strong>محمد محسن
• المتاجر المتخصصة تجتاح المدن والأرياف وتنمو مع تزايد الانقسام اللبناني
عشرات المتاجر تنتشر في لبنان بأسماء غريبة، تبيع للراغبين ثياباً تشبه الثياب العسكرية، وأعتدة تشبه الآلات الحربية. الإقبال عليها كثيف، والزبائن شبان وصغار من مختلف التيارات والطوائف والطبقات الاجتماعية. تلفت هذه الظاهرة المهتمّين بالشأن العام الذين يقولون إن الشباب يعكسون بمظهرهم الخارجي رغبة في تثبيت قدرتهم على مواجهة «آخر» ما

قبل نحو خمس سنوات راجت موضة الأقمشة العسكرية في العالم، فأقبل اللبنانيون على شراء سراويل ومايوهات وبلوزات مصنعة منها، ثم غابت أو كادت، لتطل مجدداً في الفترة الأخيرة، وتنتشر فائقةً حضورها السابق.
تربط الدكتورة رجاء مكي (علم نفس اجتماعي) بين الأوضاع السياسية التي تمر بها البلاد، وهذه الظاهرة، ولكنها تلفت بداية إلى «أننا لا نستطيع تجاهل ما تحتويه طبيعة النفس البشرية من رغبة في التماهي واكتشاف الذات من خلال الآخر الذي يمثّل حالة مثالية»، وتعتبر أن «الطفل أو المراهق يحتاج إلى نماذج للقوة يتعلق بها حين يخرج من الإطار العائلي. ومن أهم الصفات ــــــ النماذج: القوة والاعتداد بالنفس وغيرها من الصفات الموجودة في شخصية العسكري. وهذا ما يدفع إلى التماهي مع الضابط أو الجندي في الجيش، وخاصة بعد معارك نهر البارد، إضافة إلى ما تحتويه فكرة اللباس العسكري من قدرة على الهجوم واختراق الصعوبات».
وعن تأثيرات انتشار هذه الظاهرة، ترى مكي أنه «إذا كان التماهي نتيجة إعجاب بالجيش فإن لذلك تأثيرات إيجابية، أبرزها الالتفاف حوله، أما إذا اتخذت بعداً ميليشياوياً فإن هذا الأمر سيزيد من حالات التفلّت والعدوانية تجاه الآخر».
يتفق أنور الشامي في هدفه مع ما طرحته مكي، إذ إنه أحب أن يتشبّه بشباب المقاومة، «فهم أفضل شباب، رفعوا رأسنا عالياً وهزموا أعداء الوطن».
أما أيمن فهو «مضطر إلى ارتداء ثياب عسكرية مع أنها مكلفة»، فهو يقطن في أحد الأحياء الفقيرة في العاصمة ويقول «اشتريت قبل مدّة مجموعة من هذه الملابس وأودعتها في خزانتي لوقت الشدة». بالنسبة إلى أيمن، الشدّة هي القضية التي سيقاتل من أجلها، «يا خيّي لا نعرف المصير الذي ستؤول إليه الأمور، علينا أن نكون جاهزين»، ويعتبر الشاب العشريني أن الملابس التي اشتراها ما هي إلا «تكملة للعدة الأساسية المتمثلة بالسلاح، فالفيلد الزيتي للوهرة و«التجغيل»، والجعبة لمخازن الرصاص». أما السروال العسكري فقد حصل عليه أيمن عن طريق جندي في الجيش.
من أحياء بيروت والمناطق اللبنانية إلى شبكة الإنترنت تنتقل صور بعض الشباب الذين نُشرت صور لهم في موقع Face Book متّشحين بهذه الملابس، إضافة إلى الأسلحة في أيديهم والشعارات الطائفية من خلفهم.
صاحب محل لبيع الألبسة والأعتدة العسكرية قال إن بعض الشبان يحتالون للحصول على سراويل «المارينز»، ويضيف: «نعتمد المعايير القانونية ولا نبيع هذا النوع من الألبسة إلا لعناصر الأجهزة الأمنية الرسمية بعد إظهار بطاقاتهم». أما بالنسبة إلى الجعب «فغالباً ما نبيعها إلى مرافقي الشخصيات الرسمية، إلا أنها ليست محظورة على المدنيين».
