strong>حسن عليق
إن الغرض الأساسي للعقوبة المانعة للحرية هو إصلاح المحكوم عليه وتأهيله لحياة مطابقة للقانون. لكن السجون اللبنانية لا تخدم هذا الغرض بل تساهم في «صناعة» الجريمة. فبعد قضاء 14 سنة في سجن رومية عاد حسن الى ارتكاب الجرائم وتطوّر سلوكه الجرمي

عندما تفشل العقوبة القانونية في إصلاح الخارجين عن القانون، لا فائدة من عمل المسؤولين والضباط والقضاة والمحامين والمدّعين العامين ورجال الشرطة والقضاء برمّته. فالشرطة تقبض على الجاني وتحيله على القضاء المختصّ لتتخذ المحكمة الإجراءات القانونية العقابية اللازمة لحماية المجتمع والحدّ من الجريمة. والإجراء العقابي الأكثر شيوعاً في لبنان هو منع الحرية عبر السَجن. ويفترض أن يخرج المحكوم من السجن بعد قضاء العقوبة بذهنية مختلفة عن الذهنية التي كان يتميّز بها عندما قبضت عليه الضابطة العدلية، فيبتعد عن الجريمة إمّا خوفاً من تكرار العقوبة نتيجة للردع العقابي، أو اقتناعاً بعدم صحّة تصرّفاته ويقرّر تغيير سلوكه نتيجة للإصلاح العقابي.
قبل تناول أحد الأمثلة عن رجل قضى أكثر من 10 سنوات وراء القضبان ليعود إلى الجريمة أياماً بعد إخلاء سبيله، لا بدّ من التطرّق الى 4 مشاكل أساسية تعانيها السجون اللبنانية وتجعلها غير فعّالة لناحية حماية المجتمع من الجريمة وإصلاح الخارجين على القانون.

مشاكل السجون

تعاني السجون اللبنانية الـ32 والمتوزعة على مختلف المحافظات، مشكلة الاكتظاظ الخانق. ففي سجن رومية المركزي، وهو أكبر السجون، يُحشر أكثر من 4000 سجين بينما السعة القصوى للسجن لا تتعدّى 1500، بحسب المهندس الذي صمّمه في الستينيات. ولا تتعدى سعة السجن 3000 سجين بحسب المعايير التي وضعتها قوى الأمن الداخلي. أما المشكلة الثانية فتتعلّق بطريقة توزيع السجناء على الزنازين والأقسام فلا توجد منهجية علمية دقيقة لذلك، ما يؤدي الى مشاركة أشخاص ارتكبوا جرائم مختلفة ومتنوعة الزنزانة عينها أو الطابق عينه، ما يسمح بتأسيس شبكات وعصابات ويجعل بعض المتخصصين في جرائم معيّنة يعلّمون السجناء الآخرين طرقاً متطوّرة لارتكاب الجرائم، ويدلّونهم على الحيل والأهداف السهلة وسبل الإفلات من الشرطة. والمشكلة الثالثة تتعلّق بعدم تجهيز حراس السجون والمسؤولين عن إدارتها وتدريبهم مهنياً على التعامل مع السجناء بما يمكّن الدولة من تحقيق الأهداف الإصلاحية التي حدّدها القانون. فيعتمد حراس السجن على «الشاويش» أي السجين المحكوم الذي «تثق به» إدارة السجن لفرض النظام والحفاظ على الأمن خلف القضبان. والمشكلة الرابعة تتعلّق بغياب برامج الإصلاح والتدريب المهني والمصانع وحتى العلاج من الإدمان على المخدرات والكحول والميسر، وغير ذلك من المشاكل.

بين الإصلاح و«الردع العام»

عام 1789، أدخلت الثورة الفرنسية إصلاحات على التشريعات في النظم العقابية تمثّلت أساساً في إلغاء العقوبات البدنية وحصر الإعدام في نطاق ضيّق. وبهدف «الردع العام» استُحدثت عقوبة الأشغال الشاقة التي تميّزت بقواعد صارمة لا يبررها الإصلاح أو التأهيل، إنما هي مجرد تعبير عن إرادة المشرّعين فرض نظام قاس يلائم في تقديرهم حدّة الجرائم المعاقب عليها. واتبع النظام القضائي العقابي اللبناني الإصلاحات، واعتمد مبدأ «الردع العام» عبر إنزاله عقوبة الأشغال الشاقة كجزء من العقوبات المانعة للحرية.

