أجرتها نعمت بدر الدين تصوير: بلال جاويش


يفاخر وزير الثقافة طارق متري بأنه أمضى سنوات عمره «وسطياً»
تجربته «القصيرة» في وزارة الخارجية، كوزير وكيل، حملت الكثير من التفاصيل الشائكة، نظراً إلى ما أحدثته من خلافات، كان آخرها الأزمة التي اندلعت بينه وبين الوزير المستقيل فوزي صلّوخ في شأن التعيينات الإدارية


  • هل كان من الضروري الوصول إلى الأزمة التي تشهدها وزارة الخارجية اليوم؟

  • - لا أبداً. البلد ليس بحاجة إلى انقسامات إضافية، والوزارة في حاجة إلى أن تستجمع قواها لأن أمامها مسؤوليات كثيرة، وأخشى أن يكون ما جرى قد أضعفها.

  • هناك شعور بأن ما يحصل في الخارجية هو «بروفة» للانقسام المرتقب في البلد؟

  • - أرجو ألا يكون ذلك إنذاراً لما قد يصيبنا إذا تأجّجت الانقسامات. لا أعرف كل الدوافع الفعلية لما جرى. أعرف الوقائع وأدرك ما حاولت فعله. قمت بواجبي كاملاً، ولم تكن لديّ دوافع خفيّة. كل الحسابات السياسية والطائفية التي نُسبت إلى سلوكي لا أساس لها، وأعرف أنه، وبسبب الإفراط في التسييس والتطييف، بات هناك ميل لتفسير أي تصرّف أو قرار، وتحميله أكثر مما يحتمل. وحاولت أكثر من مرة أن أقول كلاماً واضحاً، وعبّرت عن أني لا أرغب في السجال. ولذلك، أتمنى ألا تفتح هذه المقابلة سجالاً جديداً مع الوزير صلوخ، أو مع الذين يتطوّعون لإلقاء مواعظ شبه دستورية علينا.

  • فُهِم أن مشاورات جرت بين رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والوزير صلوخ للوصول إلى مخرج ينهي الأزمة. لكن الحكومة أصدرت قراراً تبنّى قرارك معدّلاً في شأن تعيين المديرين في الوزارة، وأبقى على العقدة المتمثلة بمديرية الشؤون السياسية؟

