strong> جيزيل خلف
  • شارع جاد الله الجوهري يحيي المنطقة... ومشاكل قانونية تهدّده

  • بسرعة البرق تحوّل شارع «جاد الله الجوهري» في بلدة عرمون إلى متنفس للباحثين عن التسلية والترفيه. انتشرت فيه مقاه، وصار مقصداً للزوّار من البلدة وخارجها، ما أضفى عليها قيمة سياحية تفرح أهالي عرمون الذين يأملون أن يتمكنوا قريباً من تطوير نشاطهم فيها

    إنه «شارع المقاهي» في بلدة عرمون، الشارع المتألّق رغم ما يعانيه من مشاكل. لم يكن أحدٌ يتوقع أن يتحوّل إلى «مونو» الجبل. فهو انتعش من خلال بذور مشروع صغير أسهم في تحريك العجلة الاقتصادية للبلدة وتأمين منفعة بعض أبنائها وإضفاء الطابع السياحي عليها.
    الحاجة أمّ الاختراع، وحاجة ريدان وهادي الجوهري إلى عمل مربح دفعتهما إلى «اختراع بزنس جديد». الشابان قريبان، واعتادا مجاراة مقتضيات سوق العمل، ومعهما بدأت قصة الشارع. هادي يملك مقهى «كومبروسور»، ويمتلك ريدان الـ«كميون».
    قبل نحو ثلاث سنوات وضع هادي وريدان فان «اسبريسو» صغيراً ، كانا يركنانه عند مدخل شارع «جاد الله الجوهري». لم يعارض المجلس البلدي خطوتهما، بل أبدى دعمه للشابين. مع الوقت تحوّل مشروع «الفان» إلى مقهى«أبو ذيب» المتواضع، واشتهر بتقديم الشاي والقهوة والنارجيلة والمشروبات، وبين الأشجار يحلو لزبائنه أن يلعبوا الطاولة و«كم دق ورق». هكذا صار المقهى ملتقى أبناء القرية.
    ومع تزايد عدد الزبائن، أصبحت الحاجة إلى تطوير المقهى ملحة، ما استدعى توسيع الرقعة وإنشاء خيمة ثم كوخ.
    وفجأة كثرت الأكواخ ـــــ المقاهي في الشارع، فقد بنى مؤيد الحلبي كوخاً وعرزالاً تحت اسم «استراحة أبو فهمي»، وسار آخرون على خطاه: كوخ تلو الآخر واستراحة تلو الأخرى حتى وصل العدد حتى الآن إلى ثمانية مقاه، يصرّ أصحابها على تحديثها، وهي تؤمن الدخل لعدد كبير من عائلات البلدة وتقدم فرص العمل للعديد من شبانهاوتستقبل المقاهي العائلات والأصدقاء والمتحابين طوال أيام السنة، لكن للصيف طعمه الخاص، وخصوصاً أنها تستقطب الزوار من مختلف المناطق اللبنانية.
    النشاط في «مونو» الجبل لا يقتصر على حركة زوار المقاهي، بل تُقام فيه المعارض والأسواق الموسمية، وهي نشاطات تُسهم في تنشيط العجلة الاقتصادية في البلدة التي تقع على ارتفاع 500 متر . ولن يجد الباحث عن «شارع جاد الله الجوهري» صعوبة في الوصول إليه صيفاً أو شتاءً، إذ تتناهى إلى مسامعه أصوات الفرح والصخب الصادرة من المقاهي في عرمون.
    تبدأ النزهة في الشارع من مطعم «الجوار» لتصل أخيراً إلى مقاه خشبية مكشوفة تستقر على يمين الشارع غارقة في حرج أخضر.
    «التنوّع» سيّد المكان في هذا الشارع الذي يمثل نموذج العائلات العرمونية، فلكلّ عائلة نصيبها من المقاهي، ولكل مقهى طابع مميّز وزوّار مميزون، وذلك رغم وجود بعض القواسم المشتركة. الجوّ الهادئ يطغى في بعض المقاهي، فيما يسيطر الجو الصاخب في مقاه أخرى، وتقدّم معظم المقاهي «برامج فنية متنوعة» وخدمات وعروضاً وأسعاراً.
    وتتصف كل المقاهي بطابعها الشعبي ويقصدها أيضاً ذوو الدخل
    المحدود.
    أحدث هذا المشروع نقلة نوعية وبصمة مختلفة وإضافة جديدة للحياة اليومية التي لم يعتدها أهالي القرى، فهنا يطل كل ليلة مغنون وعازفون وحتى راقصات. وفي نهاية الأسبوع يطول الليل ويأبى الزوار الذين «صاروا من أهل البيت» المغادرة قبل طلوع الفجر. وتلفت إعلانات وصور مطربين ومغنين ممن يجدون في الغناء في هذه المقاهي فرصة لتحسين أدائهم والتعرّف إلى نوعية جديد من الجمهور، فيقول محمد علي الجعفيل: «هذا الشارع خلق حركة كبيرة وجميلة، أنا على طريق الاحتراف، لكن ما أتقاضاه لا يزيد على مصروف الجيب».
    وتقول ريم ابنة البلدة، وهي تشارك بإدارة مطعم «ميس الريم» إن «التنافس يكمن في الخدمة المميزة وتأمين الجو المريح للزائر، ولا شيء غير ذلك». أما جارها مهدي المهتار صاحب الـ«بي أم 5 كافيه» فيقول: «نحرص على السمعة الحلوة ومبدأ الزبون دائماً على حق».