تُنتقى لمحال الألبسة العسكرية والأعتدة الكشفية تسميات تجذب الزبائن من الجيل الشاب، وتستوحى من أحداث أو أسماء مجموعات تتصل أسماؤها بالحروب والقتال كـ«KAMIKAZ» و«VIKINGS”. ويقول البائع إن «العسكريين هم أكثرية الزبائن، أما «الشبيبات الصغار» فهم أقلية لا تتجاوز مشترياتهم حدود السكين أو بارودة الخرز وما يشبه الموضة العسكرية من الثياب، أي غير تلك المحصورة بعناصر الجيش». ويرفض البائع ملاحظات الزبائن وجيرانه بأن «الثياب والآلات الشبيهة بالأدوات العسكرية تنتشر بشكل ظاهر بين المدنيين الشبان والصغارتأتي هذه البضائع من معامل مرخّصة وعن طريق المعابر الشرعية، وتستورد أقمشة هذه الألبسة في أغلب الأحيان من الصين، وتتم عمليات الحياكة في لبنان، ويؤكد صاحب المتجر أن «كل بضاعتنا موجودة في تعاونية الجيش». ويردد «كل شهر تقريباً تقوم الشرطة العسكرية بجردة لمقتنيات المحل، وفي بعض الأحيان تطلب تغيير الكلمات التي تمت إلى ما هو عسكري وحصر كلام اللافتة بالألبسة والأعتدة الكشفية فقط».
يلفت التاجر إلى بعض الأسلحة التي وضعها في الواجهة الزجاجية، «كثيرون من المارة يظنون أن الكلاشنيكوف حقيقي، فيما هو مجسم وهمي»، ويؤكد أن هذه الأسلحة «لا تعدو كونها بنادق خرز تشبه البنادق الحربية كالـ M18 أو الكلاشنيكوف».
تاجر آخر (رفض هو أيضاً الكشف عن اسمه) أراد تبرير عملية بيع هذه الألبسة، فقال «لا تكفي بدلة واحدة في السنة لتلبية حاجات العسكريين، وفي بعض الأحيان تكون البدلة بقياس أصغر أو أكبر بشكل لا يريح الجنود، فيعمد كثيرون منهم إلى شراء أكثر من بدلة من متاجرنا لتلبية حاجاتهم السنوية»، ويؤكد أن الأمر نفسه ينسحب على الأحذية العسكرية، ما يبرر وجود هذه المحال التي تغطي النقص في الألبسة التي تعجز المؤسسات الأمنية والعسكرية عن توفيرها»، ويصرّ هو أيضاً على تأكيد أن الزبائن من العسكريين فقط.
تتسع رقعة انتشار محال بيع الملابس «العسكرية» لتغطي كل المناطق اللبنانية، وهي ليست حكراً على منطقة دون غيرها، وتأخذ هذه التجارة في بعض المناطق شكلاً آخر يتجاوز المحال إلى «الفانات»، حيث ينقل بعض أهالي منطقة المتن أن هناك تاجر ألبسة وأعتدة عسكرية يتنقل في حافلته الصغيرة. يروي جان أنه اشترى «عدته» من بائع متجول، ويقول: «لم يثبت أنه يتاجر بشيء ممنوع، إلا أنه لا يثق بالزبائن من المرة الأولى، وتحتاج إلى وسيط للقائه قبل أن تشتري منه أي قطعة. ولا تعرف أين تجده، إذ لا يستقر في مكان واحد، ومتجره ليس ثابتاً».
