طويت أمس صفحة تنظيم «فتح الإسلام»لتفتح بعدها صفحات عدة. وحسب ما هو منتظر، لا يتوقع أن تكون أقل سخونة، وليبدأ طرح الأسئلة الصعبة والمعقدة، لا بل والتي كانت أشبه بالمحرّمة أحياناً، وخصوصاً بشأن الارتباط الفعلي لهذا التنظيم،والتي تحتاج إلى قراءة سياسية وأمنية وقضائية واسعة ومستفيضة.
عبد الكافي الصمد

وادي خالد ـ خالد سليمان

البارد في يومه الهادئ: مطاردة فلول الفارّين تسفر عن مقتل 5 واعتقال 2

وضعت معركة نهر البارد وأنباء مقتل زعيم تنظيم «فتح الإسلام» شاكر العبسي، حداً لتنظيم إسلامي ذي توجّه سلفي متشدد، لم يُكتب له أن يعمّر طويلاً في لبنان، وإن كان قد ترك خلفه آثاراً وتداعيات لن يكون من الممكن تجاوزها بسهولة.
وعلى الرغم من أن مقتل العبسي لم يتمّ التأكد منه إلا بعد مرور ساعات على نقل جثته إلى المستشفى، فإن ما تلى ذلك من إعلان مقتل الناطق الإعلامي باسم التنظيم أبو سليم طه، والفلسطيني ناصر اسماعيل، أحد أبرز العناصر التي أيّدت التنظيم داخل المخيم، إضافة إلى الإعلان عن نقل أكثر من 60 جثة للمسلّحين في الـ48 ساعة الماضية إلى المستشفى، أعطى دليلاً على أن الجيش قد استطاع القضاء على بنية التنظيم وكوادره الأساسية.
وأوضحت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» أن العبسي «لقي حتفه عندما كان يحاول الفرار من المخيم مع مجموعة من عناصر التنظيم مقرّبة منه، وأنه والمجموعة اشتبكوا مع عناصر من الجيش في نقطة تقع بين مبنى التعاونية ومركز ناجي العلي الطبي عند المحور الشمالي من المخيم».
وأمس، تعرفّت زوجة العبسي على جثة زوجها الموجودة في مشرحة المستشفى، بعدما توجّهت إلى المكان برفقة ثلاثة مشايخ من رابطة علماء فلسطين إضافة إلى ابنتها البالغة 14عاماً من العمر.
وأفاد مصدر عسكري «الأخبار» أن زوجة العبسي دقّقت في ما بقي من جثته، وطلبت من أحد عناصر الجيش، لمزيد من التأكيد، «البحث عن حزام كان يلبسه، فيه جيب داخلي كان يضع فيه حجاباً يتضمن آيات قرآنية، وعندما تأكدت من ذلك أجهشت بالبكاء، قبل أن تخرج لتدخل ابنتها التي لم تمكث سوى لحظات قليلة قبل أن تغادر مسرعة». وأوضح المصدر أنه «سيجري فحص الحمض النووي للعبسي وبقية الجثث، لمقارنتها مع أقارب لهم، للتأكد من هوياتهم، ومحاولة معرفة جنسيات وهويّات بقية القتلى الذين ما تزال جثثهم في مشرحة المستشفى».