    وللصغار حصتهم من العمل، جوليا ابنة العشر سنوات تساعد والديها في المقهى الخاص بهم، وتتحدث عن خطط مستقبلية لتطوير المقاهي. تجدر الإشارة إلى أن العاملين في المقاهي هم من جميع المناطق
    اللبنانية.
    بسرعة كبيرة تحولت مقاهي شارع «جاد الله الجوهري» إلى متنفس لأبناء البلدة والقرى المجاورة لها، ورغم أن لازدهار هذا الشارع وقعاً إيجابياً كبيراً، إلا أن مشاكل كثيرة تعترض أصحاب المقاهي، وهي مشاكل قد تهدد استمرارهم في العمل، هم الذين «أنفقوا الغالي والنفيس لإقامة مقاهيهم هذه»، وباتت تشكل مصدر الرزق الوحيد لغالبيتهم.
    يقوم مشروع مقاهي «جاد الله الجوهري» على عقارات هي «أرض مشاع» للبلدة، وقد سُمح للأهالي بالمشاركة في هذا المشروع «بالتفويض»، فهم لا يملكون أوراقاً قانونية ولا سندات ولا رُخص تجيز وجود هذة الوحدات الاقتصادية، علماً بأن الطاولات والمفروشات والديكورات الخشبية وحدها معتمدة في المقاهي، أي إنها ليست مبنية من الحجر، ولا تتمتع بإمدادات لشبكة المياه والصرف الصحي وعدّادات أو خطوط كهرباء خاصة. ويقول رئيس بلدية عرمون فضيل الجوهري لـ«الأخبار» إن «هذه المقاهي هي أجمل ما يمكن أن يقوم عند مدخل أية بلدة، أكسبتها جمالاً ورونقاً، وشكلت عامل جذب لسكان المناطق المجاورة والبعيدة على حد
    سواء».
    أُنشئت هذه المقاهي بقرار مجلس بلدي وقُدّمت الأوراق المطلوبة للحصول على الرخص لتأكيد الصفة القانونية للمشروع، إلا أن وزارة الداخلية عارضت ذلك، لأن الأرض التي يقوم عليها المشروع هي لقرية عرمون، علماً بأن المجلس البلدي يمثل عائلات البلدة.
    ويرى الجوهري أن من صلاحياته التصرف بممتلكات القرية لتأمين الخدمات العامة التي تعود بالنفع المادي والمعنوي. وتحدّث عن مخطط لإبرام عقود استثمار مع أصحاب المقاهي، ما يسمح بفرض رسوم وضرائب عليهم تصب عائداتها في خزينة المجلس البلدي. ومن بنود المخطط إعفاء أصحاب المقاهي من الرسوم في العام الأول لإنشاء المقهى.
    وبالنسبة إلى الخدمات الأساسية التي يُفترض توافرها لتنمية أي مشروع سياحي، أفصح رئيس المجلس البلدي عن مشروع تأمين شبكة الصرف الصحي القادمة من بلدة بشامون من مجلس الإنماء والإعمار.
    وفي انتظار أن ينتهي العمل في المشاريع المطروحة لتحسين الشارع، فإن مقاهيه لا تزال عامرة بالزوار الذين يبحثون عن الراحة والفرح والترفيه بأسعار معقولة وفي جو عائلي.
    تجدر الإشارة إلى أن الحالة الأمنية الحرجة والحرب الأخيرة على لبنان ألقت بظلها الثقيل على كاهل أصحاب المقاهي الحديثة النشأة. ورغم أن حركة النزوح أبقت على الحركة النشيطة في شارع «جاد الله الجوهري»، وخلقت «توازناً» جديداً لجهة استمرار الزبائن في التوافد إلى المقاهي، إلاّ أن التفجيرات المتنقلة أثرت سلباً على النشاط في شارع المقاهي، فالكثير من الرواد الدائمين من البلدات المحيطة بعرمون، صاروا يتخوفون من التنقل، وارتأوا التخلي عن الشارع البعيد نسبياً، وتفادي الخطر والبحث عن بدائل جديدة.
    استمر هذا الوضع لفترة معينة، لكن جميع المراقبين والفرحين بما آل إليه شارع «جاد الله الجوهري»، يؤكدون أن الحركة فيه تستعيد وتيرتها السابقة، ويأملون أن يتمكنوا من إقامة نشاطات جديدة فيه، وأن يستقدموا إليه عروضاً متنوعة ومهرجانات.




    خطة تنموية شاملة

    يشعر رئيس بلدية عرمون السابق سليم المهتار بفرح كبير عندما يطلب منه أن يتحدث عن الحركة السياحية في «جاد الله الجوهري». فقد انطلق المشروع خلال سنوات توليه المسؤولية في البلدية. وهو يصنّف الحركة في مقاهي هذا الشارع ضمن «خطة تنموية شاملة»، ويلفت إلى أنه «كان من المقرّر إقامة فندق في تلك المساحات، لكن عدم إعطاء الرخص القانونية لإقامته شكل عائقاً وأوقفنا التنفيذ».
    وأكد أن المجلس البلدي يقوم بالسهر على راحة الزوار، ويتولى مراقبة نشاطات المقاهي وقاصديها، وذلك للتأكـــــــد من أن لا أحد يتجاوز المحاذير المفروضة، وأن الجميع يتقيدون بمقتضيات الآداب العامة، ويُترجم هذا التوجه من خلال الحضور الدائم لأعضاء شرطة المجلس البلدي.