غسان سعود
نشوة العكاريين بالانتصار لا تعكّرها مأساة الفلسطينيين وإذلالهم الاستثنائي

يصعب كثيراً توقع عودة العلاقة بين فلسطينيي مخيم نهر البارد واللبنانيين إلى ما كانت عليه قبل 20 أيار 2007. وخصوصاً أن الساعين إلى إعادة وصل ما انقطع، يحصرون جهودهم وسط العكاريين، محاولين تبرئة العائلات الفلسطينية من تهمة احتضان مقاتلي فتح الإسلام. فيما يغيب عن بال «شيوخ الصلحة» أن الخاسر الأكبر من المواجهة الأخيرة كان أهل المخيم، ولهؤلاء وحدهم ربما الحق في مخاصمة جيرانهم.

في البارد

وسط تلكؤ المؤسسات الإنسانية والإغاثية المحلية والدولية عن القيام بواجباتها، تحاول الأقلية الفلسطينية التي سمح لها بالعودة إلى مخيم نهر البارد أن تؤمّن استمراريتها. ورغم الشتائم والإشارات النابية التي توجه إلى بعض العائدين من جيرانهم، يزداد يومياً عدد الساعين إلى دخول المخيم، ويكتظ هؤلاء منذ الصباح الباكر في صف طويل عند المدخل الشمالي للمخيم حيث يدقق بعض العسكريين ببرودة في تصريح الدخول المعطى إلى الفلسطينيين من قيادة الجيش، ويتقصّد بعض العسكريين التباطؤ في إنجاز مهمته مبقياً العائلات الفلسطينيين أكثر من ساعتين تحت أشعة الشمس الحارقة قبل أن يفتَّشوا ويسمح لهم بالدخول. وأفاد أحد هؤلاء مع عدد من الشهود أن أحد العسكريين أجبره على الركوع وتقبيل حذائه. علماً أن العسكريين المتهمين بهذه الممارسات أكدوا لناشطي حقوق الإنسان الذين راجعوهم أنهم لا يعتقلون إلا الذين يصرون على دخول المخيم دون استحصالهم على تصاريح دخولوفي الداخل، تجهد الآليات التابعة للأونروا لإزالة الردم، وفتح الطرق وسط شائعات عن قرار الجيش عدم السماح بدخول الإعلاميين إلى هذه «المنطقة العسكرية» قبل إزالة معظم الركام وتنظيف ما بقي من المنازل بحيث تبدو الصورة لعيون العالم أخف وطأة مما هي عليه اليوم. وفي هذا السياق، قام ناشطون في اللجنة الشعبية بطلي معظم الشتائم والعبارات المسيئة التي كتبها العسكريون داخل منازل الفلسطينيين. فيما يستغرب بعض الناشطين في الجمعيات الإنسانية العاملة في المخيم إصرار قيادة الجيش على إبقاء بعض العسكريين الذين خاضوا المعارك الأخيرة وشهدوا استشهاد زملائهم داخل المخيم، وعلى تماسّ مباشر مع الفلسطينيين مع ما يحمله هذا الأمر من انعكاسات نفسية خطيرة عليهم وعلى الفلسطينيين.
ووسط أحياء المخيم الجديد المحترقة، تتسلّل الأغاني الفلسطينية باعثة قليلاً من الفرح وسط العائلات المنهمكة بتنظيف المنازل، وترميم ولو غرفتين قبل بدء تساقط الأمطار. ومن أصل قرابة سبعمئة عائلة سمح لها بالعودة إلى المخيم (10% من النازحين) لم يستقرّ في المخيم أكثر من أربعمئة عائلة فقط. ويشتكي العائدون من تحرك آليات الجيش طوال الليل بشكل يمنعهم من النوم، واستمرار التفجيرات في المخيم القديم. ووسط محاولتهم التأقلم مع ما لحق بجوامعهم، يشير البعض إلى جرف الجيش للمقبرة الجديدة قرب موقع صامد، وأجزاء كبيرة من المقبرة الجديدة.

...وفي عكار

وفي عكار اليوم، تثير الأخبار المأساوية الواردة من المخيم نشوة عند البعض، وتستعيد البلدات المسيحية خطاباً قديماً يرى أن «الفلسطيني الطبيعي هو الفلسطيني المشرد»، وانطلاقاً من هذه الفرضية، لا يتردد البعض في هذه البلدات من القول إن كل ما تعرضت له منازل الفلسطينيين وأرزاقهم هو الحد الأدنى مما يفترض إلحاقه بهم. فيما ينجح تيار المستقبل في البلدات السنيّة العكارية ومنطقة المنية بتجييش مؤيديه ضد عودة الفلسطينيين إلى مخيمهم في البارد من منطلق أن هؤلاء الفلسطينيين حلفاء لحزب الله ووجودهم في هذه المنطقة يمثّل قاعدة عسكرية متقدمة لحزب الله. وثمة في هذه البلدات من يجاهر بتخوين كل من يتعاطف مع معاناة الفلسطينيين الإنسانية ويصل الحقد المفاجئ به إلى حد القول إن الجيش لم يحسن التعامل مع المعركة. وبدأ بعض العكاريين يتحدث عن حقهم باستصلاح شاطئ المخيم وتحويله إلى منتجع سياحي مجاني. ويضاف إلى هذه الأفكار الشمالية الجديدة، كلام في بعض البلدات، التي فقدت عدة شبان من أبنائها في المواجهات الأخير، عن ضرورة التصدي بمختلف الوسائل لعودة المخيم إلى ما كان عليه سابقاً وخصوصاً من الناحية الاقتصادية. ويدعو بعض المؤمنين بهذا الكلام إلى اقامة نصب لشهداء الجيش العكاريين في «دوار العبدة» حتى يتذكر كل من يريد الدخول إلى المخيم ما تسبب به أهله من أسى للعكاريين. فيما سجلت خلال الشهرين الماضيين أربع حالات طلاق للبنانيين كانوا متزوجين فلسطينيات، واستيقظ فيهم فجأة التعصب لعدم اختلاط العرق اللبناني بغيره من الأعراق.