وعقب التعرف على جثة العبسي، أشار الشيخ علي اليوسف، أحد أعضاء رابطة علماء فلسطين إلى أن «زوجة العبسي تريد تسلّم جثته لإرسالها إلى ذويه في الأردن ودفنها هناك». لكنّ مصدراً أردنياً أمنياً استبعد أمس الموافقة على طلب العائلة. وقال المصدر الأردني، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ«يونايتد برس إنترناشونال»: «نستبعد الموافقة على إحضار الجثمان ليدفن في الأردن»، رافضاً ذكر الأسباب. وأعلن عبد الرزاق، شقيق العبسي، أنه تقدم بطلب إلى وزارة الخارجية الأردنية للموافقة على إحضار جثمان شقيقه ليدفن في الأردن، موضحاً أن وزارة الخارجية أحالت طلبه إلى الجهات المختصة في وزارة الداخلية. غير أن المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية، ناصر جودة، قال للصحافيين «إذا كان هناك طلب رسمي، فإن هناك إجراءات قانونية يجب أن تتّبع في مثل هذا الأمر».
وفي مخيم نهر البارد، تابع الجيش عملية تنظيفه من الألغام والمتفجرات، عدا عن تمشيطه بصورة تدريجية.
وأشار مصدر عسكري إلى أن الجيش «لم يدخل بعد إلى ملجأ أبو عمار، خشية وجود مسلحين فيه، أو احتمال تلغيمهم له»،.
وبينما سُحبت من المخيم قبل ظهر أمس تسع جثث للمسلحين، بعضها قديم العهد، تابع الجيش عملية مطاردته لفلول المسلحين في جوار المخيم، وتحديداً في مجرى نهر البارد وصولاً إلى بحيرة عيون السمك، وقرى بلدات سهل عكار، حيث أفادت معلومات أمنية أن «ما لا يقل عن 10 مسلحين تمكنوا من الوصول إلى تلك القرى بعد فرارهم من المخيم، وأن بينهم من يحمل جنسيات سعودية ويمنية وشيشانية وجزائرية». كذلك أفيد عن اشتباك مع مجموعة من خمسة عناصر من المسلحين الفارين عند أطراف المخيم الجديد بالقرب من مفرق المحمّرة، ما أدى إلى مقتل أربعة من العناصر، فيما أقدم الخامس على تفجير نفسه. ووقع جريحان من الجيش إصابتهما طفيفة.إلى ذلك، شيعت قيادة الجيش امس كلًّا من الرقيب أول الشهيد علي خضر الأشقر من بلدة دنبو ـــــ عكار، العريف الشهيد علي راشد الوهم من بلدة فنيدق الغربية ـــــ عكار، العريف الشهيد محمد هادي زغيب من بلدة يونين ـــــ بعلبك، والعريف الشهيد بسام أحمد طالب من حارة جديدة الميناء ـــــ طرابلس. الذين استشهدوا أثناء معارك أول من أمس. وفي منطقة وادي خالد الحدودية، أُلقي القبض على عنصرين من فتح الإسلام أثناء محاولة تهريبهم إلى سوريا عبر المنطقة. وأفاد شهود عيان «الأخبار» أن عصابة مؤلفة من اللبنانيين الشقيقين ع و ك.س والسوري ع.م قاموا بتهريب 5 أشخاص، بينهم امرأتان إلى بلدة العويشات السورية عبر معبر البريج غير الشرعي. وبعد افتضاح أمرهم، تمكّن أهالي البلدة من إلقاء القبض على أحد العناصر، وقاموا بمطاردة الباقين باتجاه الأراضي اللبنانية، وقاموا بإطلاق النار باتجاههم ما أدى إلى استسلام أحد عناصر فتح الإسلام إلى السلطات اللبنانية، فيما تمكن المهربون من الفرار برفقة السيدتين وشخص ثالث إلى جهة مجهولة. إلى ذلك ترددت معلومات عن إلقاء القبض على عنصر من فتح الإسلام في بلدة مشتى حمود الملاصقة لوادي خالد.

