نيويورك ــ نزار عبّود
انطلق تقرير ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن الأخير، الذي وزع أمس على مجلس الأمن الدولي، وسيُناقَش خلال أسبوع، من أزمة الانتخابات الرئاسية واستمرار حدوث اغتيالات سياسية، وتواصل الاحتجاجات أمام مقر رئاسة الحكومة التي «شلت الحياة السياسية في لبنان منذ كانون الأول 2006»، على حد تعبيره.
وأشار التقرير إلى أحداث نهر البارد، وما صاحبها وتلاها من تفجيرات في عاليه والأشرفية وبيروت. وتناول الهجومين على قوات اليونيفيل. ووصف الوضع بالحرج، متطرقاً إلى الانتخابات الفرعية في المتن وبيروت. ورأى أن الاغتيالات التي أدت إلى تقليص نواب الأكثرية إلى 68 تشير إلى «خطة ممنهجة لإحداث خلل في التوازن السياسي الذي كان قائماً منذ الانتخابات الماضية في أيار ـــــ حزيران 2005».
وتحدث عن تقدم حققته الحكومة اللبنانية في «بسط سيطرتها على الأراضي اللبنانية، ونزع سلاح الميليشيات وتفكيكها وتأكيد سيادتها ووحدة الأراضي والاستقلال السياسي، ولا سيما في المعركة من أجل احتواء فتح الإسلام في مخيم نهر البارد»، مشيراً إلى «أن ظهور فتح الإسلام يعدّ في حد ذاته وضعاً أمنياً ملتبساً»، وأن هناك «مراوحة في الأزمة السياسية»، وتهديداً لـ«ركائز السيادة والوحدة والاستقلال»، وعليه يكون القرار 1559 «غير مكتمل التطبيق».
وذكّر لارسن بفحوى تقاريره السابقة عن أهمية السيادة وخروج القوات السورية من لبنان، بكل أشكالها العسكرية والمدنية والاستخبارية، «كشرط من شروط استقلال لبنان وتنفيذه لبنود الـ1559». وأشار إلى أن تطبيع العلاقات بين البلدين كما نص عليه القرار 1680 بإنشاء علاقات دبلوماسية لم يتحقق حتى الآن. وذكر أنه يواصل جهوده حيال ترسيم الحدود بين البلدين، ولا سيما بالنسبة إلى مزارع شبعا، مؤكداً «عدم الوصول إلى اتفاق بهذا الخصوص بين الأطراف المختلفة». وحثّ على معالجة هذه القضية، واعداً بالحديث عن التقدم في هذا الشأن في التقرير عن القرار 1701.
وتحدث عن تلقي الأمين العام معلومات «من دول في المنطقة»، «تثبت تسهيل سوريا تدفق السلاح والمقاتلين عبر حدودها». وأتبع إشارته إلى أن سوريا نفت في مذكرات رسمية تلك المزاعم، بالقول: «إن هناك مؤشرات تدل على أن وحدة واستقلال وسيادة لبنان تعاني نتائج الخروقات الحاصلة»، مشيراً إلى رسالة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في 8 تشرين الأول 2007 بهذا الشأن، وعن «معلومات كومبيوترية» أفادت بخطة لفصل قسم من شمال لبنان، وإقامة كيان لفتح الإسلام فيه، فضلاً عن ضرب مؤسسات ومراكز حكومية وقوات اليونيفيل. وذكر أن السنيورة ربط بين هذه الخطط و«محاولات الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديموقراطياً، وتعريض الانتخابات الرئاسية للخطر، وخلق أجواء من شأنها عرقلة إنشاء المحكمة الدولية». لكنه أوضح أن الأمم المتحدة لا تمتلك الوسائل اللازمة للتأكد من صحة المعلومات التي وردت في الرسالة.
