذه المواقف والأحداث، من زاوية تاريخ لبنان المعاصر منذ سنة 1969 وحتى سنة 1992، ليس من سوابق لهذا السلوك الحكومي. فقد كان رؤساء الجمهورية والحكومات ومجالس النواب يفرملون كل إجراءاتهم وقراراتهم عندما تصطدم بمعارضة سياسية وشعبية لها طابع طائفي معين. ولم يبدأ هذا التجاوز لمعارضة طائفة بكاملها إلا مع إحكام الهيمنة السورية سيطرتها على لبنان بواسطة حلفائها، وقد استمر هذا المنحى بعد خروج الجيش السوري عبر التحالف الرباعي الذي شكّل الرئيس بري ركناً أساسياً فيه، وهو بالمناسبة صاحب نظرية القطار الذي يسير بمن يركب فيه ولا يأبه لمن يتخلف عنه. ولا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى أنه ربما لم يكن من السهل السير بالتحالف الرباعي وتجاوز المسيحيين بعد خروج سوريا، لولا الدعم الأميركي والأوروبي له. وبالتالي يمكن استطراداً القول إن الفريق الحاكم اليوم يسير بسياسة حازمة لا تقف عند الاعتبارات التوافقية منذ سنة 1992، وليس فقط منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان.
يبقى من مسلسل المواجهة بين الموالاة والمعارضة الفصل الأخير وهو الاستحقاق الرئاسي. فإذا كانت الموالاة قد نجحت في تحقيق كل ما أرادت طوال هذه الفترة فما الذي سيمنعها عن انتخاب رئيس للجمهورية من صفوفها، طالما أنها تحظى بدعم أميركي منقطع النظير، وفي ظل المعلومات التي تؤكد أن واشنطن أبلغت رئيس تيار «المستقبل» سعد الدين الحريري أثناء زيارته الأخيرة إلى العاصمة الأميركية أنها «تصر» على وصول رئيس للجمهورية، ورئيس حكومة، ومجلس وزراء من فريق الأكثرية، ومن ثم على إسناد المواقع العسكرية والأمنية الأساسية إلى أشخاص «يقومون باستكمال عملية تحقيق الديمقراطية».
مقابل الأجواء التصعيدية الآتية من واشنطن، بعض ملامح الانفتاح والاعتدال والدعوة إلى التوافق يحملها اليوم والغد وزراء خارجية فرنسا وإيطاليا وإسبانيا الخائفون على قواتهم المنتشرة في لبنان في إطار اليونيفيل في حال لم يتم انتخاب رئيس توافقي. وقد تجعل مواقف هؤلاء، معطوفة على الأجواء الإقليمية والمحلية والفاتيكانية الداعية إلى التوافق، أفرقاء المعارضة وبخاصة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ينحون صوب التمسك بحقهم في أن تكون لهم نسبة النصف في الرئيس العتيد للجمهورية بعدما بدا أن العماد عون بات مقتنعاً بصعوبة وصوله إلى سدة الرئاسة، ومستعداً للبحث في اسم مرشح توافقي، وبخاصة أصبح ميالاً لتشكيل حكومة توافقية تستمر حتى موعد إجراء الانتخابات التشريعية العامة بعد نحو سنتين. وفي ظنه أن التوازنات الدولية والإقليمية قد تتغير مع رحيل إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش عن البيت الأبيض.
منحى الأجواء الآتية من واشنطن، لا يبرر في أي شكل من الأشكال وجود اتجاه للمساومة أو حتى المراعاة خصوصاً في ظل ما يُشاع عن انشغال الخارجية الأميركية بالإعداد لمؤتمر السلام في الشرق الأوسط وعن إمساك البيت الأبيض بالملف اللبناني الذي لا يفقه عنه الكثير. لذلك يرى بعض المراقبين أنه قد يكون من الأفضل للمعارضة أن تُخفّض سقف توقعاتها.