مواقف تشيد بإنجاز الجيش وتطالب بالتحقيق حول «فتح الإسلام»

تواصلت المواقف المشيدة بحسم الجيش معركة مخيم نهر البارد في موازاة المطالبة بفتح تحقيق جدي بشأن ملابسات المعركة والجهات التي تقف وراء تنظيم «فتح الإسلام».
ورأى الرئيس حسين الحسيني أن معركة البارد ذات دروس، أولها أن «لا بديل من العلاقة الصحيحة بين الشعب والدولة».
وأجرى الرئيس رشيد الصلح اتصالاً هاتفياً بقائد الجيش العماد ميشال سليمان مهنئاً بالانتصار. كذلك اتصل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان بالعماد سليمان، هنأه فيه بـ «الانتصار العظيم الذي حققه الجيش الوطني» ودعا «اللبنانيين إلى أن يلتقوا حول جيشهم ومقاومتهم».
ورأى نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري أن «هذا النصر يعكس معاني ودلالات سياسية كبيرة، أولها أن الجيش تمكّن بفضل بسالة جنوده ودعم الحكومة له ودعم الشعب اللبناني من أن يقطع دابر الإرهاب وفي وقت قصير جداً بخلاف دول أخرى ما زالت منذ فترة طويلة تعاني هذه الآفة».
وفيما رأى وزير الزراعة المستقيل الدكتور طلال الساحلي «ان الدماء الغزيرة والغالية التي قدمها الجيش افتدت لبنان وحمت وحدته» رأى «التكتل الطرابلسي» أن «التجربة المريرة والقاسية التي واجهها الجيش بحكمة وبسالة نادرتين يجب أن تكون مدخلاً حقيقياً لحل سياسي في البلاد».
وباركت «الكتلة الشعبية» للشعب اللبناني الانتصار، مؤكدة أن «حفظ تضحيات الجيش اللبناني يتجلى اكثر فأكثر في النظرة الوفاقية لحل مسائل لبنان الشائكة».
وقال رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع «لقد أظهر ضباط الجيش اللبناني وعناصره بطولة فائقة في معركة البارد، الأمر الذي يدفعنا إلى الاطمئنان على أمننا ومصيرنا ومستقبلنا».
واعتبر النائب أسعد حردان «إن الوفاء للشهداء ولتضحيات أبطال الجيش، يستدعي كشفاً لطبيعة المخطط الذي كان يستهدف دور مؤسسة الجيش الوطني».
ودعا النائب أسامة سعد إلى «استخلاص الدروس والعبَر مما جرى، واتخاذ الإجراءات التي تجنّب لبنان احتمال وقوع أحداث مشابهة في المستقبل».
وحثّ النائب أنور الخليل على «ملاقاة هذا الإنجاز الأمني الكبير بإنجاز سياسي نستلهم في سبيله التضحيات الكبيرة التي قدمتها المؤسسة العسكرية».
وأمل النائب هادي حبيش أن تكون نتيجة المعركة «درساً قيّماً لكل من فكّر أو يفكر في العبث باستقرار لبنان وأمنه».
ورأى أمين «حركة النضال اللبناني العربي» النائب السابق فيصل الداود أن الجيش استطاع أن يبتعد عن التجاذبات الداخلية وبقي على مسافة واحدة من الجميع في كل الأزمات السياسية»، رأى النائب السابق تمام سلام أنه «لا يجوز أن يحافظ الجيش على الأمانة الوطنية بينما يفرّط البعض بها ويجعلها تحمل وزر مصالحه وأهدافه وغاياته».
من جهتها، رأت الرابطة المارونية أن الجيش «تمكّن من تحقيق هذا الانتصار الكبير، بفضل كفاءة قيادته ووحدته وتماسكه وتفانيه في مواجهة الأخطار المصيرية المحدقة بلبنان».
وأبرقت اللجنة المركزية لحزب الطاشناق في لبنان إلى الوزير الياس المر وقائد الجيش، مهنئة وشددت «على ضرورة وقوف كل اللبنانيين وراء الجيش ليبقى الدرع الحامي للبنان ولكل اللبنانيين».
وأشاد عضو شورى «حزب الله» الشيخ محمد يزبك بالمؤسسة العسكرية، مشيراً إلى أن «أميركا أرادت لهذه الفتنة في الشمال أن تعمّ لبنان لينتصر مشروعها، لكن المؤسسة العسكرية استطاعت أن تنتصر على ذلك المشروع».
ودعا رئيس حزب الحوار الوطني فؤاد مخزومي إلى «منع أي محاولات سياسية التفافية خصوصاً من بعض قادة قوى السلطة على هذا الإنجاز الوطني».
كذلك رأى رئيس اللجنة التنفيذية لندوة العمل الوطني عبد الحميد فاخوري «أن اكتمال هذا النصر يتحقق فعلياً عبر إجراء تحقيق كامل». كذلك طالب «تيار التوحيد اللبناني» بـ«فتح تحقيق جدي من خلال لجنة حيادية نيابية وقضائية وعسكرية، حول هذا التنظيم الإرهابي ومن أحضره الى لبنان وموّله وسهّل تحركاته».
(وطنية)


