إبراهيم الأمين
تتجه لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى إعلان توصيات جديدة في منتصف الشهر المقبل، ربطاً بالتقرير المفترض أن يقدمه رئيسها سيرج براميرتس إلى مجلس الأمن الدولي، وهو التقرير النهائي بحسب ما هو معلن منه قبل أن يغادر منصبه نهاية هذه السنة، على أمل أن تظل لجنة التحقيق عاملة حتى منتصف حزيران في الحد الأدنى، وعلى أمل أن يُعَيّن خلال هذه الفترة المدّعي العام الذي سيتولى الإشراف على كل أنواع التحقيقات التي تقوم بها اللجنة أو القضاء اللبناني. والتوصيات التي سيقدمها براميرتس ليست من النوع الذي كان يقدمه سلفه ديتليف ميليس لناحية التوقيف والاعتقال والاستجواب وخلافه، بل لناحية آلية العمل في المرحلة المقبلة، وما يراه مناسباً بحسب ما علمته الخبرة. وهي توصيات لن تكون ملزمة على أي حال، وذلك نتيجة التجربة التي تعفي المحقق من أية أمور من شأنها إلزام من يخلفه بآلية عمل أو توجهات أو خلاف ذلك، ما لم يكن حاسماً في ما توصل إليه من معطيات. علماً بأن المحقق البلجيكي سبق له أن أشار في تقريره السابق إلى أنه بات على بيّنة من أمور كثيرة تتيح له وضع اليد على أسماء وعلى أدوار أساسية في عملية الاغتيال.
في هذه الأثناء تدور في بيروت نقاشات حول آلية عمل اللجنة في المرحلة الأخيرة، وحول آلية التعاون مع القضاء اللبناني، وحول ما يمكن القيام به في شأن حسم ملف الموقوفين على ذمة التحقيق أو بتّه، وخصوصاً بعد الفضيحة التي أطلقها وزير العدل شارل رزق قبل مدة، وقال فيها إن مصير الموقوفين يترك للمشرفين على المحكمة الدولية، مانعاً القضاء اللبناني من القيام بدوره، وناسباً إلى رئيس اللجنة الدولية كلاماً غير صحيح على مصير الموقوفين.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن قرار إعفاء القاضي إلياس عيد من متابعة ملف التحقيق في جريمة اغتيال الحريري، وتعيين القاضي صقر صقر مكانه، بعد نشاط مكثف لفريق الادعاء السياسي والحقوقي والإعلامي، هذا القرار وفّر، كما يفترض هذا الفريق، الوقت المناسب لعدم بت الأمر خلال وقت قريب. وحصل أن زار القاضي صقر وفد من وكلاء الدفاع عن الموقوفين، ولا سيما الضباط الأربعة. وسأل هؤلاء القاضي الجديد عن وجهته في متابعة الملف، ورد بأنه يحتاج إلى وقت حتى يعيد قراءة كل ما هو موجود قبل أن يقرر خطواته التالية، وبالتالي فإنه يجب عدم توقع قرار سريع منه بشأن بت مصير الموقوفين، ولما قيل له إن ما هو مطلوب منه يتطلب قراءة بعض الأجزاء من الملف التي تتيح له اتخاذ قرار، رد بأنه لا يمكنه إلا قراءة كل ما يرد من أوراق، وهو الأمر الذي خلف انطباعاً سلبياً عند زائريه، وهو ما انعكس مناخاً غير إيجابي عند قوى سياسية بارزة في البلاد، ترى أن قرار إعفاء عيد هو قرار سياسي يرتبط بقرار الأخير الذهاب نحو إخلاء سبيل اثنين على الأقل من الضباط الأربعة.