14 سنة بلا فائدة


قضى حسن عقوبة 14 سنة في سجن رومية بتهمة السرقة، ولم يكن قد مضى شهران على خروجه إلى الحرية، حتى دخله مجدّداً بالتهمة نفسها، سرقة سيارتين، فضلاً عن إيذاء سائق سيارة أخرى. وقد أصدر قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي 3 قرارات ظنية أوجبت محاكمة حسن ي. أمام محكمة الجنايات في بيروت بجرم سرقة سيارات وأمام القاضي المنفرد الجزائي بجرم الإيذاء.
فيوم 15/9/2007، اصطدمت سيارة مرسيدس عمومية (230 لون زيتي برقم تسجيل 407222/م) بسيارة متوقفة على جانب الطريق قرب أوتيل ديو في منطقة الأشرفية. لم يتوقّف سائق المرسيدس بل أكمل طريقه صعوداً، فطارده درّاج من قوى الأمن الداخلي حتى منطقة مار متر. وفي نفق ساسين، دخل السائق بعكس وجهة السير، فاصطدم بسيارة أخرى وتوقف عن السير. عندئذ جرى توقيف السائق، وتبيّن أنه يدعى حسن ي.، ونُقل إلى مستشفى حداد للمعالجة من كسر في رجله اليسرى. وقد تضررت السيارة التي كان يقودها، والتي تبين أنها مسروقة صباح اليوم نفسه من حارة حريك، قرب إذاعة النور سابقاً، وهي ملك صبحي إسكندر. وتضرّرت السيارة التي اصطدم بها بشكل جسيم.
ويذكر قرار صادر عن القاضي العنيسي، أنه تبيّن أن المدعى عليه من أصحاب السوابق في مجال سرقة السيارات، وقد سجن لمدة 14 سنة لارتكابه عدة سرقات سابقة، ولم يكن قد مضى على خروجه من السجن حين توقيفه إلا شهران، وقد اعترف بما نسب إليه وأعيدت السيارة إلى مالكها المدعي.
السيارة التي اصطدم بها حسن يحيى أثناء مروره عكس وجهة السير في نفق ساسين هي بدورها مرسيدس 230 عمومية، يملكها محمد بركات، كانت تسير في وجهة سيرها من الشمال نحو الجنوب. وأدى الاصطدام إلى إصابة بركات برضة على صدره مع شعر في القفص الصدري وكسر في كاحله الأيمن وتعطيله شهرين عن العمل. وقد اعتبر القاضي أن فعل حسن لجهة إقدامه قصداً على إيذاء المدعي محمد بركات وتعطيله مدة شهرين عن العمل بمعرض سرقة سيارة والفرار بها ومخالفة قانون السير مع توقّعه النتيجة وقبوله بها يشكل جنحة المادة 556 عقوبات معطوفة على المادة 189 عقوبات. وأوجب القاضي محاكمة المدعى عليه وفقاً للمواد المذكورة أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت.
وخلال التحقيق مع حسن، تبيّن أن آثار البصمات المرفوعة عن المرآة الداخلية لسيارة مسروقة يوم 20/8/2007 طابقت على بصمة إبهام يده اليمنى. واعترف حسن صراحة بإقدامه على سرقة السيارة التي تعود للمدعي إبراهيم علي بواسطة مفتاح مستعار، وهي سيارة عمومية من نوع مرسيدس 230، سرقت من منطقة حي ماضي ــــــ شارع طانيوس ديب، قبل أن يعثر عليها متوقفة أمام مصرف بيبلوس في بدارو.
حسن ليس الوحيد من نزلاء السجون في لبنان، الذين يمضون فترات «عقوباتهم» خلف القضبان، وعندما يخرجون، لا يجدون ما يقومون به سوى العودة إلى ممارسة ما أوقفوا بسببه، أو القيام بأمور أخرى مخالفة للقانون، تعلّموا بعضها داخل السجن. وقد صرّح بعضهم سابقاً لـ«الأخبار» بأنهم تعلّموا في السجن القيام بأمور لم يكونوا على علم بها قبل دخول السجن. فقبل مدة، قال أحد المحكومين السابقين بترويج المخدّرات لـ«الأخبار» إنه وجد في السجن مواد مخدّرة لم يكن يعلم بوجودها أصلاً.