بيسان طي
التسلح والتسليح والتدريب وتهريب السلاح والشركات الأمنية والمعسكرات الخارجية..كلمات ليست جديدة على اللبنانيين ولا قاموسهم السياسي والحياتي، ولكن الجديد فيها أنها عادت شغلهم الشاغل إنغماسا وحديثا وقلقا وترقبا وحتى أدوات لعب للأطفال.
وما كان مقتصرا مؤخرا على تبادل الاتهامات بين مختلف الجماعات عن تدريب المحازبين وتوزيع الأسلحة على المناصرين يمينا ويسارا، بدأ ينتقل الى الملموس والمشاهَد أحيانا، ولم يعد يُفاجأ من يزور أحياء كان يعتقدها آمنة، حين يرى ويسمع عن الأسلحة المخزنة في البيوت ل"التصدي" للآخر من طائفة "معادية" أو حزب "مكروه". وبات السلاح ينتشر في مناطق لم تكن من "نجوم" الحرب الماضية، مترافقا مع كلام علني فيه الكثير من التهديد والوعيد لهذا "الآخر"، يردده بتصميم وتحدٍ شبان مراهقون أو كهول على حد سواء، يشعرون بأنهم أصبحوا أقوياء وهم يتسلمون السلاح في وضح النهار وينتظرون "بفارغ الصبر" موعد استخدامه.. ليبدأ عهد خطوط تماس جديدةولكن الغريب أن تزايد الحديث والفعل عن التسلح، يترافق بل ويكاد يتلازم مع استبعاد التفجير وعودة الحرب الأهلية "لأن اللبنانيين خبروا ويلاتها ولا يريدون العودة الى كوابيسها ومرارتها"، وهذا ما يردده معظم المسؤولين إن لم يكن جميعهم، بين معلن أنه لن يكون البادئ – وكأنه يعود مهما من يبدأ إذا ما انطلقت الشرارة – وبين مؤكد أنه لن يرد.
وهذا ما يطرح التساؤلات عن حقيقة التسلح وأسبابه وأهدافه، وهل هو مجرد سلاح لتحسين المواقع السياسية أم تحضير لموقعة حربية فعلية، وهل هو "ماركة لبنانية مسجلة" أم "موديل" اقليمي من تصميم دولي لاعادة تفصيل المنطقة وفق مقاسات جديدة؟
وإذا كان إحصاء السلاح في لبنان بات مستحيلا، فإن الوزير السابق ميشال سماحة، يتحدث عن بعض تفاصيل التسلح لبنانيا وفلسطينيا، لافتا الى أن صحافيين أجانب كبار زاروا مخيمات وخرجوا بانطباع بأن «هناك سلاحا من أحدث ما أُنتج في الولايات المتحدة، وأُرسل بحماية كبيرة. وما نسمعه في القرى عن وصول أسلحة فردية في الشتاء الماضي ثم في تموز وآب لم يشترها مقتنوها بل وصلتهم عبر أقنية تنظيمات سياسية كان لها في الحرب الأهلية عادة التسلح، نفهم من ذلك أن هناك من ينشر الأسلحة، ويتعزز خوفنا عندما نلاحظ طفرة مالية مفاجئة لدى بعض التنظيمات فنراها تتوزع في خطة دقيقة للإشراف على طرق رئيسية وفرعية وعلى الطرقات الساحلية والرئيسية التي تربط المحافظات، فنتذكر ما جرى بين عامي 1975 و1990».
ويرى أن أخطر ما نشهده في هذه المرحلة هو «التسليح الغرائزي الذي إذا لم يكن مسهلاً من بعض أجهزة السلطة، فإنه يجري بغض النظر عنه من قبلها (...) وعندما نرى الغزل الأخير بين أهل السلطة في لبنان والولايات المتحدة حاملة المشروع، ونسمع رئيس كتلة نيابية كبرى يتحدث عن مساعدة أميركا للبنان في حرب تموز، نخشى أن يكون التسلح الحقيقي قائم برعاية الأطراف الإقليمية والدولية».
ويقرأ سماحة عملية التسليح هذه في الكتاب الإقليمي، رابطا كل الموضوع بأن المحافظين الجدد في أميركا يتبنون مشروع إسرائيل في المنطقة، وبالتالي يرون حل مشكلة الشتات الفلسطيني بتوطين اللاجئين. ويشير إلى الفقرة ط من مقدمة الدستور اللبناني التي تربط التوطين بالتجزئة والتقسيم، ليستنتج انه "من خلال التسليح وتشجيع التقاتل الداخلي تسهل عملية تجزئة لبنان وبالتالي توطين الفلسطينيين".
