عرفات حجازي
قد يكون من المبكر الجزم بأن الاستحقاق الرئاسي شق طريقه نحو الإنجاز في النصف الآخر من المهلة الدستورية، وأن الخروج من حال الاستعصاء بات سهلاً وميسوراً، وأن الانتخابات واقعة حتماً في الجلسة التي حدّدت في 12 الشهر المقبل. لكن المؤكد أن اتفاق الموالاة والمعارضة على تأجيل جلسة الانتخاب ثلاثة أسابيع، لمزيد من لقاءات المصالحة وحوارات الأقطاب المتخاصمين، قد تكون كافية للوصول إلى جوامع مشتركة تسمح بإمرار الاستحقاق الرئاسي وضمان حصوله في موعده.
ويأمل مرجع سياسي كبير أن تحمل الأيام الطالعة المزيد من إشارات الحلحلة وطي صفحة الخصومات السياسية، وإحداث اختراقات كبيرة في جدران المواقف السياسية المتصلّبة، وسحب فتائل التوتير والتشنج من الخطاب السياسي، ودفع الحوارات الجارية بين زعماء الموارنة من جهة وبين قادة المعارضة والموالاة من جهة أخرى، إلى تقليص المسافة السياسية الفاصلة بينهم، خصوصاً أن اقتراب الجميع من ساعة الخيارات الصعبة يحتّم تقديم تنازلات متوازنة من الطرفين، للّقاء على مشتركات تعجّل في الولادة القيصرية لسيد بعبدا الجديد في الجلسة المقبلة أو قبلها، إذا حصلت عملية التوافق.
ويلفت المرجع إلى أن سبحة اللقاءات التي بدأت بين الرئيس أمين الجميل والعماد ميشال عون ستكر بين الأقطاب المتخاصمين داخل الصف المسيحي والوطني، وستكون لها تأثيراتها الأكيدة على مسار الاستحقاق الرئاسي ومناخاته وما يتصل به من مبادرات تتحرك على أكثر من خط داخلي وخارجي، مدعومة بشكل صريح وواضح من الفاتيكان، اذ يقوم السفير البابوي لويجي غاتي بحركة مكوكية لا تهدأ بين الأقطاب الموارنة لتحضير الأجواء وتطريتها، تمهيداً للقاء بينهم يكون رافعة لمبادرة بكركي، وبداية تسوية مسيحية تتحوّل تلقائياً إلى تسوية وطنية، خصوصاً أن حوارات الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري تنتظر أن تقول بكركي كلمتها في الاستحقاق الرئاسي، وهما سيباركان باسم مَن يمثّلان أي خيار سترسو عليه التسوية في الساحة المسيحية.
ومما يدفع إلى تعزيز منسوب التفاؤل في نظر المرجع، ليس فقط الدينامية السياسية الداخلية التي تولّدت من خلال الدعم الأوروبي للمبادرات التوفيقية وسرعة الاستجابة لها، بل لأن الخوف من الفراغ لدى الطرفين، في الموالاة والمعارضة، وما سينتج عنه من عواقب وتبعات، ولا سيما في منطقة تغلي بالأحداث والمرشحة لتطورات قد تغيّر في خارطتها، كان دافعاً لإجراء الحسابات السياسية والرئاسية والقراءة بإمعان في خريطة المنطقة والتحولات الجارية فيها والصراعات فوقها، بدل القراءة في خرائط المصالح الفئوية والحزبية الضيقة، ووقف اللعب على حافة الهاوية. وجاء تحريك الجامعة العربية لمبادرتها، بعد طول انكفاء، ليوحي بوجود تنسيق أوروبي ـــــ عربي، ورغبة أوروبية في إضفاء عباءة عربية على الجهود المبذولة لإخراج لبنان من أزمته السياسية تجنباً لسقوطه في الفراغ.
وبالتزامن مع تحرك الجامعة العربية وإرسال وفد يمثلها إلى بيروت لمواكبة التحرك الوفاقي، دخلت مصر على خط المبادرات فجأة، بعد أن اتّسم دورها أخيراً بقدر كبير من التحفّظ، فقررت إرسال وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط ومعه عناصر رؤية مصرية لتسوية الأزمة، وهي تأمل أن تساعد من خلالها الفرقاء اللبنانيين على التوصل إلى حلول تنهي حال التأزّم. ورأى المرجع أن المرحلة الفاصلة عن 12 تشرين الثاني ستكون مفتوحة على شتى أنواع اللقاءات والحوارات والمبادرات، للتوافق على مرشح للرئاسة يحظى بموافقة ومباركة القيادات المارونية، باعتبار موقع الرئاسة يخصهم، وأن بري والحريري، بما يمثلان ويملكان من تفويض من قبل الموالاة والمعارضة، سيكونان من المباركين لهذا الترشيح والسير في أول انتخابات لبنانية حرّة، لاختيار رئيس ماروني تقدمه طائفته ويوافق عليه الآخرون. وأشار المرجع إلى أن «الفرصة المتاحة ذهبية للتوافق مع وجود شبكة أمان عربية ودولية، لكن الوقت محدود وضيق ويجب الإسراع في الحسم وأخذ القرار، خشية أن تدهمنا تطورات من النوع الصادم والمعطّل لكل المساعي الإنقاذية».
أما لجهة الموقف الأميركي واختلاف التقديرات بشأنه، فيقول المرجع إن الإدارة الأميركية ما زالت تشعل إشارة الضوء البرتقالية مع رهان عربي وأوروبي على إعطاء الضوء الأخضر بما يسمح بتسوية ما لإمرار الاستحقاق، لأن للأميركيين مصلحة أكيدة في الحفاظ على لبنان نموذجاً ديموقراطياً في المنطقة، ولأن أميركا ستخسر إذا غامرت بدفعه نحو الفوضى والمواجهة من خلال موافقتها على إجراء انتخابات رئاسية من طرف واحد.