وتناول بإسهاب فحوى رسالة السنيورة عن علاقة زعيم «فتح الإسلام»، شاكر العبسي، بسوريا، واستخدام قواعد لـ«القيادة العامة» في المنطقة العازلة عند الحدود اللبنانية للحصول على الأسلحة والذخائر وغيرها من المواد اللوجستية. كما ربط بينه وبين «فتح الانتفاضة العاملة في سوريا»، إضافة إلى «علاقة ضباط مخابرات سوريين بزعماء التنظيم»، مقتبساً مقاطع كاملة من الرسالة عن هذه «العلاقةكذلك تحدث عن أن السنيورة أبلغ الأمم المتحدة أن «كميات كبيرة من السلاح انتقلت من سوريا إلى لبنان إبان حرب تموز 2006 وبعدها، وأن بعضها بات في عهدة تنظيمات مقرّبة جداً من سوريا»، رابطاً ذلك بالحديث عن تسلّح تنظيمات وميليشيات كثيرة في لبنان. لكنه أشار في المقابل إلى رسالة وزير خارجية سوريا وليد المعلم، في 19 تشرين الأول الحالي، التي أكدت الاستعداد «لمساعدة الأشقاء اللبنانيين في تضييق هوة الخلاف وإقامة علاقات أفضل بين الدولتين على عدة مستويات». وتناول مقاطع من الرسالة السورية التي تشير إلى التدخلات الأجنبية في الشأن اللبناني، والانحياز إلى طرف ضد آخر، وإلى استغلال أطراف لبنانية لاستقبال الأمم المتحدة لها لترويج الدعاية المغرضة في حق سوريا. وأضاف أن سوريا أكدت في رسالتها الانسحاب التام من لبنان على المستويات كلها، بما في ذلك الاستخبارات، وأنها على استعداد لإقامة علاقات دبلوماسية مع حكومة لبنانية تضمن علاقات ودية معها، وليس علاقات عدائية كما هو الحال في ظل حكومة السنيورة، إضافة إلى تأكيدها أنها تفعل كل ما في وسعها للحد من تهريب السلاح عبر أراضيها، وأنها ضاعفت عدد قواتها على جانبها من الحدود، وعقدت سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين اللبنانيين، وأحاطت الأمين العام ومجلس الأمن بقائمة مفصلة عن هذه اللقاءات. وختم في هذا الإطار أن الأمم المتحدة لا تمتلك الأدوات اللازمة للتحقق من صحة ما ورد في الرسالة السورية.
كذلك ذكر أن الأمم المتحدة لا تستطيع التثبت من «صحة» اتهام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، لإسرائيل، بالوقوف وراء سلسلة من الاغتيالات التي وقعت في لبنان.
وبعدما رأى أن الاغتيالات السياسية «عرقلت عمل مؤسسات الدولة اللبنانية»، قال إن حقيقة كون السلطة اللبنانية غير قادرة على بسط سيادتها على المخيمات الفلسطينية منذ 1969 «يعدّ عاملاً معقداً للأمور دون شك»، مردفاً أن الحكومة تود بسط سيطرتها، لكن قواها الذاتية لا تكفي وحدها بسبب تعدد الأزمات على الأرض اللبنانية. ودعا الدول الأعضاء إلى مساعدة الجيش للقيام بواجبه، لافتاً إلى أن الوضع يصبح أكثر إلحاحاً في ضوء معركة مخيم نهر البارد، التي دلّت على «فداحة النقص في تدريب وتجهيز الجيش».
وهنا أوضح أن الرسالة السورية أشارت إلى مساعدة الجيش اللبناني في معركة «البارد»، وإقفال الحدود الشمالية مع لبنان لمنع تسلل المقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة، وإلى أن محمد تواره، نائب رئيس التنظيم قتل قرب الحدود السورية العراقية في بداية المعركة، مشيراً إلى أن الحكومة اللبنانية وجهت الاتهامات لـ330 مسلحاً على علاقة بالقتال في المخيم، وأن التحقيقات دلّت على تورط التنظيم بتفجيرات عين علق. وفيما أشار إلى أن الحكومة اللبنانية ذكرت جنسيات عشرة سوريين تابعين للتنظيم، ولبنانيين اثنين، وثلاثة فلسطينيين، وسعودي واحد، أشار إلى أن الرسالة السورية طعنت بتحديد الجنسيات، وتساءلت عن سبب عدم ذكر جنسيات بقية الموقوفين «والأسباب معروفة» حسب الرسالة. وأكد مرة جديدة على عدم القدرة على التثبت من صحة المعلومات اللبنانية أو السورية.
وتحدث أيضاً عن توقيف 30 مسلحاً في منطقة الجنوب على علاقة بفتح الإسلام ومتأثرين بالقاعدة، وأن بينهم من كان على علاقة بالهجوم الذي تعرضت له اليونيفيل في 16 تموز الماضي. ورأى أن تفشي خطر القاعدة في المخيمات الفلسطينية لا يزال ماثلاً، داعياً إلى أخذ العبرة من تجربة فتح الإسلام في التعاطي مع هذا الخطر. وقال إن المخيمات تضم جند الشام وعصبة الأنصار إلى جانب فتح الإسلام، وإن هذه التنظيمات تجند مقاتلين للعراق. لكنه أضاف أن منظمة التحرير، وعلى رأسها فتح، لا تزال تمسك بزمام المبادرة.
