وفاء عواد
أثار قرار الرئيس الأميركي جورج بوش الذي «تبرّعت» وزارة الداخلية والبلديات بتعميمه على مديرياتها والمحافظين والبلديات، بعد تسلّمه مباشرة من الأمين العام السابق لوزارة الخارجية هشام دمشقية، في 10 آب الفائت، جملة تساؤلات مرتبطة بحيثيات القرار من جهة، وبـ«الانتقائية» التي تمّ على أساسها اعتماد خريطة توزيع التعميم، وتحديداً في أوساط البلديات، إذ كانت بلديات الضاحية «أول المحظيّين»، فيما «حُرِم» أغلبها من «أخذ العلم والاطلاع» في هذا الشأن.
فالقرار الذي أصدره بوش، في الأول من آب الماضي، جاء بمثابة «أمر تنفيذي» مرتبط بالقرار الدولي 1701، ويقضي بـ«الإعلان عن حالة طوارئ محلية للتعامل مع التهديد الذي يواجهه لبنان، لتقويض حكومة لبنان الشرعية، المنتخبة بطرق ديموقراطية، ومؤسّساته الديموقراطية، للمساهمة في الانهيار المتعمد لحكم القانون في لبنان، بما في ذلك العنف المسيّس والترهيب، لإعادة الحكم السوري أو المساهمة في التدخّل السوري في لبنان أو للتعدّي عليه وتقويض السيادة اللبنانية، وهو ما يسهم في عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في ذلك البلد والمنطقة»، مرفقاً بالإشارة إلى أن هذه الأعمال «تمثل تهديداً غير عادي واستثنائياً للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية».
وبموجب هذا الأمر، طالب بوش بـ«تجميد ممتلكات ومصالح الأشخاص الذين تحدّدهم وزارة المال، بالتشاور مع وزارة الخارجية، بأنهم قاموا بأعمال أو يهدّدون بالقيام بأعمال، منها أعمال عنف، تهدف إلى تقويض العمليات والمؤسّسات الديموقراطية في لبنان أو إلى المساهمة في انهيار حكم القانون في لبنان، لدعم إعادة السيطرة السورية أو المساهمة في التدخل السوري في لبنان، أو التعدي على السيادة اللبنانية وتقويضها».
والتعميم المذيّل بتوقيع الرئيس الأميركي لم يكن بالنسبة لمن «أخذ العلم» أمراً عادياً، أو تفصيلاً يمكن تلقّيه كأنه «مبرّر» و«مشروع»، ولا يستحق التوقف أمام دلالاته «غير المألوفة» في تاريخ العمل الحكومي. لذا خطا اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، بعد تبلّغه مضمون القرار في 9 تشرين الأول الفائت، الخطوة الأولى «الرافضة» لـ«تعميم مذكرات الرئيس الأميركي أو أي رئيس أجنبي آخر من جانب سلطة الوصاية على البلديات، ولو على سبيل أخذ العلم»، مترجماً موقفه بـ«ردّ التعميم»، مرفقاً ملاحظاته على «السابقة غير المألوفة في العمل الحكومي والبلدي» وفق ما يأتي: «القرار لا يعنينا ولا يمت الى العمل البلدي بأي صلة، لا نريد تجارب بوش وتعاليمه الديموقراطية كمثل العراق وغيره ولا نحتاج الى قرارات خارجية».
وفي هذا الإطار، علّل رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد سعيد الخنسا، لـ«الأخبار»، سبب وصول التعميم أولاً إلى بلديات الضاحية باحتمالين: «إما أن يكون البريد باتجاهنا أسرع، أو لأننا معروفون بأننا قلعة من قلاع المقاومة»، مكتفياً بالقول: «لن يربّونا بقرارات كهذه، لأن خيارنا سيبقى خيار مقاومة ورفض للاحتلال».
وفور وصول التعميم (الذي حمل الرقم 17098) إلى بلديات بعلبك، جاء ردّ اتحادها، أمس، خطوة ثانية على طريق رفض قرار بوش وتعميمه من وزارة الداخلية، إذ «لا علاقة له بالأصول البلدية، لا من قريب ولا من بعيد.. وهو ورد في غير محلّه»، واضعاً إياه في خانة «تقويض دعائم الديموقراطية في لبنان وحرية الرأي والتعبير التي تميّز بها لبنان على مرّ العصور»، إذ «لا يحقّ لأي جهة، حتى لو كانت الأمم المتحدة نفسها، التدخل في الشؤون القومية الداخلية لأية دولة، لأن ذلك يناقض ميثاق الأمم المتحدة».
«التعميم لم يصل إلينا بعد»، بهذه العبارة ردّ رئيس بلدية الهرمل مصطفى طه على سؤال وجّهته له «الأخبار»، لكن علمه بالأمر جعله يصفه بـ«السابقة الخطيرة»، فـ«كأنما الدولة جندي عند الرئيس الأميركي، أو كأنما لبنان سيصبح الولاية الـ52 على جدول الولايات المتحدة الأميركية». وبانتظار وصول «البريد» إلى الهرمل، يحسم طه «حتمية» ردّ التعميم إلى وزارة الداخلية، إذ «لا خطوط حمراء عندنا في هذا الموضوع».
وإذ نفت رئيسة اتحاد بلديات المتن الشمالي ميرنا المرّ معرفتها بوجود هذا التعميم وماهيته، أسف رئيس اتحاد بلديات صيدا والزهراني عبد الرحمن البزري، الذي أخذ علماً بالأمر من أحدهم، لـ«أسلوب فرض تفصيل داخلي أميركي على البلديات»، متسائلاً: «هل التدخّل الأميركي وصل الى مستوى الإدارات المحلية؟».
وأشار البزري، في اتصال أجرته معه «الأخبار»، إلى «إشكال» رافق التعميم، فـ«هل نأخذ بمضمون التعميم أم بمقتضيات القانون؟»، كاشفاً عن استعدادات تقوم بها بلديات لبنان من أجل عقد لقاء عام للبحث في «القرار المسيء»، وخاتماً بالقول: «هذا التعميم لن ينفّذ، ويجب أن لا يتكرّر».