طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
وأخيراً، تمكّنت والدة «أبي هريرة» من وضع باقة من الحبق الأخضر إلى جانب جثة ابنها في القبر القريب من المنزل، بعدما علا صوتها بالنحيب والبكاء وهي تصرخ: «يا مظلوم يا شهاب»، وسط عويل شقيقاته وصراخهن.
فقد دُفنت، أول من أمس، جثّة الرجل الثاني في تنظيم «فتح الإسلام» شهاب خضر القدور، الملقب بـ«أبي هريرة»، في مدافن الغرباء الكائنة في حي الزاهرية بطرابلس، على بعد أقل من 20 متراً من منزل ذويه المعدم، وإثر مرور نحو شهر على مقتله، بعد اشتباك وقع بينه وبين عناصر من قوى الأمن الداخلي في 31 تموز الماضي في ساحة سعدون بمحلة أبي سمراء في طرابلس.
وإذا كانت أغلب أسرار أبي هريرة قد دُفنت معه، وهو الرجل الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام حول شبكة العلاقات المتشعبة التي أقامها مع أكثر من جهة، وبعضها على طرفي نقيض، فإن عملية دفنه تمّت بهدوء، بفعل الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها القوى الأمنية، والتكتم الشديد على مكان وزمان دفنه. فبيانات نعيه التي ألصق عدد منها على جدران في جوار منزل عائلته، لم تحدد لا موعد دفنه ولا مكان إقامة صلاة الجنازة عليه، بل اكتفت بالإشارة إلى أنه سيُصلّى على جثمانه عقب صلاة عصر أول من أمس السبت، وأن التعازي سيتم تقبّلها قبل الدفن وبعده، ويومي الثاني والثالث، في منزل والده في الحي المذكور.

«ضابط من المعلومات طلب ترتيب دفنه»

وأوضح الشيخ بلال دقماق، مساعد الشيخ داعي الإسلام الشهال لشؤون المفاوضات وصديق أبو هريرة الشخصي وعضو مجلس أمناء «وقف اقرأ الإسلامي»، أن «أحد ضباط شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اتصل بي يوم الجمعة الماضي، طالباً مني التدخل لترتيب عملية دفن الجثة، وأنه ليس لدى القوى الأمنية أي تحفظ على ذلك، فقبلنا بذلك لسببين، الأول شرعي يتمثل في أن جثة أي مسلم يجب دفنها، والثاني إنساني دافعه طلب ذويه هذا الأمر الذي كرّروه أكثر من مرة أخيراً».
وأشار دقماق لـ«الأخبار» إلى أنه «بعد مراجعة الشيخ الشهّال، واللجنة الشرعية في التيار السلفي التي يرأسها الشيخ عمر بكري فستق، بدأت التحضير لتسلّم الجثة ودفنها بالتعاون مع شقيقه يوسف، وبالتنسيق مع النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، بعد القبول بالشروط التي طلبناها لذلك، لناحية غسل الجثة والصلاة عليها ودفنها وفق الشروط الشرعية، وتأمين الحماية الأمنية اللازمة لإنجاز هذه المهمة».
وعن الاحتجاجات الشعبية السابقة التي جرت في محلة التبانة تحديداً على هذا الأمر، لفت دقماق إلى أن «هذه الاعتراضات كانت ذات شقين، الأول استعراضي، والثاني بهدف تبييض الوجه مع الجيش اللبناني، الذي كنا نتمنّى ألّا تصل الأمور معه إلى هذا الحد، مع احترامنا لجنوده الذين سقطوا في المعارك الأخيرة»، لافتاً إلى أن «كثيرين كانت لديهم رغبة في الصلاة على جثته، ولكن الإجراءات الأمنية المشدّدة، وطلبنا منهم اقتصار الأمر على عدد محدود من المصلين، حالا دون ذلك».
وكانت جثة أبو هريرة قد وصلت بعيداً عن الأنظار بعد ظهر السبت إلى طرابلس، بعد نقلها بواسطة سيارة إسعاف من مستشفى بعبدا الحكومي، وسط إجراءات أمنية مشددة، إلى مسجد طينال في محلة باب الرمل بطرابلس، بعدما أغلقت القوى الأمنية كل الطرقات المؤدية إلى المكان، حيث قام مشرفون في المسجد بغسل الجثة ونقلها لاحقاً إلى باحة المسجد لإقامة صلاة الجنازة عليه، بعدما سمحت القوى الأمنية لمن كان حاضراً في جوار المسجد من معارفه بالصلاة عليه إذا رغبوا في ذلك».
وفور الانتهاء من صلاة الجنازة، نقلت الجثة بمواكبة أمنية مشددة إلى منزل ذويه في حي الغرباء، الذي ضُرب حوله طوق أمني كبير، وكان في استقبالها زوجته وأبناؤه الخمسة، ووالده ووالدته وأشقاؤه. وبعد مرور أقل من نصف ساعة على مكوث الجثة داخل المنزل، أُخرجت لتُوارى في قبر قريب من المنزل، في حضور عدد محدود من أقاربه ومعارفه، فيما تجمّع عشرات المواطنين عند مدخل المنطقة بدافع الفضول، إلا أن القوى الأمنية، التي انتشر عدد من أفرادها فوق أسطح الأبنية القريبة، منعتهم من الاقتراب من المكان.