ينطلق الدكتور محمد وهبي (المتخصص في علم النفس) في تحليل هذه الظاهرة، من الوضع السياسي الراهن حيث «بات كل شخص يرى أن الآخر يستهدف المقدّس الذي يعنيه، ما يستتبع حالة عدوانية تجاه هذا الآخر، يجري تفريغها عن طريق ترميز العنف والعدوانية. وأحد هذه الرموز هو الملابس العسكرية». ويعتبر وهبي أن «الإقبال على هذا اللباس يعدّ من مقوّمات انتهاء الوازع والاستشراس ضد الآخرويقسّم وهبي تداعيات هذه الظاهرة إلى قسمين، فيتحدث عن «إيجابية نفسية» تتمثل في استبدال الفعل الحقيقي بالفعل الرمزي، كأن يشبع الشباب نزعتهم العدوانية المتزايدة عبر اللباس فقط. أما القسم السلبي من هذه التداعيات فيكمن في إبقاء المدني في حالة استعداد «عسكري» دائم، وتحفيزه على القيام بأعمال عدوانية أقل عنفاً من تلك التي شهدناها خلال الحرب الأهلية.
تنص المادة 144 من قانون القضاء العسكري على أنه «يُعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين كل شخص يقدم علانيةً وبدون حق على انتحال صفة أو رتبة عسكرية، أو على حمل وسام أو رصيعة أو شارة من الأوسمة أو الرصائع أو الشارات العسكرية، أو على ارتداء أي لباس من الألبسة العسكرية».
وتقول المادة 147 من القانون نفسه إن «المادة 144 تطبق أيضاً على لباس قوى الأمن وسائر الجيوش الحليفة»، بمعنى أن لباس اليونيفيل، مثلاً، يمنع ارتداؤه لأن القانون يسري على ألبسة الجيوش الحليفة.
ولم تذكر المادة 144 الجهة التي تملك حق الادعاء على منتحل الصفة أو من يرتدي هذا اللباس بشكل علني، ولكن يفترض أن تتحرك النيابة العامة العسكرية تلقائياً.
ويعتبر المرسوم رقم 59/137 الصادر في الجريدة الرسمية أن أي شيء يُستورد تحت تصنيف أو صفة العتاد العسكري، من معدات وأقمشة وغير ذلك، يستوجب رخصة خاصة تُمنح من وزارة الدفاع الوطني ويمكن أن تقتضي بعض الأعتدة والبضائع رخصةً من وزارتي العدل والداخلية معاً.



بمتناول الجميع

ترتفع أسعار الألبسة العسكرية وتنخفض تبعاً لنوعية وبلد المنشأ لـ«القطعة» التي يطلبها الزبون. تصل أسعار القبعات الأميركية الصنع والمنشأ إلى حدود الـ10 دولارات فيما ترضي القبعات المصنوعة وطنياً أصحاب الدخل المحدود وتنخفض أسعارها عن عشرة آلاف ليرة لبنانية.
السراويل بدورها لا تعرف سعراً محدداً، فالسروال المرقط سواء كان «صحراوياً» أو زيتي اللون أو شبيهاً بلباس الصيد فإن سعره يبلغ 20 دولاراً، أما السراويل ذات اللون الواحد فتُباع بخمسة وعشرين ألف ليرة «هذه السراويل لا تعارض القانون، فهي ليست شبيهة بسروال المارينز الذي يرتديه الجيش، وإن وجد فلا نبيعه إلا للعسكريين فقط» يؤكد بعض التجار.
الأحذية العسكرية هي الأخرى متنوعة الأسعار. ما جادت به المصانع اللبنانية من rangers لا يكلّف أكثر من أربعين ألف ليرة «ومنظبطها عالخمسة وثلاثين». أما تلك المستوردة فتتراوح أسعارها بين أربعين والمئة دولار وخاصة للحذاء الصحراوي ALTAMA، أو للأحذية الجلدية التي تسعف من يلبسها في الأماكن الوعرة كالجبال والأودية.
ولا تكتمل البزّة إلا بالفيلد الشتوي غير المرقط «فالقانون يمنع بيع الفيلد المموّه» كما يؤكد تاجر يلفت إلى أن «سعر الفيلد مع ارتفاع قيمة القماش الخارجي وحجم مقاومة الحشوة الداخلية للبرد والصقيع. ويتراوح معدل الأسعار بين خمسة وثلاثين وخمسين ألف ليرة». ويتابع «ليس للألوان دور في السعر، منهم من يحب الزيتي لأن له وهرة ومنهم من يفضل الأسود لأنه يلبس على كل الألوان، وقلة هم الذين يركزون على الألوان الأخرى».