جان عزيز
وحدهم الفرنسيون والمصريون لم يقطعوا الأمل في الاستحقاق الرئاسي اللبناني. أما الباقون فحسموا مواقفهم، وهم يتجهون إلى مصير مواقفهم المعلنة، بسرعة قطار تعنّت الموالاة، وثبات صمود المعارضة. هكذا يصف أحد السياسيين المعنيين الوضع، قبل أن يسهب في عرض الوقائع والخيارات وبعض الخفايا والأسرار. فمن جهة الموالاة، يتوقف السياسي المعني عند الكلام الحاسم وفق قراءته، الذي أطلقه السفير الأميركي جيفري فيلتمان مساء الخميس الماضي، «ماذا يعني قول فيلتمان إن إدارته ترفض بقاء إميل لحود في قصر بعبدا بعد 24 تشرين الثاني المقبل؟»، يسأل السياسي المطلع، قبل أن يردف: بمعزل عن كلام السفير الأميركي المطمئن لفريقه على أنه لا كارثة ولا فوضى، وبمعزل عن تشجيعه لخيارات الموالاة مستعيناً بسوابق الانتخابات والمحكمة والحكومة، وكيف أقدم الموالون في كل من تلك السوابق ورعت واشنطن خياراتهم، فأحجم المعارضون ليظل الكلام على الفوضى والخراب مجرد تهويل...
بمعزل عن ذلك كله، لماذا تحدث فيلتمان عن مقولة بقاء لحود في القصر الرئاسي؟ قبل أن يجيب السياسي: «إن كان هناك في الأفق رئيس جديد منتخب وفق الدستور، فهل كانت تطرح مسألة بقاء لحود؟ طبعاً لا، وبالتالي فإن كلام فيلتمان هو الرسالة الحاسمة، بأنه لا انتخاب دستورياً قبل 24 تشرين الثاني، وكل البحث منصب الآن على كيفية تأمين بقاء السنيورة وخروج الرئيس».
ويكشف السياسي نفسه عن أن توقيت كلام فيلتمان جاء بعد أيام من الاتصالات السرية ببعض الجهات، ولاستنفاد مسألة اقتراح كان قد طرحه البعض عن صيغة ما تكفل بقاء الاثنين: لحود في بعبدا والسنيورة في السرايا.
ويؤكد السياسي المطلع أن الفكرة حملها أحد الدبلوماسيين إلى شخصية قضائية سابقة على صلة ببعض المراجع، وسأله مباشرة: هل من صيغة دستورية أو قانونية تسمح باستمرار الوضع القائم؟ لكن الجواب جاء بالرفض القاطع والمزدوج، استحالة الأمر دستورياً، واستحالته لجهة عزم لحود النهائي على مغادرة بعبدا. ورغم أن أوساط رئيس الجمهورية تنفي علمها بالطرح، يصر السياسي نفسه على أن الموضوع بحث فعلاً وانتهى إلى سقوطه، مشيراً إلى أن خلفية الفكرة كانت الحرص البالغ لدى الدبلوماسي نفسه على ضمان هاجسه المعلن أمام كل من يلتقيه: كيف يظل فؤاد السنيورة في موقعه؟
المهم أن المحصّلة النهائية التي انتهت إليها الموالاة، والتي أعلنها فيلتمان مساء الخميس الفائت، هي أنه لا انتخابات رئاسية، وكل الجهد الباقي محصور في ما يلي ذلك.
