إبراهيم الأمين
كثيراً ما تحدث النائب سعد الحريري عن الحوار بوصفه جارياً مع الكتل النيابية الأخرى. الشاب الذي أغدق عليه مجنون العالم جورج بوش مدائح خيالية، لا يريد أن يتحدث عن المعارضة بوصفها معارضة، وصحافته على اختلافها تحاذر استخدام هذا التعبير، وتفضّل أن يُنْسَب كل شيء الى حزب الله، وأنه لا وجود لأحد غير حزب الله. وإذا اضطر الحريري إلى التحدث عن خصومه السياسيين، سعى إلى التمييز بين من يراه أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه، ومن يعتقد أن في إمكانه شطبه من المعادلة السياسية. وهو في هذه الحالة يأخذ في الاعتبار ما يريده الحلفاء، ولا سيما أميرا الحرب وليد جنبلاط وسمير جعجع. لذلك لا يعترف «القائد العظيم» بوجود فاعلية أو حضور لأي خصم خارج حزب الله والتيار الوطني الحر، محاولاً تمييز الفريق الأخير بأنه «الابن الضالّ» الذي يجب العمل على استعادته إلى الحظيرة.
وبين الشخصيات التي لا يريد «الأمير الشاب» السماع باسمها، الوزير السابق سليمان فرنجية، فهو لا يراه شخصية موجودة، لأن جعجع أقنعه بأنه أنجز السيطرة على قرى بشري والكورة، كما أقنعته نايلة معوض بأن نجلها ميشال بات الرقم الصعب في زغرتا قبلة الصبايا والشباب هناك، وخصوصاً بعد نشر الصور عن مخيّم يضم أنصاراً لمعوّض الابن وهم يطلقون النار من أسلحة رشاشة (هل تلقّى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي نسخة عن هذه الصور أم أن مخبريه لا ينشطون إلا في قطاع المعارضة؟). أمّا «المفكر ـــــ العلامة» سمير فرنجية فقد أفتى بعدم وجود شيء اسمه سليمان فرنجية، وأن الجمهور الذي هاجم منزله قبل مدة طويلة لم يكن يريد الاعتراض عليه بل كان يهتف بحياته ويريد منه أن يقبل الاعتذار لأن أبناء القضاء والمدينة والعائلة صوّتوا عن طريق الخطأ لسليمان. ومع ذلك، فإن الحريري الذي بات خبيراً في التاريخ اللبناني، يرى أن فريد مكاري يمثل عنصر الحداثة الذي يواجه الإقطاع الماروني في الشمال. وبالتالي فهو لا يجد مبرراً لأن يكون لفرنجية أي دور في الحياة السياسية، وعندما تلقّى الأنباء عن أن البطريرك الماروني نصر الله صفير والمطارنة المساعدين له يبدون ارتياحاً واحتراماً للزعيم الشمالي الشاب، ويتفهّمون مواقفه، استغرب الحريري الأنباء وقال لمساعديه: لماذا تدهورت أحوال الصحافة الى هذا الحد؟ يذكرون فرنجية بينما حديث بكركي هو عن هادي حبيش!
إلا أن النص الأصلي للحدث يثير حفيظة من يتعاطى السياسة جديّاً. هذا هو رد فعل سمير جعجع ووليد جنبلاط، لأن رئيس تيار المردة بدا في الآونة الأخيرة في موقع المحرج للآخرين، وهذا ما كشفته الاتصالات التي رافقت إطلاق بكركي لمبادرتها المسيحية.
