strong> نعمت بدر الدين
أكدت مصادر سياسية وديبلوماسية أن الحكومة اللبنانية أقرت التوقيع على معاهدة أوتاوا لنزع الألغام، من خارج جدول أعمال الجلسة الأخيرة التي عقدت السبت الفائت، ومن دون إدراجها ضمن المقررات الرسمية. وأشارت المصادر الى أن إقرار الحكومة الاتفاق، على رغم مضي المهلة الزمنية للتوقيع، إشارة واضحة الى إبداء الرغبة في انضمام لبنان الى المعاهدة المقرّة عام 1997 التي دخلت حيز التنفيذ عام 1999.
والمعاهدة التي تحمل شعار «نحو عالم خال من الألغام» تقضي بحظر استعمال الألغام المضادة للأفراد وحظر تخزينها وإنتاجها ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير الألغام المزروعة في شتى بقاع العالم وإزالتها وضمان تدميرها. والدول العربية الأعضاء في المعاهدة هي: الجزائر وجزر القمر وجيبوتي والأردن وموريتانيا وقطر والسودان وتونس واليمن.
والمعاهدة المذكورة كان قد توصل إليها المجتمع الدولي لتجريم عدو غير مرئي هو الألغام المضادة للأفراد. وهي تنص على تدمير الألغام المخزّنة وإزالة الألغام المزروعة وتصميم برامج للوقاية والمساعدة، وتمثل خطة عمل متكاملة للقضاء على ظاهرة الألغام، وهو هدف لا يمكن تحقيقه إلا بتطبيق أحكام المعاهدة على أرض الواقع وضم أكبر عدد من الدول إليها.
وقالت مصادر ديبلوماسية إن وزارة الخارجية كانت قد أرسلت تعليماتها الى البعثة اللبنانية لدى الأمم المتحدة للامتناع عن التصويت، كما جرت العادة، مشيرة الى أنه جرى أول من أمس التصويت على مجموعة من القرارات ضمن اللجنة الأولى في نيويورك، ومن ضمنها القرار المتعلق بمعاهدة أوتاوا. وأكدت المصادر أن كندا وسواها من الدول مارست ضغوطاً كبيرة على لبنان لحمله على التصويت، وأن الضغط الأكبر قد مارسته الحكومة الأسترالية التي عقد مندوبوها اجتماعات تنسيقية عدة لحث المزيد من الدول على الانضمام، وأضافت مصادر ديبلوماسية مطّلعة أنه في كل دورة للجمعية العمومية للأمم المتحدة تنشط الجهود من أجل تأليف «لوبي» للضغط على بعض الدول التي تمتنع في العادة عن التصويت، ومن بينها لبنان، لحثها على التصويت والانضمام الى معاهدات مختلفة، شارحةً إيجابيات ذلك ومقدمةً إغراءات بعضها مالي.
وكانت البعثة اللبنانية الدائمة في نيويورك تمتنع كل عام عن التصويت لأسباب عدة، أهمها أن إسرائيل لم توقع وترفض الانضمام الى المعاهدة وتقوم بزرع الألغام وإنتاجها وتخزينها واستعمالها في حروبها، كما فعلت في جميع حروبها في لبنان، وآخرها عدوان تموز 2006، وأن إسرائيل لا تزال تحتل أراضي لبنانية، علماً أن المعاهدة تتضمن منع الفئات التي تقوم بعمل مقاوم للاحتلال من استعمال الألغام في دفاعها، وهذا يعني قانوناً تجريم هؤلاء واعتبار الأدوات التي يستعملونها غير شرعية، وفقاً لقواعد القانون الدولي، بينما يتضمن البروتوكول الأول لمعاهدة جنيف الرابعة اعترافاً بحق المقاومة وشرعية دفاعها.
والانضمام الى اتفاق منع الألغام يفرض وضعاً قانونياً جديداً على عمل المقاومة وعلى الجيش اللبناني الذي ينتشر جنوده في الجنوب وفي المنطقة التي قد تحاول اسرائيل احتلالها أو الدخول إليها.