أما من جهة المعارضة فيشرح السياسي نفسه أن رسالة عوكر وصلت وفهمت، وبدأ العمل بمقتضاها. وفي هذا السياق يكشف السياسي المطلع أن أطرافاً فاعلة في المعارضة تباحثت مطولاً في نتائجها مع لحود. وكما بات معلوماً أوضح رئيس الجمهورية وجهة نظره، بأنه ضد فكرة اللجوء إلى تأليف حكومة جديدة في اللحظة الأخيرة، لأن مثل هذه الخطوة ستشكل حدثاً انقسامياً خطيراً في البلاد، على غرار ما حدث في 22 أيلول 1988، وكرر لحود أن موقفه من هذه المسألة كان واضحاً منذ مطلع حزيران الماضي، يوم أبلغ الجميع أن آخر مهلة لتأليف حكومة جديدة جامعة هي 15 تموز الماضي، يومها اعترض نبيه بري مفضلاً التريث، وأوفد إلى بعبدا شخصية نيابية لشرح وجهة نظره.
وتابع لحود استعراض الاحتمالات، مؤكداً أن فكرة تأليف حكومة انتقالية برئاسة قائد الجيش، لا تزال صالحة. غير أن الموضوع، كما كان قد اتفق عليه مع البطريرك الماروني، يقتضي موافقة الجميع، وهو ما أسقطته الموالاة، ولا تزال مصرة على رفضه.
وإزاء تعثر الفكرتين، سأل لحود المعارضين أن يحسموا هم أمرهم، ويجيبوا عن السؤالين ــــــ الاحتمالين المقبلين: ماذا سيفعلون إذا ما عمدت الموالاة إلى تسمية رئيس خلافاً للدستور؟ وماذا سيفعلون إذا ما اكتفت الموالاة بترك الأمور على ما هي، لتضع حكومة السنيورة القائمة يدها على مقاليد السلطة، في ظل فراغ رئاسي؟ ويتابع السياسي قائلاً: الواضح أن المعارضة لم تبلغ لحود أجوبتها بعد، ليبني على الشيء مقتضاه، لكن الأخير لا يزال يردد للمعارضين أن خياراته لم تستنفد، على قاعدة مغادرته سدة الرئاسة في اللحظة الأخيرة من ولايته الممددة، كما على قاعدة عدم تركه البلاد في عهدة حكومة يراها غير موجودة.
ويشير السياسي نفسه إلى مناورة طرحت في الساعات الأخيرة، تقضي بأن يتقدم السنيورة باستقالة حكومته عند نهاية الولاية، ليتحول بعدها إلى تصريف الأعمال برضى الجميع، وحتى انتخاب رئيس جديد، لكنه استبعد أن تعرف هذه الفكرة أي تجسيد لها، إن لجهة إجماع الموالاة على تبنيها، أو لجهة قبول لحود والمعارضين بها.
وإزاء هذين الموقفين، يكشف السياسي نفسه عن «تعنّت علاجي» لا يزال طرفان خارجيان مصرين عليه، هما باريس والقاهرة، علماً بأن الاثنين لا يملكان تصوراً موحداً لتنفيذه. ففيما لا يزال الفرنسيون يأملون إقناع الجميع في الداخل والخارج، بتبني اسم أحد النواب المرشحين من خارج اللائحة الرسمية لمرشحي الموالاة، لا يزال المصريون يأملون إقناع الجميع أيضاً بتبني مشروع الحل الانتقالي عبر قائد الجيش. ويشير السياسي نفسه إلى أن باريس تعمل على تحقيق تصورها عبر خط قمة بوش ـــــ ساركوزي في واشنطن في 6 تشرين الثاني المقبل، فيما تسعى القاهرة إلى تجسيد تصورها على هامش دورة الألعاب التي تستضيفها في 11 منه، والتي دعت إلى حضورها كلاً من لحود والسنيورة، مع الإعداد للقاءين لهما بالرئيس المصري حسني مبارك، علماً بأن أي تأكيد لم يعط بعد لتلبية الدعوتين.
هل من عناصر أخرى لا تزال خارج هذه الصورة المأزومة؟ ثمة هامش واحد لا يزال قيد البلورة، وهو المتمثل في موقف بكركي المنتظر غداً الأربعاء، وما قد يليه من متابعة فاتيكانية قبل خراب البصرة اللبنانية.