وينطلق من ذلك ليضيف «إذا تابعنا عمليات زرع الفتنة بين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وكيف أن العرب المعتدلين يحاورون الولايات المتحدة ويريدون تغطية السلطة المفترضة في فلسطين من خلال مؤتمر دعا إليه الرئيس الأميركي ونائبه، نفهم لماذا يريدون ضرب المقاومة في لبنان بفتنة داخلية وبرفض الوفاق والمشاركة والتفاهم على رئيس للبلاد».
سماحة الذي عايش الحرب الأهلية ذكّر بأن التجربة أثبتت أنه إبان الحرب كثرت التعبئة الغرائزية، وكان مقتني السلاح في أحيان كثيرة هو «القبضاي أو الزعيم الذي أخذ البلدات وأحياء المدن إلى مشاكل وخلافات لم تنته ذيولها حتى الآن، فعندما تهدأ في مراحل معينة الغرائز الطائفية يبدأ الصراع ضمن أهل الطائفة على زعامة الحي أو البلدة أو المنطقة»، وهكذا "يصبح السلاح خطرا على مقتنيه وعلى من يجاوره".
أما النائب وائل أبو فاعور فيحمّل «حزب الله» مسؤولية تسلح اللبنانيين "الذين يعيشون القلق والخوف". ويلفت الى إن «موضوع السلاح له جذره الإجتماعي في لبنان تاريخياً» وأن عملية التسلّح تتزخّم «عندما تشعر الجماعات بخطر ما» مستشهداً بقول للشاعر يحي جابر «كلما جادلني أحدهم أتحسس خاصرتي بحثاً عن مسدس مفقود»، معتبرا أن هذه العملية تعدت إطارها كمسلك إجتماعي موروث، إذ أن الكثيرين من أصدقائه «المهندسين والأطباء وآخرين بعيدين كل البعد عن مفهوم التسلح، باتوا يقتنون أسلحة فردية ومسدسات يحملونها لدى عودتهم من سهراتهم لأنهم صاروا يخافون من التعرض لأذى، أي أن حمل السلاح صار بالنسبة إليهم مسلك حماية».
وفيما نفى أبو فاعور حصول عمليات تسليح في الجبل، مستشهداً بما صدر عن «مخابرات الجيش من تأكيد بأن النائب وليد جنبلاط قمع محاولات التسلح» في المنطقة، رأى أن التسليح «عملية تفخيخ أمني وإجتماعي هائل، يريدون تفخيخ البلاد لربطها بجدول أعمال سوري - إيراني».
ورداً على سؤال «الأخبار» عن الدور الأميركي في هذا الإطار، قال أن لا مصلحة «للأميركيين في تفجير الوضع اللبناني الداخلي، وإن كنت لا أنزّه الأميركيين عادة عن أي مخطط». وختم مبديا عدم خشيته من أن يؤدي التسلح الى الانفجار، مراهنا بذلك على «الحصانة عند اللبنانيين ضد هذا الامر ».
وبعيدا عن السياسة والتسييس، يشرح أستاذ علم الاجتماع الدكتور سمير سليمان، بأن السلاح "حين يكون في يد المحبط والمهزوم إجتماعياً، يتحول إلى أداة يظن أنها تحرره من الخوف ومن مشاعر الهزيمة"، وأن «حمله تعويض عن إحساس بالضعف». ونبّه الى أنه "إذا كان بعض حاملي السلاح مسالمون بطبيعتهم إلاّ أنهم قد يندفعون إلى استخدامه بدافع المباهاة الإجتماعية».
وفيما أكد أن استخدام السلاح في أوقات السلم نادر جداً في لبنان، لكن ذلك لا يمنع من أن «مقتني السلاح يستسهل استخدامه في حال تعرضه لأي مشكلة شخصية أو عامة»، لافتا الى أن النقص في الوعي السياسي يجعل الأهواء والغرائز تتحكم بمواقف الإنسان وأفعاله، وتجعل تحريكه سهلاً من قبل «زعماء» أو مرجعيات اجتماعية أو سياسية.
وختم سليمان بتحذير ملفت من أن يصبح في لبنان ميليشيات تشبه نموذج Black water «فحتى المرتزقة يعتبرون أنهم يملكون الحق في الإرتزاق وهم يبيعون بنادقهم لخدمة الممول»، معتبرا أن «المجتمع اللبناني يعيش فترات هدوء بين حربين... والخشية من توظيف السلاح في خدمة مشاريع ومآرب تتجاوز لبنان، لأن المؤثر الخارجي هو الذي يستدرج العاهات النفسية والثقافية عند اللبنانيين، ويزودها بالسلاح ويدفعها لاستخدامه».