ومع ذلك فإن وفد وكلاء الدفاع الذي جال على شخصيات عامة خلال الفترة الأخيرة، توجه إلى مقر لجنة التحقيق الدولية، وعقد اجتماعاً طويلاً مع براميرتس وفريق عمله، وجرى عرض للوضع، وقيل له إن مصير الموقوفين بات الآن رهن أمور معقدة، منها ما يتعلق بتولي قاضٍ لبناني الملف من جديد، ويحتاج إلى أشهر طويلة لقراءة الملف قبل أن يبت طلبات إخلاء السبيل، وبين قرار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عدم تأليف المحكمة وتعيين المدعي العام إلا بعد انتهاء التحقيق.
لكن براميرتس عاد وقال ما قاله سابقاً، من أن ملف التوقيف والإخلاء من صلاحية القضاء اللبناني حصراً، وإلى حين تأليف المحكمة وإحالة الملف برمته إلى المدعي العام الجديد، فإنه لا وجود لأي سلطة خارج السلطات القضائية اللبنانية يمكنها بت الأمر. ولما قيل له إن وزير العدل والآخرين يدّعون أن القرار رهن توصية تصدر عنك، قال براميرتس إن التوصية التي أصدرها سلفه كانت بنت وقتها ولها ظروفها، وأنا في موقع لا يخوّلني إصدار توصيات، وكل ما أستطيع أن أبلغه إليكم هو أن كل ما يتعلق بالملف الخاص بالضباط الأربعة موجود لدى القضاء اللبناني، ولديه القدرة على اتخاذ القرار المناسب.
وعند سؤال براميرتس عما إذا كان هناك من جديد في الملف يجعل الفريق اللبناني رافضاً بت الأمر، قال المحقق الدولي إن الملف كله بيد الفريق اللبناني، وسأل زواره: ألا تطلعون على ما في الملف؟ فرد هؤلاء بأن المحقق اللبناني لا يسمح لوكلاء الدفاع بالاطلاع إلا على الإفادات والتحقيقات الجارية مع الموقوفين من دون الاطلاع على أي أمر آخر، ما أبرز ردة فعل استغراب لدى المحقق الدولي الذي بدا واضحاً أنه لا يرى نفسه في موقع إصدار توصية جديدة، وهو الذي يرى التوصية الأولى أمراً من خارج صلاحيات لجنة التحقيق الدولية.
بالإضافة إلى تعهد براميرتس الإشارة إلى الأمر في مباحثات مرتقبة بينه وبين مسؤوليه في الأمم المتحدة خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، إلا أنه أشار إلى أهمية أن يكون الجميع في مناخ ما يجري. لكنه ابتعد عن أي تعليق أو كلام يمكن أن يفهم بأنه موقف سياسي أو تفسير لما يحصل في هذا الملف، ولا سيما أن زواره أسهبوا في الحديث عن دور وزير العدل ومواقفه وتفسيراته غير المنطقية، ونسبه مواقف غير حقيقية إلى رئيس اللجنة، وتقديم تفسيرات لآلية العمل تخالف أبسط القواعد والتفاهمات والاتفاقات التي تراعي ملف التحقيق في جريمة اغتيال الحريري، بالإضافة إلى أنها تخالف مبدأ استقلالية السلطة القضائية في لبنان. وهو كلام قدمه الوكلاء قبل أن يتحدثوا صراحة عن وجود قرار غير مهني أو غير قضائي في الإبقاء على موكليهم في السجن.
ومع ذلك، فإن في فريق الادعاء السياسي من يجزم بأنه لا يوجد في العالم من يفرض تعديلات على الخطة التي تقضي بإبقاء الضباط قيد التوقيف إلى حين نقلهم إلى سجن خاص بالمحكمة الدولية. وهو قرار يصرف له فريق الادعاء كل ما بيده من إمكانات بما في ذلك التحريض الشخصي على كل من يقول العكس، وصولاً إلى التلويح برفع مستوى الضغط لأجل توسيع دائرة الاتهام القائمة الآن، برغم كل الفشل الذي أصاب عمل هذا الفريق الذاهب قدماً نحو الانتحار.