في اللقاء الطويل الذي عقده صفير وفريقه الكنسي مع فرنجية والعماد ميشال عون، أسهب الأخير في الحديث عن الواقع المسيحي في لبنان الآن، وأوجز أموراً كثيرة تعكس الانقسام المسيحي الذي يشغل بال الفاتيكان، وهو ما أثاره مراراً رؤساء الأديرة مع البطريرك. وتحدث صراحة عن تقسيم طائفي للبلاد أتاح للأغلبية الشيعية أن تفرض على الأقلية الشيعية وعلى سائر اللبنانيين القبول بنبيه بري رئيساً لمجلس النواب، كما أتاح للغالبية السنية أن تفرض على الأقلية السنية وعلى بقية اللبنانيين فؤاد السنيورة ممثلاً لتيار المستقبل في موقع رئاسة الحكومة، لكن يبدو أن هناك من يريد خلق قواعد لعبة جديدة حين يتعلق الأمر بالمسيحيين، بحيث يراد للأقلية المسيحية أن تستقوي بأغلبية سنيّة ودرزية ودعم خارجي لفرض من يمثل المسيحيين رغماً عن أنف الأغلبية المسيحية. وبالتالي ـــــ قال عون ـــــ إن ما هو معروض لا يعدّ أكثر من دعوة المسيحيين أنفسهم إلى الانتحار طوعاً كرمى لعيون الآخرين.
امتدت مطالعة عون أكثر من نصف ساعة، ثم تبعه فرنجية موضحاً: لو كانت سوريا اليوم في لبنان لكنت أنا رئيساً، ولو كان معي عشرة نواب فقط. لكن هل كان ذلك يعبّر عن التمثيل المسيحي الصحيح؟ إن القبول برئيس وفق نصاب النصف الزائد واحداً يعني النتيجة ذاتها. وفريق 14 آذار يريد الاحتماء بعباءة بكركي، فإن هي وافقت على النصاب غير الدستوري كان به، وإن لم توافق، فـ14 آذار سيذهب إلى خياره وكله ثقة بأن بكركي سوف تسجل موقفاً إعلامياً فقط، وبعدها بأسبوعين يأتون الى بكركي ويقفون على خاطر البطريرك وكأنّ شيئاً لم يكن. لذلك، فإن مهمة الكنيسة اليوم ليست الدعوة الى اعتماد نصاب الثلثين، بل العمل على تحقيقه وعدم تجاوزه، «وهو الأمر ـــــ تابع فرنجية ـــــ الذي لا يمكننا القبول به، وبالتالي لا يمكن دعوتنا إلى تحقيق النصاب لفريق يريد أن يأتي برئيس لا يمثل الغالبية المسيحية، وبهذا المعنى، فإن التوافق ضروري ونحن نؤيده، لكن على بكركي منع الانتخاب بنصاب النصف + 1، وإلّا فهذه رسالة الى المسلمين بأنهم إذا توافقوا في المرة المقبلة على رئيس جمهورية يمكنهم اختيار من يرونه مناسباً من المسلمين، فهل هذا ما تريده بكركي؟».
وإذ بدا أن الموقف الذي صدر عن فرنجية قد مثّل «مفاجأة إيجابية» بالنسبة إلى البطريرك، فإن صفير اهتم بدايةً بقول فرنجية إنه مستعدّ للتوافق من حيث المبدأ، وهو الأمر الذي رأى سيد بكركي أنه يسهّل مهمته المسيحية، لكن المطران يوسف بشارة الذي اختفت أخباره منذ أن تحوّل «لقاء قرنة شهوان» إلى مجموعة زجّالة يتوزّعون على جوقتي المختارة وقريطم، لم يكن مرتاحاً إلى ما يراه على وجوه المطارنة، فسارع الى طرح موضوع التسلّح، وكأنه بذلك يريد إحراج عون وفرنجية الذي قال: «أنا من سوف يجيب عن هذا الأمر، نحن هنا لنقول الأمور بصراحة، فإذا كانت الخشية من اقتتال مسيحي ـــــ مسيحي فالمقصود مواجهة بين التيار و«القوات اللبنانية»، أو مواجهة بين المردة و«القوات اللبنانية»، وهذا يعني أن «القوات» هي القاسم المشترك لا مع التيار والمردة فحسب بل مع قوى أخرى ناشطة في الساحة المسيحية، وبالتالي، فإن البحث في الأمر لا يكون بهذه الطريقة. هاتوا وثيقة موقّعة بحضوركم، تجزم فيها «القوات» بأنها لن تعود الى السلاح، ونحن نوقّعها سلفاً. إلّا إذا كان هناك من يفكر في أننا سوف نسمح بارتكاب مجازر جديدة». ونظر فرنجية في عيني المطران بشارة وقال له: أنا سليمان فرنجية، لن أسمح بتكرار مجازر إهدن والصفرا وغيرهما!.