strong>رشا حطيط
بعد فترة على إعلان الجيش انتصاره في حربه على الإرهاب في مخيم نهر البارد، آثرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أن تتعامل مع هذا الانتصار بطريقتها الخاصة من خلال حملة إعلانية تشهدها بيروت، أكدت خلالها المديرية أن لا مكان للإرهاب في لبنان فهو إما وراء القضبان أو خارج الحدود

شاهد المواطنون خلال الأسبوع الفائت رفع إعلانات «ضد الإرهاب» على اللوحات الإعلانية المنتشرة على الطرقات، إضافة إلى إعلانات متلفزة مطالبة بإخراج الإرهاب من البلاد. وتحمل هذه الإعلانات توقيع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. وعلى ما يبدو، تأتي هذه الحملة استكمالاً للحرب على الإرهاب في لبنان، التي ضمّت خمساً وعشرين حادثة إرهابية، بدءاً من محاولة اغتيال وزير الاتصالات مروان حمادة عام 2004 وصولاً الى اغتيال النائب أنطوان غانم في 19 أيلول من العام الحالي. وكان أبرز هذه الأحداث اغتيال رئيس مجلس الوزراء السابق رفيق الحريري. وقد ذهب ضحية الأحداث جميعاً 59 شهيداً ومئات الجرحى، فضلاً عن عشرات الشهداء ومئات الجرحى من المدنيين والعسكريين في معارك مخيّم نهر البارد، إضافة إلى تدمير المئات من مباني المخيّم.
وتؤكّد الحملة، التي انطلقت بمبادرة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، للمواطنين أن لا مكان للإرهاب في لبنان، «بل وراء القضبان أو خارج الحدود».

«معاً ضد الإرهاب»

تتزامن حملة قوى الأمن الإعلانية على الإرهاب مع حملات عدة في بعض البلدان والمدن الأوروبية منها إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا، التي تعرّضت لتفجيرات إرهابية على مدى الأعوام الماضية. وتجدر الإشارة إلى أن دول العالم بدأت حربها على «الإرهاب» قبل لبنان، خصوصاً بعد هجمات أيلول 2001. وقد حرصت حينها على تطمين مواطنيها إلى أن الأجهزة الأمنية تقوم بعملها. لكن الصورة انقلبت بعد التفجيرات التي طالت عدداً من البلدان الأوروبية، فأصبحت الحملات تهدف لتوعية المواطنين على أشكال الإرهاب المتعددة، وتدعوهم إلى مشاركة الاجهزة الامنية في الابلاغ عن أية معلومات تسهم بالكشف عن أشخاص وأعمال ومشبوهة. وعلى سبيل المثال، وبشعار «الإرهابيون لن ينجحوا إذا أبلغ أحدهم عن نشاط مشبوه ـــــ قد تكون أنت المخبر» انطلقت حملة ضد الإرهاب بالتنسيق ما بين شرطة النقل البريطانية وشرطة لندن وبلديتها. وركزت هذه الحملة، التي امتدت على أربعة أسابيع، على تنمية الحس بالمسؤولية لدى المواطنين وزيادة ثقتهم بأنفسهم للإبلاغ عن أي حقائب أو سيارات أو تصرفات مشبوهة، ودعوتهم للاتصال برقم الطوارئ المذكور على الاعلان. وأبرزت الحملات الأوروبية إرشادات متعددة من خلال الملصقات التي وزعت، منها أماكن وجود الإرهابيين المحتملين والامكنة التي قد تستخدم لنشاطاتهم كالكاراجات والمنازل والشقق المستأجرة، فضلاً عن دلالات أخرى محتملة للكشف عنهم، كاستعمال البطاقات المصرفية المزورة أو سحب مبالغ ضخمة، إضافة إلى إرشادات عن وسائل تنفيذ الهجمات من خلال حقائب مفخخة أو سيارات مستأجرة مفخخة وغيرها. كما شرحت بعض الملصقات طرق تنقل الاشخاص المشتبه فيهم، ولا سيما عبر المناطق التي يصعب ضبطها.
على عكس الحملة الاوروبية، تفتقد الحملة اللبنانية لعامل التوعية وإشراك المواطنين بتطويق الارهاب. فقد تضمّنت ملصقاً تحت عنوان «معاً ضد الارهاب»، يُظن أنه يهدف لإشراك المواطن، وبالتالي الى توحيد صفوف اللبنانيين بكل فئاتهم في الحرب على الارهاب. إلا أن الصورة المرفقة به تقتصر على محاولة إظهارعلاقة متينة بين الجيش وقوى الأمن الداخلي لقمع الإرهاب، مستثنية المواطنين اللبنانيين والأجهزة الأمنية الأخرى.
وفي إعلان من الحملة اللبنانية، تأكيد على مواجهة الإرهاب من خلال نبذ وجود الإرهابين في لبنان وإقصائهم الى خارج الحدود أو الى ما وراء القضبان تحت شعار «الإرهاب مكانه ليس بيننا». ويبدو هذا الشعار كتعهد للقبض على هذه الجماعات، لا لمنعها من القيام بهذه الأعمال، فيما جسّدت الصورة المرفقة به الإرهاب بشخص ملثم بوشاح أسود يحمل سلاحاً من النوع الصاروخي (قد يكون تقليداً لجماعة وثقافة معينة، مما قد يعطي صورة مسبقة عن الشخص الذي يقوم بالعمل الإرهابي). وبالتالي فإن الصورة المذكورة تحدّ الإرهاب بالهجوم المسلح بعيداً عن أي أشكال أخرى، كالهجوم الالكتروني والنفسي وغيرهما، علماً بأن المادة الاولى من الباب الاول في الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب التي وقعها لبنان والدول العربية عام 1998 تعرّف الإرهاب على أنه «كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به مهما كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف الى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر». وهنا يطرح التساؤل عن فاعلية وضرورة إشراك مؤسسات دراسات متخصصة في الاعلان ومتخصّصين لتوجيه وترشيد هدف الإعلان.
كذلك يلاحظ أيضاً، في ملصقات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، غياب أي أرقام أو إرشادات توجّه المواطنين الى الإجراءات الوقائية التي يجب اتخاذها ضد الإرهاب، على شاكلة حملات الأجهزة الأمنية الاوروبية. لكن يمكن تسجيل إيجابية لما أغفلته السلطات اللبنانية نظراً لما أثاره النقاد الأوربيون للطريقة التي تعاملت بها سلطات بلادهم، والتي رأوا فيها إعطاء المواطنين صلاحية أوسع لمراقبة كل المحيطين بهم، مما قد يلغي خصوصية الأفراد ويوصل الى حالة من عدم الثقة بين السكان وخلق حالة من التوتر
الداخلي.