  • - أفضّل الكلام من دون ذكر الأسماء. خلال الشهور العشرة الماضية، منذ استقالة زملائنا الوزراء، كان الوزير صلوخ يطّلع على البريد ويوقّع بعض المعاملات، ويترك البعض الآخر. لم يمارس مهماته السياسية والدبلوماسية كوزير للخارجية، فلم يستقبل الزوّار أو يمثّل لبنان في المؤتمرات، ولم يكن إلى جانب رئيس الحكومة لدى استقباله أي وفد أجنبي. كانت ممارسته استنسابية، فكان يهتمّ ببعض الشؤون الإدارية والمالية، ولم يكتب إلى مجلس الوزراء، بخلاف آخرين كوزير الصحة المستقيل محمد جواد خليفة.
    المرة الأولى التي أرسل فيها كتاباً إلى مجلس الوزراء كانت الأسبوع الماضي. كان رئيس الحكومة يطلب مني، كوني وزيراً للخارجية بالوكالة، تسيير أعمال الوزارة، إلى أن وصلنا إلى الموضوع الشائك المتعلّق بالسفراء الـ 43 الذين لم يوقّع رئيس الجمهورية إميل لحود أوراق اعتمادهم لأسباب عدة. قرار تعيينهم تمّ في مجلس الوزراء قبل استقالة الوزراء، وهو قرار شرعي، لكن المشكلة كانت في تنفيذه وإرسال السفراء إلى الخارج.
    حاول الوزير صلوخ حلّ المشكلة، لكنه في وقت ما توقّف. كنت أسافر إلى الخارج وأطّلع على أوضاع سفاراتنا، وكان السفراء المعيّنون هنا وفي الخارج يتعاملون معي على أساس أنني وزير بالوكالة. جاؤوا إليّ واحداً تلو الآخر، ومن كل الاتجاهات، وطالبوا بعمل أي شيء من أجل التحاقهم بسفاراتهم. هم من اقترحوا إرسالهم من دون أوراق اعتماد موقّعة من رئيس الجمهورية، وبعضهم أصدقاء للوزير صلّوخ. استشرت الرئيس السنيورة، فشجّعني على إيجاد حلّ من هذا النوع، يشبه الحلّ الذي اعتمدته الدول الأوروبية التي أرسلت سفراءها الى لبنان بصفة قائمين بالأعمال، بسبب عدم الموافقة على اعتمادهم كسفراء. فكّرنا بصيغة إرسالهم بموجب كتاب موجّه الى وزراء الخارجية، ووقّعته بعدما لم يشأ الوزير صلّوخ التوقيع.بعض الدول اعتبرت السفراء معيّنين، وبعضها وافقت على اعتبارهم قائمين بالأعمال بالوكالة، وجرت اتصالات مع وزراء الخارجية وأمضيت وقتاً طويلاً في ترتيب هذه الأوضاع. ونتيجة المناقلات، عادت مجموعة من السفراء إلى بيروت، وأمضت ستة أشهر هنا من دون عمل أو مكاتب. كان علينا ملء الشواغر التي أحدثها التحاق السفراء، وتكليف السفراء العائدين بمهمات إدارية. مجلس الخدمة المدنية أعلن أن لا وجود لتكليف بل للإنابة. لكن الإنابة لا تسير في حالة وزارة الخارجية لأسباب معروفة، فالوظيفة تحتاج إلى سفير ومرسوم يوقّعه رئيس الجمهورية ووزير الخارجية. ولتعذّر ذلك، لم يكن من خيار إلا تكليفهم بمهمات. أمضيت شهراً في استشارة المعنيين والسفراء المعيّنين، وراعيت الخبرة والتوازنات. استقبلتهم فرداً فرداً، ولم يشر أحد إلى أن هذا الأمر ليس من صلاحياتي. أصدرت قراري بالتكليف، وكلّهم نفّذوه من دون اعتراض. لكن البلبلة بدأت عندما قرّر الوزير صلوخ العودة إلى تصريف الأعمال، وبعد أن أبدى استياءه من التكليفات. ثم أبطل قراري. فاعتبر مجلس الخدمة أن لا مسوّغ قانونياً للقرارين. وحيال هذا الوضع، لم يكن أمامنا إلا اللجوء إلى مجلس الوزراء. إلا أن الرئيس السنيورة أجرى حواراً مع صلّوخ حول إمكانية الاتفاق على بعض التعديلات، وأخذ ببعضها. ثم طلب مني صياغة اقتراح يأخذ في الاعتبار بعض التعديلات التي اقترحها هو على صلوخ، ففعلت. وكان أن صدر قرار مجلس الوزراء الذي تبنّى اقتراحي المعدّل.

  • تعيين السفراء في الخارج لم يكن ليحصل من دون اتفاق وتسهيل من جهات سياسية كانت تتوقع تعاوناً منكم في قرار تعيين المديرين. ألم تتسرّعوا في اتخاذ القرار من دون توافق؟

  • - كنت أقوم بالمهمة وأصرّف الأعمال حين أصدرت القرار، فجاء صلّوخ وأبطله. قرار مجلس الوزراء عرضه على المجلس رئيس الحكومة وطلب مني قراءة الأسماء فقط، وأجبت عن أسئلة عدة وجّهت إليّ. مجلس الوزراء له سلطة أعلى من سلطة الوزير في إطار تسيير المرفق العام، وقراره هو القرار الوحيد الصالح للتنفيذ، وأنا على يقين بأن الوزير صلوخ سيحترمه. في السياسة، يقول الوزير صلّوخ إن الحكومة ساقطة وغير شرعية. ولكنه، في الممارسة، يكتب لها عندما يطلب تغطية نفقات للسفر، كما كتب عندما ذهب مع وفد من الخارجية إلى السنغال، وتوصّل إلى تسوية، لأنه لم يكن هناك طلب مسبق بحسب ما تقتضيه الأصول. وهو الآن يتعامل مع مجلس الوزراء. وعندما يعرف أنه لا يستطيع أخذ قرارات، يعود إليه.

  • حالياً، تبدو الوزارة أمام مشكلة سياسية؟

  • - هذه مشكلة مفتعلة. ما حصل هو تكليف سفراء معروفين للقيام بالأعمال بصفة مؤقتة. عدد محدود من السفراء توزّعوا على عدد محدود من المسؤوليات، مع مراعاة مبدأي الخبرة والتوازنات. يقال إنني اغتصبت حقوق الموارنة لمصلحة الأرثوذكس، وكأنهما قبيلتان تتنازعان على مرعى وأنا شاهر سيف إحداهما! المعروف أن عدد السفراء الموارنة محدود. لذا، كان لا بدّ من إيكال المهمات إلى مسيحيين آخرين.

