البقاع ــ عفيف دياب
سوريا اعترفت بخطأ تعاطيها مع البلدة والعراسلة ينتظرون «حزب الله» لتطوير لغة الحوار

عاد الهدوء السياسي إلى عرسال بعد مد وجزر مع الجوار اللبناني والسوري. أيقن الجميع في البلدة أن «تصحيح» العلاقة مع «الجيران» أمر لا بد منه، وأن الحوار السياسي الهادئ البعيد عن لعبة «الغرائز» هو الباب الوحيد المفضي إلى علاقات سليمة مع محيط لا يمكن أن تتجاهله عرسال أو يتجاهلها.
نجح «العراسلة» حيث فشل الآخرون. أثمر حوارهم الداخلي «مصالحة» مع الذات أولاً، ومصالحة مع الجوار الذي لم يسارع بعد إلى «التصالح» معهم. فهم في انتظار قدوم «الجيران» ودق أبوابهم لاستقبالهم على «طاولة حوار» والولوج معاً نحو علاقات وطيدة ومتينة. وبانتظار أن يرد الجيران التحية، فإن البلدة تجد في أفراحها مناسبة تنسي أهلها كل ما مر عليهم من «وجع» أصابهم منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري والانسحاب السوري من لبنان وحتى الأمس القريب. يقول مسعود عز الدين إن عرسال لم تقفل بابها في وجه أحد، و«اليوم عندنا 13 عرساً وكل الأصدقاء من اللبوة والعين والنبي عثمان حاضرون في حفلات الزفاف التي تقام وفق عاداتنا وتقاليدنا، إذ لا يمكن أن يتم الفرح عندنا من دون وجود جيراننا وأصدقائنا من القرى المجاورة».
الأفراح التي تعم عرسال في هذه الأيام قبل تغير الطقس، كانت مناسبة لرفع سقف حلقات الحوار الداخلي الذي اتفق الجميع على عقده بصورة دائمة منذ نحو ستة أشهر، وأعطى «نتائج إيجابية جداً» على حد تعبير عضو المجلس البلدي، القيادي في التنظيم الشعبي الناصري ملحم الحجيري، الذي أدى دوراً أساسياً مع مجموعة قيادات حزبية وفاعليات ووجهاء في البلدة في تنشيط الحوار الداخلي، ومع المحيط اللبناني والسوري.
يتحدث الحجيري تفصيلياً عن واقع عرسال بعد ما تعرضت له من حملات سياسية ومذهبية أجبرتها على دخول لعبة غير مقتنعة بها و«هي ليست من تاريخها السياسي والاجتماعي». ويؤكد أن «هذه اللعبة المبنية على الغرائز المذهبية فشلت في عرسال رغم الصدى المحدود الذي وصلها من الخارج حيث استطعنا كقوى سياسية واجتماعية الحد من امتداده نحو الاسوأ».
الحجيري الذي كان في عداد الوفد «العرسالي» الذي زار دمشق أخيراً لـ «فتح صفحة جديدة مع سوريا»، وعقد اجتماعاً مثمراً مع قيادات سياسية وأمنية سورية تخللته قراءة لماضي عرسال السياسي وحاضرها ودورها في المستقبل، يجد في «فورة» عرسال المذهبية في الفترة الأخيرة «رد فعل على فعل مذهبي وعلى معاناة لمدة 30 سنة نتيجة المغالطات السورية واللبنانية بحق عرسال وأهلها». ويقول: «كانت زيارتنا لسوريا جيدة، واستطعنا أن نضع العلاقة مع السوريين على السكة الصحيحة، وأكدنا أن عرسال لن تكون شوكة في خاصرة سوريا، فخلال حربي 1967 و1973 بين سوريا وإسرائيل شارك عراسلة إلى جانب سوريا في خوض الحرب، وبالتالي لا يمكن أحداً أن يزوّر تاريخ عرسال الوطني والقومي، ومن هنا لا بد لسوريا من أن تقدم هي أيضاً على تصحيح العلاقة معنا». ويوضح الحجيري أن أولى ثمار اللقاء «الحواري» مع سوريا تخصيص الرئيس بشار الأسد خمس منح تعليمية لطلاب من عرسال ومساعدات زراعية مختلفة نحددها نحن».
الحوار العرسالي ـــــ السوري المنتظر أن يستكمل في فترات لاحقة نحو «تطبيع» العلاقة بشكل سليم وجده العراسلة قفزة نوعية في إعادة الروح إلى الحياة الاقتصادية والاجتماعية بين البلدة وسوريا، إذ عادت حركة التنقل «الشرعي» والزيارات المتبادلة إلى سابق عهدها، والأهالي اليوم بانتظار أن ينجز الجانب السوري حل موضوع تشابه الأسماء والسماح لأهالي عرسال بعبور نقطة جديدة يابوس بعد طول منع.
ويقول عضو المجلس الوطني في الحزب الشيوعي اللبناني عبد العزيز الفليطي الذي كان في عداد الوفد العرسالي إلى سوريا إن «المصالح المشتركة بين عرسال وسوريا، ولا سيما منها المصلحة الاقتصادية ـــــ الاجتماعية، هي العنوان الأبرز الذي يجب تغليبه والعمل على تطويره وتنميته». ويضيف ان سوريا «كانت مخطئة حين رأت أن كل عرسال تيار مستقبل وتعاملت معها على هذا الأساس، ونحن خلال لقائنا القيادات السورية أوضحنا وجهة نظرنا هذه، وقدمنا مذكرة تؤكد أن عرسال جزء من لبنان والتنوع السياسي في البلدة جزء من التنوع في لبنان، وبالتالي لا يجوز أن توضع البلدة في خانة سياسية واحدة، وقد اعترف الجانب السوري بخطئه خلال اللقاء، كما أكدنا ضرورة حل الخلاف الحدودي القائم منذ وقت طويل».
يؤكد الحجيري والفليطي أن تصويب العلاقة مع سوريا جاءا نتيجة تفاهم كل القوى السياسية في عرسال بما في ذلك تيار «المستقبل»، إذ اتفق الجميع على أن مصلحة عرسال فوق كل اعتبار «رغم اعتبار بعض الأشخاص في تيار المستقبل خطوة زيارة سوريا تجاوزاً لدور الدولة اللبنانية». ويوضح الفليطي أن هذا «الموقف من بعض شباب المستقبل ليس صادراً عن القيادة الرسمية للتيار في عرسال، بل هو رأي شخصي لبعض المحسوبين على التيار، ونحن لمسنا خلال حوارنا مع التيار بشكل رسمي أنه لا موانع عنده في تصويب العلاقة مع سوريا».