وفي اليوم الأوّل بعد «الحرب» فرحٌ مستقطع بـ«فرجٍ مؤقّت»


لم يستفق أهالي وسكّان محيط مخيم نهر البارد بعد من «مفاجأة» إعلان انتهاء العمليات العسكرية في المخيم أول من أمس، والمعطيات المتوافرة على أرض الواقع لا تساهم في اكتمال مشهد الفرح والانتصار المعلن منذ يومين. الجميع يريد أن يصدّق ويحتفل لكن «المفاجآت» التي تتوالى على مدار الساعة في المحيط الممتدّ من المدخل الشمالي للمخيم ودوّار العبدة الى جنوب الطريق الدولية تمزج الاحتفالات و«رصاص الابتهاج» بدويّ انفجارات مفاجئ و«تأهّب» كامل لعناصر الجيش الذين كانوا يقطعون مشاركتهم في الاحتفالات، ليتّخذوا مواقع قتالية بعد ورود أنباء عن ظهور بعض من عناصر «فتح الإسلام» الباقين والهاربين في الجوار. تختلط المشاهد كما ردّات الفعل.
في صباح اليوم الأول بعد إعلان «النصر»، خرج السكّان المجاورون للمخيم من منازلهم، واحتاروا كيف يعبّرون «للأبطال» عن مدى سعادتهم، فركضوا يهتفون ويكبّرون لكل «طلعة» طائرات هليكوبتر في السماء، فهي اليوم لا تُنذر بهجوم عنيف سيلي طلعتها بل تحلّق «تحيّة للجيش وللنصر»، فيما أكّد البعض أنها تحمل على متنها قائد الجيش الذي «أتى ليزورنا ويرى الانتصار بنفسه»!.
حاول سكّان المنطقة أن يعضّوا على جرح خساراتهم المادية والبشرية ويؤجّلوا التفكير في حجم مأساتهم الى يوم آخر كي ينعموا بلحظة ابتهاج وكي يقنعوا أنفسهم بأنّ كل ما عانوه لم يذهب هدراً، وأنّهم الآن يستحقّون لحظة فرح واهتمام ونصر بعدما ذاقوا الأمرّين قبل أحداث البارد وخلالها. أحمد الذي بدأ العزف على الدربكة منذ مساء أمس باشر عزفه من جديد على طريق المحمّرة «على الرغم من احمرار يديه وتعبهما». استوقف الأهالي المواكب العسكرية وحملوا العناصر على الأكتاف وهتفوا لهم وتلوا أشعاراً ارتجالية أمامهم. كما ساهم أصحاب المصالح الذين أعادوا فتح محالّهم منذ أسبوع فقط بالأجواء الاحتفالية على طريقتهم، فقدّمت بعض المطاعم المأكولات مجاناً «للمنتصرين الأبطال»، والبعض الآخر فتح مغسله لتنظيف الآليات العسكرية من والأتربة.
وأعاد توافد الصحافيين الى المنطقة حركتها بعدما انحسر وجودهم هناك مع تحوّل «أخبار البارد» الى روتين يومي في عناوين النشرات الإخبارية. «عجقة» كاميرات محلية وأجنبية لا ترابط فقط في الأمكنة التي اعتادتها بل تواكب تطور الأحداث السريعة مثل «العثور على جثّة أبو سليم طه عند مرفاً العبدة» مثلا أو «خروج سيارات الإسعاف من المخيم» و «ملاحقة الجيش لبعض عناصر فتح الإسلام في الأحياء وبين المدنيين»...
وسط هذه الأجواء الصاخبة، التي زادت من «الفوضى» التي تعمّ المكان أصلاً، لجهة تنظيم السير وتهافت المواطنين واختلاطهم بالعسكريين، تخترق المشهد «المكتظّ»، عبارتان من شأنهما قلب أجواء «الفرح والنصر والانفراج» الى لحظة غضب وسخط وتأمّل جدّي بما سيلي هذه المرحلة التي يصفها الجميع بـ«الفرج المؤقت». العبارة الأولى هي «نحن ضدّ إعادة إعمار المخيم وعودة الفلسطينيين اليه»، هكذا عبّر معظم أهالي المحمّرة وببنين والعبدة عن غضبهم تجاه الفلسطينيين الذين هم «أصل بلاء المنطقة منذ أن أتوا اليها» والذين «قتلوا أولادنا وشاركوا مع فتح الإسلام في ذبحهم». عبارات تُعلن بحدّة وعلانية مرعبة لم يضطرّ الأهالي الى «تجميلها» بتبنّي أحد السيناريوهات او الخطابات السياسية المعروفة، فكان الجواب الحاضر عند غالبية السكّان هو الدعوة الى «بناء مخيم آخر للفلسطينيين خارج تلك المنطقة» لأن عودتهم «غير مرغوب فيها»، فالأهالي «لن ينسوا الجرح الذي سبّبه الفلسطينيون لكلّ عائلة من عكار». أما العبارة الثانية التي لا تنبئ بدورها بمستقبل قريب هادئ فتصبّ في فقدان الجميع الأمل بتعويضات أو رعاية من الدولة او الحكومة التي «لم تعوّض عليهم خسائر حرب تموز بعد»!


