strong> ليال حداد
هنا مخيّم شاتيلا. بزحمته، وأطفاله، وشوارعه الضيّقة. رائحة «البويا» تفوح في أرجاء المخيّم، وشباب بقمصان بيضاء متشابهة رُسِمت عليها خريطة فلسطين ينتشرون في الشوارع. هم متطوّعون في النادي الثقافي الفلسطيني، قرروا إكمال مشروع «تجميل واجهة المخيّم من خلال الرّسم على الجدران» الذي بدأوه قبل ثلاثة أعوام، لكن هذه المرّة تحت عنوان «تحية إلى نهر البارد تحيّة إلى فلسطين». يتحدّث مسؤول النادي الثقافي الفلسطيني في شاتيلا ومنسّق المشروع محمود حليمة عن ورشة العمل بتفاؤل كبير: «هذه المرة تختلف عن المرة السابقة، فالنشاط أوسع، كما أنّ الشباب أتوا من نهر البارد إلى شاتيلا». وبلغ عدد المشاركين في إعادة تأهيل واجهة المخيم حوالى ثلاثين شخصاً من متطوّعين فلسطينيين ولبنانيين اعتادوا المجيء إلى المخيّم للمساعدة في كل النشاطات «نحن دعونا أشخاصاً ولم ندعُ جمعيات أو أحزاباً»، يوضح حليمة.
يهدف النشاط إلى تجميل جدران المخيّم عبر إزالة الملصقات والصور الدينية والسياسية عنها، وطلائها، ومن ثمّ يعمد رسامون ومخططون محترفون من المخيم وخارجه إلى الرسم عليها. أما الهدف الثاني فهو تأمين التواصل بين شباب المخيمات، وخصوصاً بين مخيمي شاتيلا ونهر البارد «هناك اختلاف بين شباب المخيّمات في السياسة، وحتى في التقاليد، وما نحاول القيام به هو تقريب وجهات النظر»، يقول محمود الحاج، أحد المتطوّعين الفلسطينيين.
بدأ النّشاط عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، وما إن تجمّع المتطوّعون حتى سارع أهالي المخيّم إلى المساعدة «هاد منقلّها العونة»، يقول الحاج محمّد ميداني. و«العونة هي مساعدة الجار أو الصديق من دون أن يطلب ذلك»، يشرح ميداني. يكلّم حفيده نور الدين ويجبره على العمل: «أنت تعيش في هذا المخيّم، لذا عليك أن تجعله أجمل، فإلى العمل» يقتنع نور الدين، يحمل المجحاف ويشرع بنزع صور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والشيخ أحمد ياسين. يرفض ميداني إنهاء الحديث إلا بالتذكير بأنّه من صفد وأنه أكيد من عودته إليها قبل مماته «هادا إسمو الأمل الفلسطيني نحنا منموت وهو ما بموت».
في الشارع المقابل، يعمل داني الخطيب، يوسف السعد، ونسرين درويش على طلاء الجدران باللون الأبيض. يبدو العمل مرحاً للأطفال الثلاثة. يحاول الخطيب سكب بعض البويا على حذاء رفيقه، يضحك الاثنان، ويكملان النشاط. تتوقّف درويش عن العمل لتعطي الأوامر لرفيقَيها: «أنا أكبر منهما في السنّ، لذا أستطيع أن أصرخ عليهما، فهما يقضيان وقتهما باللعب ولا يعملان».
وفي أثناء دهن أحد الجدران، قامت إحدى المتطوعات من خارج المخيّم بـ«طرش» عبارة مكتوبة على الحائط «لن تموت أمّة قائدها محمّد رسول الله»، ينتفض أحد شباب المخيّم على ذلك ويسرع إلى إزالة «البويا» عن العبارة. تبتسم الفتاة حين ترى ما حصل، «لم أر العبارة، هذا كل ما في الأمر». أما نور ورداني، إحدى المتطوعات اللبنانيات فلا تتوقّف عن العمل إلا لتشرح بغضب عن الأفكار المسبقة المكوّنة لدى اللبناني عن الفلسطيني «عندما أخبرت أصدقائي أني آتي إلى شاتيلا، تفاجأوا، فبنظرهم المخيّم مكان مخيف، والفلسطينيون كائنات سيّئة، والأمر تفاقم بعد أحداث نهر البارد».
تستمرّ عمليّة التجميل لمدّة شهرٍ كامل، «تنتهي حين يصبح المخيّم مكاناً جميلاً، لا يخاف الداخلون إليه، ولا يرتاح الخارجون منه».