العلاقة مع الجوار اللبناني

عودة المياه إلى مجاريها بين عرسال وسوريا لا تكتمل إلا مع عودة العلاقة مع الجوار اللبناني إلى سابق عهدها. يؤكد الحجيري أن «حدة الخطاب المذهبي في عرسال تراجعت إلى حدودها الدنيا، والخطاب السياسي بدأ يعود إلى رشده وواقعه النضالي الوطني ـــــ القومي، ونحن بانتظار أن يبادر الجوار اللبناني، وتحديداً حزب الله، إلى تلقف الكرة لنستكمل معاً إعادة بناء العلاقة بعيداً من التعصب السياسي والغرائز المذهبية، فنحن زرنا مسؤولين في حزب الله وننتظر مبادرتهم وزيارة البلدة، وعرسال رفضت سابقاً وترفض حاليا أن تصنف أنها داعمة لأي مشروع مذهبي أو أنها في صلبه، لكن، للأسف الشديد، ممارسات البعض، من الموالاة والمعارضة، وغياب المشروع الوطني، أديا إلى حصول ما حصل في السابق».
ويرى الفليطي أنه في فترة الصعود المذهبي في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري انجرفت عرسال نحو تيار «المستقبل»، و«شكّل اغتيال الحريري حدثاً انعكس على العلاقة بين عرسال ومحيطها اللبناني والسوري، والمهرجانات المليونية عند الموالاة والمعارضة، أسهمت إلى حد ما في جرف البلدة نحو موقع ليس موقعها، وعندما وصل الناس إلى الحائط المسدود في عرسال والجوار اللبناني وجدوا في إعادة الحرارة الى العلاقة خير وسيلة لهم لتجاوز كل المشاريع المذهبية، وأصبح الخطاب السياسي المحلي في عرسال وجوارها أقرب إلى المنطق والعقل، ومن هنا على الجوار أن يبادر إلى فتح صفحة جديدة وتطوير لغة الحوار».
ويتفق الحجيري والفليطي على أن العلاقة العرسالية مع الجوار اللبناني «يجب ألا يتحكم فيها تيار المستقبل أو حزب الله». ويقول الحجيري إن «على الحزب أولاً أن يصحح خطابه المحلي مع عرسال، وهذا الخطاب أدى دوراً في دفع عرسال نحو الطرف الآخر الذي لم يقصر أيضاً في جر البلدة نحو خطاب مذهبي ـــــ غرائزي، ومن هنا على حزب الله ونوابه في المنطقة تحديداً أن يبادروا إلى تصويب خطابهم مع عرسال».
دعوة عرسال إلى «حزب الله» لـ«تصويب خطابه» مع البلدة ينتظره الأهالي «بفارغ الصبر» كما يقول الفليطي الذي يجد أن «تعاطي الحزب مع عرسال لم يكن تعاطياً يطمئن العرسالي، والحزب حتى الآن لم يبادر بعد إلى إعادة بناء علاقته مع البلدة، ولم ينظر بعد إلى مصالحها التي لا تتعارض مع مصالحه إن كان في الصراع مع إسرائيل أو في رفع الحرمان عن البقاع الشمالي ككل، فالحزب لم يبادر أو لم يقدم مثلاً على توفير خدمات إنمائية للبلدة. ونحن نؤكد أن أبواب عرسال مشرعة للحزب، وعلينا جميعنا أن نزيل العائق المذهبي إذا كان موجوداً، أو أي حجة لتبرير عدم التواصل وفتح أبواب الحوار والتعاون في مختلف الجوانب».