«حق العودة» مطلب تاريخي للفلسطينيّين... وجهته «نهر البارد»

أمس، انعكست الأدوار بين الصحافيين ونازحي نهر البارد. الأخيرون هم من ينادون الصحافي ليحدّثوه. يستسلمون على مضض للصور المتلاحقة التي تلتقطها الكاميرا. يجيبون عن الأسئلة التي اعتادوها... ثم، في لحظة يعتقدون فيها أنهم كسروا الحاجز، واستطاعوا كسب ثقة الصحافي، ويوجّهون سؤالهم: «شو سامعين؟ رح نرجع؟».
إنه السؤال الذي كنتَ، كصحافي، تدورُ حوله خوفاً من أن تثير، في طرحه، مخاوفهم. هذا أصلاً ما شعر به أحد الرجال الخمسة الذين تجمعوا أمام محل للدهانات في البداوي: «أشعر من أسئلتكم بأننا لن نعود، شو قولكم؟».
نكرّر له ما سمعناه من تصاريح رسمية في الإعلام، ولا سيما على لسان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، فيعلّق أحدهم: «صحيح، كلامه مطمئن، لكن لبنان الآن يواجه الاستحقاق الرئاسي، وبعدها قد تتغير الحكومة فمن يضمن لنا حق العودة؟».
و«حق العودة» هنا مختلف عن الوارد ذكره في القرار الدولي 194، إنه عودة إلى «البارد» الذي يغني له النازحون من دون انتباه، كما حال المسنّ الذي كان يشتري الحامض من أحد محال الخضار في زاروب بعيد نسبياً عن الشارع الرئيسي. هناك، بعيداً عن الازدحام، أتيح لنا أن نسمعه يردد العبارات التالية: «إعادة إعمار البارد»، «إعمار المخيم»، «إعادة الإعمار»... يرددها هكذا من دون سبب، ويُقطّعها بموسيقى خاصة به. ينتبه فجأة إلى أننا توقفنا خلفه فيستدير ويبتسم ضاحكاً حين يرى الكاميرا. وقبل طرح أي سؤال عليه يقول بسخرية: «سنعود... سنتان... خمسة... ستة، لكننا سنعود». وحين يلاحظ أننا جديين في الاستماع إليه، يقول بجدية تخالف كل المشهد السابق: «وعدونا بالعودة، لكننا ننتظر إعادة الإعمار... لا بأس».
في انتظار إعادة الإعمار، يبني فلسطينيو البارد غرفاً لهم في البداوي. معظم الكاراجات تحوّلت إلى غرف يؤجرها أصحابها بمبلغ يتراوح بين 150 إلى 200 ألف «بعد أن يسامحنا بكلفة البناء» يقول المقيمون في «المخازن» المواجهة لمستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني.
ربيع جوهر لا يزال يتابع عملية البناء «ولو انتهت المعارك، فهل ستتحقق العودة قريباً؟ علينا أن ندبر أنفسنا». أما من يرفض ذكر اسمه منهم فيعبر بصراحة أكثر: «نحن ما رايحين نرجع. نحن ضعاف. ما رح نقدر نحكي ولا كلمة». «ز. ج» يرفض ذكر اسمه أيضاً خوفاً من ملاحقات أمنية لاحقة للنشر «كما حصل مع غيري ممن أدلوا بتصريحات». ورغم ذلك فهو لا يقول ما يمكن أن يهدده :عن جد؟ أكيد ما فيهون شي غلط اللي قلتهم؟».
