راشيا الوادي ــ عساف أبورحال
دخلت صناعة المدافئ في راشيا الوادي، مرحلة جديدة بعد ارتفاع المنتج العام الذي تجاوز الخمسة آلاف مدفأة من مختلف الأنواع والأشكال. وتعتبر هذه الصناعة العمود الفقري لتراث راشيا الوادي ومورد رزق أهلها ومصدر إبداعهم منذ أكثر من مئة سنة حتى أضحت هذه الصناعة هوية هذه المنطقة القابعة على سفوح جبل الشيخ.
وبما أن منطقة راشيا كانت منذ عقود خلت محطة بارزة للتجار في وادي التيم، ومركزاً للمنامة والراحة لتجار سوريا ولبنان وفلسطين الذين نقلوا معهم مادة الحديد المصنّع من سواحل البحر المتوسط، ما فتح الباب أمام هذه الصناعة التي استطاعت شق طريقها مع بداية القرن الماضي على أيدي فنّاني وحرفيّي راشيا بعدما كانت وسائل التدفئة تقتصر على الموقد. ويروي مسنّو المنطقة أن الفضل في تطوير هذه الصناعة يعود إلى الشيخ أبو صالح سلمان القضماني والشيخ حسن جمال الدين أبو إبراهيم والشيخ حسن الحلبي وآل حاطوم من بلدة ينطا.
بعد الموقد الحطبي الذي احتل الصدارة عقوداً طوالاً كوسيلة وحيدة للتدفئة، أتت المدافئ التي تعمل على الحطب وأثبتت فعاليتها بعد اختبارها، وما لبث أن كثر الطلب عليها في منازل راشيا، وبالتالي احتلت في فترة قليلة مكان الموقد، وبدأ تصنيعها يمثل مورد رزق للعديد من الشبان الحرفيين آنذاك، وفي مطلع خمسينات القرن الماضي أصبحت من أهم الصناعات الحرفية في المنطقة واشتد الطلب عليها من كل المناطق اللبنانية. وإبان الثورة النفطية في مطلع الستينات، فكّر حرفيو هذه الصنعة بتحويلها من الحطب إلى المازوت وقد نجحت كثيراً، وازداد الإقبال عليها، نتيجة كلفتها المنخفضة ومصروفها الاقتصادي، وصارت اليوم تصدّر إلى المناطق اللبنانية كلها وإلى تركيا وبعض بلدان أوروبا الشرقية.
وما يميز هذه الصناعة، أنه يمكن استخدام المدفأة الواحدة على الغاز والحطب والمازوت، وتتوافر بأشكال وأحجام مختلفة وحسب الطلب. وأوضح الشيخ سلمان البيطار الذي يملك مشغلاً لصناعة المدافئ، بأن هذه الصناعة بدأت بآلات بدائية لعدم توافر الوسائل الحديثة، واعتمد الحرفيون في صناعتهم سنداناً ومطرقة وملزمة ومقصاً يدوياً ومقطعاً ومبرداً، وكان تقطيع الصفائح الحديدية وقصّها صعباً للغاية، ومع بداية الخمسينات أدخلت بعض الآلات والأدوات الكهربائية في هذه الصناعة فأخذت طريقها إلى التقدم والتطور. وعن أسعار المدافئ قال: «المدفأة المطلوبة هي الشعبية، التي يراوح سعرها بين 100 دولار أميركي و500، وهناك مدافئ يصل سعرها إلى 1500 دولار وتصنع بناءً على طلب الزبون.
ورأى الشيخ سليمان أبو ابراهيم، أن الطاقة الكهربائية لعبت دوراً مهماً في هذه الصناعة، لجهة تسهيل العمل ووفرة الإنتاج. وطالب الدولة بتشجيع هذه الصناعة التي تعدّ من أهم الصناعات في راشيا، من خلال مد العاملين في هذا القطاع بقروض طويلة الأمد وبفوائد متدنّية وتأمين أسواق لتصدير هذا الإنتاج وخفض رسوم الكهرباء للصناعيين. ومع ارتفاع أسعار المحروقات، ارتفع الطلب على مدافئ الحطب وتحوّل التركيز على إنتاجها بدلاً من المازوت.
ورأى الشيخ جمال الدين أبو إبراهيم أن هذه الصناعة يلزمها الكثير من اهتمام الدولة لأن الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعانيه المواطن انعكس على عملية تصريف الإنتاج، فالمدفأة التي يراوح سعرها بين 100 و150 دولاراً لا يكفي ثمنها بدل أتعاب وشراء مواد أولية، وخصوصاً بعد ارتفاع أسعار الحديد والمواد الأولية.
وقال «تصريف الإنتاج يتوزع بين المتن والشوف والبقاع والجنوب، وقدّر إنتاج راشيا من المدافئ بنحو 7000 مدفأة سنوياً من الأنواع كلها».
وعلى الرغم من تطور هذه الصناعة ووفرة الوسائل والمعدات الحديثة، فإن بعض الحرفيين في سوق راشيا ما زالوا متمسكين بتقاليد حرفية وطرق قديمة للإنتاج ورثوها عن آبائهم، تبرز قيمتها من خلال لمسات فنية يفتقدها الإنتاج الحديث.