وتقول المصادر إن ما تقوم به الحكومة جريمة بحق المقاومة والجيش اللبناني، وخاصة أن المقاومة استخدمت منذ انطلاقتها الألغام وسيلة دفاع ضد الآليات والمركبات الاسرائيلية التي تدخل الى القرى الجنوبية الأمامية. والنتيجة هي أن اسرائيل لا تقوم بمخالفة حين تستعمل الألغام بينما المقاومة ترتكب مخالفة بدفاعها عن الأراضي المحتلة.
وأشارت المصادر الى أن الضغوط كانت موجودة في الماضي، متسائلة: ما الذي تغير حتى تقر الحكومة التوقيع على المعاهدة من خارج جدول الأعمال في الجلسة الأخيرة؟ ولفتت الى أن الحكومة تلقت وعوداً بمساعدات مالية ضخمة مقابل انضمامها الى المعاهدة، مؤكدة أنها ليست المرة الأولى التي يغيّر فيها لبنان عدداً من القرارات التي كان قد اتخذها مقابل وعود ومساعدات مالية، متسائلةً عن النيات الأخرى خلف هذه القضية. وأشارت مصادر سياسية مطلعة الى أن سفير لبنان لدى الأمم المتحدة نواف سلام أعدّ تقريراً أبرز ما ورد فيه حثّ الحكومة على ضرورة التوقيع والانضمام الى معاهدة أوتاوا وذكر إيجابيات الانضمام، موضحة أن التقرير ينطوي على دعوة صريحة لتبنّي مضمونه، ومؤكدة أنه اتصل برئيس الحكومة وبحث الموضوع، ولافتة إلى أنه يعبّر عن وجهة نظر تنسجم مع الحكومة اللبنانية ومسألة الأمن القومي التي يتبناها رئيسها فؤاد السنيورة.
وأكدت المصادر أن انضمام لبنان يحتاج لاحقاً الى موافقة مجلس النواب للتصديق على المعاهدة، مشيرة إلى أن مجرد طرح القضية في مجلس الوزراء وقبول التوقيع هو موافقة مبدئية لا بد من أن تعقبها دعوة دولية للبنان للانضمام الى المعاهدة.
يذكر أنه في هذه الأثناء تطالب الحكومة اللبنانية بخريطة للألغام المزروعة في لبنان، وتبذل جهوداً حثيثة للحصول عليها. مصادر ديبلوماسية لفتت الى أهمية التوقيت الذي يثار فيه الموضوع وتتغير مواقف لبنانية ثابتة، وتساءلت عن المستفيد منها ونوع الإغراءات المقدمة، محذرة من عواقب التمادي في بعض القضايا التي تنسج خلف الكواليس ومسؤولية المعارضة اللبنانية المتساهلة في ردة فعلها، علماً أن الولايات المتحدة لم توقع على المعاهدة بعد.



أهداف الاتفاق

«إنهاء المعاناة والإصابات الناتجة من الألغام المضادة للأفراد التي تقتل أو تشوّه مئات الأشخاص، ومعظمهم من المدنيين الأبرياء والعزل، ولا سيما الأطفال، وتعوق التنمية الاقتصادية والتعمير، وتمنع اللاجئين والمشردين داخلياً من العودة إلى الوطن، وتسبب عواقب أخرى وخيمة بعد سنوات من زرعها. وكانت الأمم المتحدة قد بذلت ولا تزال قصارى جهودها للمساهمة بكفاءة وبطريقة منسقة في التصدي للتحدي المتمثل في إزالة الألغام، ولا تزال تحث جميع الدول على السعي بهمّة لإبرام اتفاق دولي فعال ومُلزم قانوناً يحظر استعمال الألغام الأرضية المضادة للأفراد وتخزينها وإنتاجها ونقلها، بغية الانتهاء من المفاوضات في أقرب وقت ممكن، والتصديق عليها من دون إبطاء. وتطلب إلى جميع الدول المساهمة في التحقيق الكامل والتنفيذ الفعال للاتفاق، من أجل تحسين رعاية ضحايا الألغام وتأهيلهم وإعادة إدماجهم اجتماعياً واقتصادياً، وتحسين برامج التوعية على الألغام، وإزالة الألغام المضادة للأفراد المزروعة في شتى بقاع العالم وضمان
تدميرها».