صور ــ آمال خليل
للقدر ألاعيبه: فالحرب الأهلية واجتياح إسرائيل لجنوب لبنان عام 1978 أنقذا دار آل بارود المطلّة على بحر صور من دمار محتّم، بعدما كانت المديرية العامة للآثار قد استملكتها لتوسيع حفرياتها الأثرية. وخلال العقدين الماضيين، وبسبب تطوّر علم الآثار والتراث، تحوّلت الأولوية من التنقيبات الأثرية الواسعة الإطار الى الحفريات الدقيقة مع المحافظة على هوية المدن التاريخية. ويؤكد مسؤول الآثار في منطقة صور، علي بدوي، أنّه «في سنة 1995، وضعت خطة مغايرة للحي التراثي البحري في صور الذي يضم دور بارود والمملوك والخشن المتجاورة والمدرسة الإنكليزية، وتقضي الخطة بترميم كل هذه الأبنية وإعادة دمجها في النسيج العمراني والاجتماعي العام عبر إعطائها وظائف جديدة ليصبح لها دور فاعل في حياة مدينة صور الثقافية». فالحياة ستعود مثلاً الى دار بارود، التي يزيد عمرها على 200 سنة لتصبح مكتبة عامة تابعة لشبكة المكتبات العامة التي ترعاها البلديات المحلية ووزارة الثقافة، وستفتح أبوابها أمام محبي المطالعة ابتداءً من الأسبوع المقبل.
وجاء ترميم دار آل بارود الذي لحظ إجراء تعديلات عمرانية داخلية عليها لتحويلها من مسكن إلى مكتبة، من ضمن برنامج «مشروع الإرث الثقافي والتنمية المدينية» الذي يموّله قرض من البنك الدولي والذي كان مجلس الإنماء والإعمار والمديرية العامة للآثار والبلديات قد طرحاه قبل 3 سنوات، بتمويل من وكالة التنمية الفرنسية. وفي مسوغاته أن «الإرث التاريخي الموجود في لبنان منذ 5 آلاف سنة، لا تزال تداعيات الحرب الأهلية تؤثّر فيه فيما تعاني المدن الأثرية إهمالاً وتدهوراً مادياً. من هنا فإن الحكومة تعتبر أن المشروع يشكّل خطوة مفصلية لترميم وحماية المواقع الأثرية والتاريخية، ويسهّل ظروف التنمية الاقتصادية والمدينية».
وفي إطار المخطط التوجيهي الحكومي لتحويل المدن لخدمة قطاع السياحة، كان مشروع الإرث الثقافي الذي باشر أعماله في صور منذ أكثر من عامين وأنهى المرحلة الأولى التي شملت تأهيل واجهة المرفأ وتجميل الواجهة البحرية في المدينة القديمة الممتدة من الفنار إلى خزان المياه القديم فاستحدث رصيف عريض بمحاذاة الشاطئ محاط بحديقة عامة، وتقابله باحات واسعة تُستعمل مواقف للسيارات وممراً للدراجات الهوائية. وبثّ المشروع في الأبنية التراثية المحيطة بالمدينة القديمة، روحاً جديدة عبر ترميمها وإسناد وظائف جديدة لها. فالمدرسة الإنجيلية تحوّلت إلى مركز للدراسات الأثرية البحرية في لبنان، فيما أصبح «بيت الخشن» مركزاً لإدارة آثار صور. أما بيت المملوك أو (بيت المدينة) فسيصبح مركزاً دائماً للمعارض والنشاطات الثقافية والفنية. وفي ما بينها تتصل الأبنية بطريق للمشاة مرصوف بأحجار «البازلت» تبدأ بجانب مسجد الإمام شرف الدين وتمرّ بمحاذاة آثار الكاتدرائية الصليبية المقابلة لموقع الآثار البحرية، حتى تصل إلى ساحة محيط داريْ البارود والمملوك وتمتد إلى الواجهة البحرية الغربية.
ويطلق على الدار اسم آل بارود نسبة الى العائلة التي كانت تمتلكها والتي هي من العائلات الصورية القديمة، وكانت قد باعته في أوائل الخمسينيات، للمديرية العامة للآثار إثر صدور مرسوم جمهوري باستملاك المنطقة البحرية الغربية للمدينة حيث تقع الدار. وكان هدف الاستملاك حينها توسيع رقعة الحفريات الأثرية وإظهارها بعدما عُثر على آثار تعود للألف الثالث قبل الميلاد في جوار الدار التي شُيّدت على قسم منها. في الأشهر المقبلة سيُعمل على المرحلة الثانية لمشروع الإرث الثقافي التي تشمل إنشاء مسار ثقافي يبدأ من المدينة القديمة ويصل إلى موقع البص الأثري ويمرّ بأحياء البوابة والحمراء والحمّام حيث سترمّم واجهات الأبنية وتؤهّل الطرق والأرصفة بعد تحسين الأماكن العامة فيها، إلى أن تحين المرحلة الثالثة من المشروع التي تشمل حماية موقعيْ البص والمينا الأثريين والترويج لهما.