وإذ رأى أن نشاط جند الشام يمتد إلى سوريا، أشار إلى الاشتباك الذي وقع في مخيم عين الحلوة في 4 حزيران الماضي، والذي بقي محصوراً، لكنه يهدد بالتجدد. كما أشار إلى انعكاس الانقسامات الفلسطينية على أوضاع المخيمات، ولا سيما قرب صيدا. وأعرب عن خشيته من امتداد الصراع إلى خارج المخيمات إذا حدث أي انفجار، داعياً إلى نزع سلاح المخيمات لدرء خطر من هذا القبيل، لكن في إطار «اتفاق سلام إسرائيلي ـــــ فلسطيني». وأضاف أنه تلقى معلومات إضافية عن مساعدة القيادة العامة اللوجستية لفتح الإسلام خلال معركة نهر البارد، ولحزب الله، وأن القيادة العامة تتلقى المواد والتدريب من إيران.
وذكّر بمؤتمر الحوار الوطني وتوصّله إلى قرارات بضرورة نزع سلاح المخيمات انسجاماً مع نصوص القرار 1559.
وخصّص لارسن مجموعة من الفقرات للحديث عن «تسليح» حزب الله، قائلاً إن الحكومة اللبنانية قدّمت معلومات عن توقيف شاحنة محمّلة بمدافع مورتر وذخيرة لرشاشات أوتوماتيكية في 5 حزيران الماضي قرب مدينة بعلبك، وإن ذلك يشبه ما جرى في 8 شباط الماضي. وأضاف إنه تلقّى معلومات جديدة من الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية ودول أخرى بأن الحزب أعاد بناء قواه العسكرية، بل ضاعف قوته، مقتبساً من تصريحات نصر الله للقول إن «عدد المنضمّين إلى التدرّب تضاعف». وإذ ذكر أن المعلومات التي وردته تشير إلى أن الحزب عوّض عن كل الخسائر التي تعرّض لها في حرب صيف 2006، نفى وجود أي دليل على أنه عزّز مواقعه جنوب الليطاني. وقال إن حل مشكلة سلاح الحزب يجب أن تتم في إطار اتفاق الطائف. لكنه ألحق ذلك بأن الأزمة الحالية تعرقل استئناف الحوار اللبناني وخطة النقاط السبع وما يستببع ذلك من تطبيق كامل للـ1559.
وتطرّق الى تسلّح عدد من الميليشيات الأخرى في لبنان كما ورد من الأجهزة اللبنانية، وأن «بعض التنظيمات تلقّى أسلحة من حزب الله»، معرباً عن قلق الأمين العام للمنظمة الدولية من المزاعم المتكررة عن قيام «ميليشيات جديدة من الأطراف كافة، والذي يعد خرقاً لاتفاق الطائف».
وأثنى على «يقظة الحكومة اللبنانية» وجهودها لوقف التدهور الأمني. ودعا كل الأطراف إلى وقف جهودها لمواصلة التسلح والتدريب، مناشداً إيّاها العودة الى الحوار في إطار المؤسسات الشرعية ولا سيما البرلمان كوسيلة وحيدة لحسم الخلافات السياسية. وكرر الدعوة إلى نزع سلاح «الجماعات اللبنانية وغير اللبنانية».
وخصّص التقرير فصلاً للانتخابات الرئاسية، مذكّرا بأن القرار 1559 وما تلاه من تقارير عن تطبيقه، تتعلق بالانتخابات الدستورية وتعديل الدستور بعد قرار في البرلمان، كما ذكّر بدعوته الى عدم بقاء الرئيس في منصبه بعد المدة الدستورية الخاصة به، مشيراً الى التمديد وبقاء الرئيس اميل لحود في المنصب «فيما الأغلبية البرلمانية لا تعتبره رئيساً شرعياً». وأضاف: «أحطت علماً بعريضة نيابية موقعة من سبعين نائباً تدعو إلى إقرار الاتفاقية التنظيمية المتعلقة بتشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وأشار فيها الموقّعون إلى أنهم يستندون في عريضتهم إلى وضع رئيس الجمهورية الذي مدّدت ولايته في تضارب مع القرار 1559، وأنه يواصل بوجوده عرقلة دور الحكومة الشرعية اللبنانية. وأشرت إلى أنه مع اقتراب نهاية الولاية الممددة للرئيس لحود ينبغي انتخاب رئيس جديد في عملية انتخابية حرة وعادلة تتم وفق قواعد الدستور اللبناني بدون تدخل أو تأثير أجنبي وفقاً للقرار 1559. وأعربت عن اعتقادي بأن تلك الانتخابات من شأنها إحياء العملية السياسية الدستورية في لبنان».