  • أخذ عليك إيكال مواقع حسّاسة إلى الأرثوذكس، مثل السفيرين وليام حبيب وأنطوان شديد الذي أرسل إلى واشنطن؟

  • - ما الذي يمنع الأرثوذكس من أن يكونوا في مواقع أساسيّة؟ ليس صحيحاً ما قيل في شأن استدعاء سفير ماروني من الخارج. أنا واضح. هناك سفراء في الإدارة المركزية درجت العادة على توزيع المسؤوليات عليهم، ووزّعتها. الموارنة لم يثيروا هذه المشكلة. كان هناك مارونيان، أحدهما لا يستطيع أن يكون مديراً للشؤون السياسية لأنه مستشار، والآخر سيتقاعد قريباً. المسؤولون الموارنة السياسيون والكنسيون لم يعترضوا على تعيين حبيب، فهو سفير ذو خبرة ويفهم بالشؤون السياسية. أما بعقليني، الذي أراد صلّوخ تعيينه بديلاً عن حبيب، فهو لا يريد المنصب وسيتقاعد الشهر المقبل. أما استدعاء سفير ماروني من الخارج فيحتاج إلى مرسوم عادي.

  • لا يحتاج الاستدعاء الى مرسوم عادي، بل فقط إلى استدعاء من قبل الوزير الأصيل؟

  • - لم أسمع بأن الوزير يستطيع أن يستدعي سفيراً لتعيينه مديراً للشؤون السياسية من دون مرسوم عادي. وإذا كان هذا الأمر صحيحاً، فلماذا لم يقم به صلّوخ؟

  • يؤخذ عليكم تعيين السفير حبيب مكان سفير ماروني، والسفير جورج سيام مديراً للمنظمات الدولية رغم ما يشاع عن وجود تجاوزات؟

  • - السفيران المذكوران عيّنهما الوزير صلوخ في قراره. ولو كان هناك فساد أو تجاوزات، لكانا أحيلا على المجلس التأديبي. أنا وزير خارجية منذ الأمس. وحين كلّفتهما، أجريت استشارات، ولم أسمع بأية مآخذ عليهما.

  • هل هناك احتمال بعودة مجلس الوزراء عن التعيينات لحلّ الأزمة، أو العودة عن تعيين حبيب الذي يمثل العقدة القائمة للخروج بحلّ توافقي؟

  • - لن يعود مجلس الوزراء عن قراره. وأعتقد أن على الوزير صلّوخ أن يحترم هذا القرار.

  • نحن اليوم أمام أربعة قرارات؟

  • - هناك قرار واحد فقط هو قرار الحكومة.

  • لكن هناك قراراً جديداً أصدره الوزير صلوخ، وهناك كلام عن أن بعض السفراء سيعتكفون في منازلهم حتى انتهاء الأزمة.
    - ما حدث بسيط، أخذت قرارات بالتكليف نفّذها الكل، لكن صلّوخ أبطل قراراتي، ما أحدث بلبلة، فاتخذ مجلس الوزراء قراراً، هو فوق القرارين.

  • يؤخذ عليك، عندما وقّعت قرار التحاق السفراء إلى الخارج، مخالفتك لاتفاقية فيينا للعلاقات الدولية والدبلوماسية، فعرّضت السلك الدبلوماسي للإهانة وخفضت مستوى التمثيل اللبناني في الخارج. ألم يكن من الأفضل انتظار أشهر عدة ريثما يتمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟

  • - هذا غير صحيح. السفراء لم يستطيعوا الانتظار بعد سبعة أشهر. وبناءً على إلحاحهم، اتخذ القرار. هذا تدبير قانوني مئة في المئة. الدولة تستطيع أن تعيّن من تشاء رئيساً لبعثتها الدبلوماسية، ومهما كانت رتبته. رتبة هؤلاء السفراء لم تنزل، ووظيفتهم المؤقتة هي أنهم قائمون بالأعمال. حدثت إشكاليات بسيطة وسوّيت، ولم يصلني من أحد تعرّضه للإهانة. هناك ثلاث حالات استقبل فيها المعيّنون من قبل وزراء الخارجية، والبعض استقبلوا على مستوى أعلى من وزراء الخارجية. كان هناك خشية عند البعض من أن الذهاب كقائم بالأعمال يحطّ من شأنه، على الصعيد البروتوكولي، فقلنا لهم أن يتحمّلوا فكرة ألا يكونوا في مقدّمة الصفوف عند مشاركتهم في احتفالات تلك العواصم.

