صيدا ــ خالد الغربي
مع انقشاع غبار معركة نهر البارد، وما رافقه من تخوّف على أمن مخيمات فلسطينية أخرى، وخاصة مخيّم عين الحلوة، يسود الهدوء في المخيّم الذي بات ثنائي منير المقدح و«عصبة الأنصار» ممسكاً بأكثر خيوطه الأمنية، مع ما لـ«العصبة» من روابط بتنظيمات إسلامية متشدّة، وقدرتها على ضبط العديد منها

أن تشخص العين إلى عين الحلوة بعد الانتهاء من معركة نهر البارد، فللأمر ما يبرّره، نظراً إلى ما كان قد شهده المخيّم من توترات واشتباكات سابقة بين الجيش اللبناني و«جند الشام»، وبالنظر إلى الوجود الأصولي المتنامي. لكن الواقع على الأرض لا ينذر بأن رياحاً ستهبّ على المخيم، ويشعر المراقبون بأن للمخيم من الحصانة والمناعة ما يمكن أن يقيه شر القتال. ويسود في أجواء المخيم شعورٌ بأن الوضع ممسوك، وأنه لا مبرر للخوف والقلق. فالقوى الفلسطينية، ولا سيما الإسلامية منها، وعلى وجه التحديد «عصبة الأنصار الإسلامية» التي تمارس دوراً أساسياً في ضبط الوضع الأمني في المنطقة الأكثر توتّراً من المخيم، والتي تؤكّد يوماً بعد يوم حضورها السياسي والشعبي، تمثّل لدى عدد كبير من سكان المخيم الذين تحدّثوا لـ«الأخبار» أمس الكابح لأي عمل توتيري. ويشدد جميع ممثلي القوى الفلسطينية على أن مسألة العبث بأمن المخيّم ومحيطه خط أحمر، ويصرّون على تحصين الأمن والاستقرار داخل المخيم، وخاصة مع تعيين منير المقدح قائداً لحركة فتح في منطقة صيدا، مع ما يمثّله من نقطة إجماع وتواصل بين عدد كبير من القوى الفلسطينية واللبنانية.
ويكاد الفلسطينيون داخل المخيم أن يجمعوا، على الصعيد الشعبي قبل القيادات، على أن الدروس المستقاة من معركة نهر البارد تؤكّد أن المخيم الفلسطيني ومعه كل الفلسطينيين نالهم أفدح الضرر من خلال مجموعة ليست من النسيج الفلسطيني، ولا علاقة لها بالفلسطينيين وقضيتهم، «وإن كان السيف قد سبق العذل، وتمكّنت «فتح الإسلام» من أسر نهر البارد عنوةً، فإن أمراً كهذا لن نسمح بأن يحصل في مخيمنا» على حد قول أحد سكان عين الحلوة.
وداخل المخيم المكتظ بالناس، وحيث يبقى البؤس سيّد الموقف، تحثّ أم محمد العلي الخطى باتجاه سوق الخضرة في المخيم الذي يستقطب يومياً حركةً وافدةً من قرى الجوار، ولا سيما مدينة صيدا، فضلاً عن أبناء المخيم. تجزم هذه السيدة التي شارفت على الخمسين من عمرها، أنّ الوضع داخل عين الحلوة آمن راهناً ومستقبلاً، مضيفة: لا أشعر بأن المعركة ستنتقل إلى هنا، ولدى شعبنا وقيادات المخيم، ولا سيما الإسلاميين منهم، من الوعي والحكمة ما يكفي لبقاء المخيم آمناً مستقرّاً. وتشير أم محمّد التي كانت تنتمي الى فصيل فلسطيني يساري، وتتحدّث بثقة العارفين ببواطن الأمور، إلى أن الشارع الفلسطيني في المخيم نجح أخيراً في أكثر من امتحان في حفظ الأمن وعدم الانجرار الى التوترات والمشاكل العبثية، وذلك بتضافر الجهود التي تبذلها كل القيادات الفلسطينية على تنوعها.
فلسطيني آخر يدعى أبو محمود، بلغ من الكبر عتياً، يجزم بأن لا خوف لدى أبناء المخيم من أي معركة: «يا عمي اللي صار بالبارد ما دخل الفلسطينية فيه.. غرباء إجوا عالمخيم. بس هون ولاد المخيم والمنظمات والعصبة (عصبة الأنصار) ما بِخلوهن يعملوا شي ضد مصلحة الشعب الفلسطيني».
وعلى رغم عبثية معركة البارد، التي يؤكد أبناء عين الحلوة أن لا ناقة ولا جمل للفلسطينيين فيها، فإن الدروس المستقاة منها تستدعي معالجة جملة مسائل، منها العلاقات اللبنانية ـــــ الفلسطينية وكيفية تنظيم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات الفلسطينية. ويبدو أن التوافق الفلسطيني ـــــ الفلسطيني داخل المخيم والفلسطيني والجوار اللبناني عاملان مساعدان في المكاشفة والمصارحة.
وبين خيوط هذا المشهد المثقل، ثمة من يخشى أن يكون التصرف في البارد ما بعد غبار الحرب، بطريقة تؤدي الى عدم عودة أبنائه إليه وتفرض شروطاً جديدة للعبة قد تغير من واقع الحال تمهيداً لاتخاذ قرارات ليست بمصلحة الفلسطينيين الذين يتوجسون من شبح إلغاء حق عودتهم.
«العصبة» تدرّب «القاعدة»؟
من ناحية أخرى، نقلت وكالة الأنباء المركزية عن صحيفة «الوطن» السورية خبراً مفاده أن تقارير أمنية تحدّثت عن وصول مجموعة كبيرة من الأصوليين من تنظيم «القاعدة»، من بينهم عدد من الشيشانيين، إلى مخيم عين الحلوة من منظمة «رياض الصالحين» لبدء دورة تدريب عسكرية لدى تنظيم «عصبة الأنصار».
ونقلت الصحيفة عن تقارير أمنية أن التدريبات تتركز على صنع الألغام والمتفجرات، للانتقال بعدها إلى مناطق جبلية في باكستان وأفغانستان.