كما لفتّ الى أن البرلمان لم يعقد جلسة منذ سنة. وقال «إن الواجب أن يتم استئناف الحوار السياسي، وأن تجري الانتخابات الرئاسية الحرة وفق القواعد الدستورية الصارمة ووفق بنود القرار 1559 وبأوسع إجماع ممكن، ولا ينبغي أن يحدث أي فراغ سياسي على مستوى الرئاسة».
وأثنى التقرير باسم الأمين العام على إطلاق الرئيس نبيه بري مبادرته الحوارية مع كل الأطراف بهدف التوافق على رئيس بالإجماع. ورأى أن المبادرة تمهد السبيل إلى الوفاق الداخلي. وأكد دعمه لجهود بري والبطريرك الماروني نصر الله صفير. وحذر من أن الفشل يؤدي إلى فراغ سياسي أو إلى ظهور حكومتين متنافستين، كل منهما تطعن بشرعية الأخرى. وذكر بما جرى عام 1988.
وخلص التقرير إلى مجموعة طويلة من الاستنتاجات أهمها الفقرة 80 التي تقول إن جميع الانتخابات الرئاسية السابقة منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية لم تراعِ الأصول الدستورية أو غياب التدخل الأجنبي. فالرئيس إلياس الهراوي انتخب في شتورا عام 1989 بعيداً عن مبنى البرلمان ليحل محل الرئيس رينيه معوض الذي تم اغتياله بعد انتخابه في قاعدة جوية شمال لبنان. وتم التمديد للهراوي لثلاث سنوات تتجاوز الحق الشرعي الدستوري بما سمح لقائد الجيش السابق لحود بأن يترشح للانتخابات. وتم التمديد للأخير لثلاث سنوات أخرى في 2004 بتعديل دستوري «لذا فإنه بعد انسحاب القوات السورية وجهاز مخابراتها، أمام اللبنانيين فرصة إجراء انتخابات شرعية حرة وفق قواعد الدستور من دون تدخل خارجي لأول مرة منذ نهاية الحرب الأهلية».
ورأى أن انتخابات حرة تعد تطبيقاً للقرار 1559. وشدد على ضرورة عدم السماح بحدوث فراغ دستوري على المستوى الرئاسي أو قيام حكومتين قبل الرابع والعشرين من تشرين الثاني ووفق بنود اتفاق الطائف. ودعا إلى أن يحظى الرئيس المنتخب بأوسع دعم وقبول ممكن.
وأضاف إن قلق النواب على أرواحهم في لبنان مبعث قلق شديد، وإن اغتيال النواب قد يؤدي إلى اختلال التوازن النيابي القائم، وإن نمط الاغتيالات التي جرت يشير إلى «جهد منسق يرمي إلى إضعاف المؤسسات الدستورية اللبنانية بحيث تعجز عن أداء مهماتها من خلال النواب المنتخبين». ورأى أن لجوء اللبنانيين إلى التسلح يعبّر عن خوف من احتمالات تدهور الأمور. وأثنى على يقظة القوى الأمنية اللبنانية في نزع سلاح المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية. ودعا كل الأطراف إلى العزوف عن التسلح والتدريب فوراً. وفيما رأى الطائف أساساً للحوار، رأى أن التدخل الأجنبي في لبنان لم يساعد على تقارب اللبنانيين. وأشار تحديداً إلى سوريا داعياً إياها إلى التعاون في كل المجالات من أجل تطبيق القرارات 1559 و1680 و1701. ورحب بتعهدات سوريا الأخيرة باحترام سيادة لبنان واستقلاله. وقال إنه يعي الترابط الحاصل في الصراعات الإقليمية، مشدداً على ضرورة السعي الحثيث من أجل تحقيق تسوية إقليمية شاملة في الشرق الأوسط وفق مرجعية القرارين 242 و338 مع استعادة سيادة لبنان واستقلاله السياسي وما لذلك من فضل على الوضع الإقليمي الشامل.