راجانا حميّة
لم تحلم بلدة دير الغزال مثل سواها من القرى المنسيّة بالتغيير. لكن ثمّة من يحلم فيها بحاجات تسكنها الهواجس ويزنّرها الفقر وبطموحات ملحّة لأطفالٍ يركضون في الأزقّة بحثاً عن ملجأ لملء فراغٍ أُجبروا على تحمّله في قريتهم النائية... عن كلّ شيءٍ

تكتفي بلدة دير الغزال البقاعية، بمن لم يتركها وبما تملكه وبحدودها «الترابيّة»، بعدما شاء البعض الرحيل سعياً وراء لقمة العيش... تركوها لأطفالٍ فقراء يحلمون، على الأقلّ مع بداية فصل الشتاء بالحقيبة المدرسيّة ولوازمها وقاعة الدرس، فيصطدمون بواقعٍ قاسٍ يفرض عليهم أن يتشاركوا مع كنيستهم مقاعد دراستهم ريثما تعي الدولة دورها هناك في المنطقة البقاعيّة المشرّعة أبوابها على الفقر والإهمال. في قلب الكنيسة، يجد الأطفال أنفسهم مُجبرين على الدراسة وسط صخب الجنائز والصلوات وقرع الأجراس، فهم لا يملكون خياراً آخر غير المدرسة الوحيدة التي تتشارك في ملكيّتها مع كنيسة البلدة، التي أوجدتها حاجة الأهالي إلى مدرسةٍ رسميّة تقي أطفالهم خطر التشرّد في ظلّ الأوضاع المعيشيّة الصعبة التي تمنع معظمهم من مجرّد التفكير بمدرسةٍ أخرى خاصّة أو خارج حدود البلدة.
لكن رغم الرضى بما هو موجود، يعاني الأهالي وأبناؤهم والهيئة التعليميّة من مشاكل كثيرة بدءاً من شكل المدرسة الذي لم يوحِ يوماً بأنّه حرم تعليمي، مروراً بالكادر التعليمي والمنهاج، وليس آخرها «الموت» الذي قد يخطف أحدهم من الباحة من دون إنذار، نظراً لقرب المبنى من الطريق العام. فمن حيث الشكل، «تستعير» المدرسة الرسميّة «اليتيمة» في دير الغزال الطابق العلوي من كنيسة البلدة، الذي تمّ تقسيمه إلى تسعة صفوفٍ للمرحلتين الابتدائيّة والمتوسّطة، فيما تستعين الإدارة بغرفتين في الكنيسة في الطابق الأرضي لاستيعاب تلامذة مرحلة الروضة. أمّا الأساتذة، الذين يبلغ عددهم 22 أستاذاً، فكانوا مجبرين على القبول بإحدى الزوايا في الكنيسة والتي لا تبلغ مساحتها أكثر من ستّة عشر متراً مربّعاً. وفي هذا الإطار، تشير مدرّسة مواد اللغة الإنكليزيّة إكتمال المصري إلى «أنّه عندما يدعونا المدير إلى اجتماع، نُحشر في الغرفة كأنّنا في الباص». وإلى جانب غرفة الاجتماعات، ينفرد المدير بغرفته الخاصّة، لكن حتّى هذه «بتسكّر» إذا ما استدعى المدير أكثر من أستاذين للاجتماع بهما. لذا فالمدرّس يحتاج إلى «حجز موعد وكرسي» قبل الدخول إلى غرفة المدير. ولا تخلو المدرسة من غرفة الكومبيوتر التي هي أيضاً حالة عارضة، إذ تحتوي على سبعة أجهزة كومبيوتر من دون أستاذ، يدرّس هذه المادة.
وتلفت المصري إلى أنّ «المدرسة أوجدت هذه الغرفة لأنّها بقيت خالية، بعدما ألغت وزارة التربية والتعليم العالي بعض الصفوف بعملية الدمج التي قامت بها». أما الحمّامات، فلم تكن موجودة أصلاً، وقد أضيفت إلى الكنيسة أخيراً خمسة حمّامات، ثلاثة للفتيات واثنان للفتيان، ومغسلتان «شراكة»، باستثناء الحمّام الصغير الخاص بالكنيسة والذي تستعين به الهيئة التعليميّة أيضاً.
ويتشارك الجميع في الملعب الوحيد... التلامذة والهيئة التعليميّة والجنائز والصلوات. الملعب، كما تؤكّد المصري، «Free» على الحوادث والموت، ومفتوح من جميع النواحي، فتحيط به الأحراج من جهة والأودية والكسارات من جهة ثانية. وفي الشتاء، يضطرّ التلامذة إلى البقاء في الصفوف خلال فترة الاستراحة هرباً من الأمطار والثلوج والبرد القارس في الملعب.
وبعيداً عن الشراكة بين المدرسة والكنيسة، تبرز مشاكل أخرى تتعلّق بعدد التلامذة، اذ اضطرّت الإدارة إلى اللجوء إلى الدمج خوفاً من الإلغاء الكامل. وفي هذا الإطار، تمّ اختصار خمسة صفوف من الحلقتين الأولى والثانية من التعليم الأساسي في صفيّن، يضمّ الأوّل مرحلتي الروضة والأوّل الابتدائي، والثاني يضمّ الثاني والثالث ابتدائي. لذا، يلجأ مدرّس تلك الصفوف إلى تقسيم حصّته إلى نصفين، وإلى الاستعانة بكتابيْن. وإذا لم ينفع الأمر، يتوجّه المدرّس نحو خياره الثالث، إذ تلفت المصري إلى أنّها تعتمد في الآونة الأخيرة تقسيم الأيّام بين التلامذة، وعندها قد ينتهي البرنامج الدراسي مع نهاية العام أو يتمّ تعليم ما يتيسّر وترك الباقي.
أمّا المشكلة الأبرز في متوسّطة دير الغزال، فتتعدّى الصفوف والتلامذة إلى الكادر التعليمي، إذ من بين الأساتذة الإثنين والعشرين، خمسة فقط يملكون ثقافة أجنبيّة (اللغة الإنكليزيّة)، والباقون لا يتقنونها، ومن بين الخمسة أيضاً اثنان فقط يدرّسان اللغة الإنكليزيّة لغةً أساسيّة، لذا يقع على عاتقهما تدريس كل المواد التي تدرّس باللغة الإنكليزية للمراحل كلها، مقابل من لا يدرّس، فقد يكون من بين أساتذة التعاقد أو كبار السن الذين لم يعودوا قادرين على التدريس. وفي ما يتعلق بوسائل الإيضاح في دير الغزال، فهي شبه موجودة، إذ تلفت المصري إلى أنّ خريطة العالم في المدرسة «عن زمان جدّي، فيها قارات ممحوة ودول غير موجودة». أمّا إذا كان لا بدّ من وجود بعض الوسائل، فقد يلجأ المدرّس إلى شرائها بنفسه أو الطلب من التلامذة بعض المبالغ الماليّة والتي تنتهي في غالبيّة الأحيان من دون ردّ ومن دون الوسائل واستكمال الدروس
بالموجود.