  • سفيرنا في الرياض انتظر أكثر من 15 يوماً للقاء وزير الخارجية، رغم العلاقة الممتازة مع المملكة؟

  • - كثيرون انتظروا كثيراً ليلتقوا وزراء الخارجية، ولا علاقة لذلك بعلاقتنا بالمملكة. حمّلنا السفراء رسائل، وفي بعض الحالات قمت أنا بإجراء الاتصالات.

  • مارست مهماتك في ظلّ وجود وزير أصيل لم تقبل استقالته من قبل الفريق الذي تمثّله.
    - اليوم بدأت أفهم كيف يمكن أن يكون شخص مستقيلاً، وفي الوقت نفسه غير مستقيل لأن استقالته لم تقبل. ولأن استقالته غير مقبولة، فهل هذا الأمر يعطيه الحق في ممارسة صلاحياته الإدارية والسياسية.

  • نواجه حركة ناشطة للسفراء الأجانب الذين يصرّحون ويتدخّلون في القضايا السياسية الحساسة، ما يشكّل خرقاً للأصول الدبلوماسية ويؤدّي إلى تهميش دور الوزارة.
    - لست مسؤولاً عن زيارة السفراء للرؤساء الثلاثة، فأنا مجرّد وزير وكيل مارس مهماته لعدة أشهر، وليس لديّ العضلات القوية الكافية لتغيير هذه العادة. في المبدأ، يجب أن يتمّ عمل السفراء وتنسيق لقاءاتهم مع وزارة الخارجية. لكن الوضع الحالي في الوزارة يضعف إمكاناتها وقدراتها. فلدى مجيء أي سفير أو وزير أجنبي إلى لبنان، نتحزّر إذا كان الوزير صلوخ يريد استقباله، وهل سيستقبله في بيته أو في الوزارة. اللبنانيون هم من يدخِلون السفراء في التفاصيل، فسفير الولايات المتحدة الأميركية جيفري فيلتمان، مثلاً، قصد رئيس مجلس النواب نبيه بري لينقل إليه أجوبة بلاده عن أسئلة تتعلّق بالاستحقاق الرئاسي، بناءً على طلب برّي.

  • كان هناك محاولة لتحريك الفئتين الثانية والثالثة، وكان هناك حديث عن إعطاء دبلوماسيين تعاونوا مع السرايا الحكومية مناصب ومواقع حسّاسة مكافأة لهم، والبعض تحدّث عن سياسة خارجية خاصة بالسرايا تتطلّب فريقاً دبلوماسياً قريباً منها، في الداخل والخارج، استباقا للمعارك المقبلة؟

  • ــ لا أعرف من مخيلة من صدر هذا الكلام. الفئة الثانية تعيّن بمرسوم عادي، ونحن لم نصدر مراسيم. أما الفئة الثالثة، فتصدر بقرار من وزير الخارجية، وقد قدّمت إليّ اللجنة الإدارية في الوزارة اقتراحات بمناقلات للفئة الثالثة، وكنت منكبّاً على دراستها. ولكن، بعد عودة صلّوخ، لا أعرف إن كان سيحرّكها.

  • ألم يحن الوقت بعد للتصرّف بذهنية توافقية حوارية بدل سياسة الفريق؟

  • - دائماً يستلزم الواقع التصرّف بذهنية توافقية. أنا قلق، شأن كل اللبنانيين، أخاف من الكلام الذي أسمعه والذي فيه الكثير من العنف اللفظي والتهديد والتهويل بحرب أهلية وفوضى، إذا لم نصل إلى حلّ أو اتفاق. في كل بلاد العالم، هناك مجالس نيابية تنتخب رئيساً للجمهورية، فلماذا التخويف من عدم انتخاب الرئيس، ومن أن عدم انتخابه سيأخذنا إلى الهلاك؟




    لم يكن وزير الثقافة طارق متري، لدى تأليف الحكومة، محسوباً على أي من «الأكثرية» أو الموالاة، وهو القادم إلى السياسة من عالم الثقافة. إلا أن تطوّر الأحداث، وضعه في خانة «الأكثرية». وهو أحد مؤسسي «اللقاء اللبناني للحوار»، وعضو في «مجلس الكنائس العالمي». درّس العلوم والفلسفة في الجامعة الاميركية في بيروت وجنيف، وهو حائز ماجستير في الكيمياء، ودكتوراه في العلوم السياسية، وله مؤلفات عدة.