السؤال ذاته يطرحه علينا صاحب الاسم المستعار، الستيني أبو علي الفلسطيني، وذلك بعد أن يعيد طرح السؤال «المحرّم»: «نريد أن نعرف كيف دخل عناصر فتح الإسلام إلى المخيم ومن أدخلهم؟ لأننا نريد أن نعرف لماذا هجرنا من بيوتنا؟
سؤال لا إجابة له حالياً... ولا حتى توقعات إجابة «طالما أن المسؤولين عن قضيتنا باعوها». يقول أحد الرجال ساخراً من الاجتماعات التي كانت تعقد في مراكز الفصائل الفلسطينية في المخيم لمتابعة الوضع.
أمين سر اللجنة الشعبية في نهر البارد لطفي الحاج أحمد، هو الذي يبادر إلى الحديث مع «الأخبار»، ويجري مقارنة بين ما قام به أهل الجنوب بعد انتهاء حرب تموز والسكون الذي يسيطر على البداوي: «أولاً، أهل الجنوب مواطنون، ونحن على مدى 59 عاماً نعيش أجانب في هذا البلد. ثانياً، عاد الأهالي للالتحاق بأبنائهم من المقاتلين الذين دحروا العدو، أما نحن فنعيش تحت سيادة الدولة وتحت سقف القانون».
ويكشف أن الكثير من الأهالي كانوا يريدون العودة «لكننا تواصلنا مع مخابرات الجيش وطلبت منا مهلة 24 ساعة في البداية، ثم مددتها إلى 72 ساعة بحجة أن العمل العسكري لا يزال مستمراً، وهذا صحيح».
ويعترف الحاج أحمد بأنهم، كلجنة شعبية، غير مقتنعين كثيراً بما يقال لهم «لأن الجزء الجديد من المخيم يمكن أن يستوعب بعض الأهالي، وكان يمكن على الأقل السماح لأعداد محدودة بالدخول لتفقد وثائقهم ومقتنياتهم وصورهم». ويؤكد أنه لا شيء يطمئن بدليل السوابق في تدمير المخيمات مثل المسلخ، الكرنتينا، النبطية، تل الزعتر، جسر الباشا. أما ما يمكن أن يخلق حالة من الاطمئنان هو وجود إجراءات عملية ميدانية منها: السماح تدريجاً للأشخاص الراغبين بتفقد بيوتهم بالذهاب إليها، السماح بالعودة إلى البيوت الصالحة للسكن، وأن تتم الموافقة على خطة العودة التي وضعتها «الأونروا».

العماد سليمان: الانتصار ملك للشعب

  • أمر اليوم


  • وجّه قائد الجيش العماد ميشال سليمان أمر اليوم إلى العسكريين، لمناسبة استكمال الجيش سيطرته على مخيم نهر البارد، جاء فيه: «أيها العسكريون اليوم، باسم الوحدة الوطنية، ترفعون رايات النصر على الإرهاب، بعدما حققتم وصية رفاقكم الشهداء، وأنجزتم بكل أمانة وإخلاص ما عاهدتم شعبكم به، وهو تحقيق العدالة كاملة من دون نقصان. اليوم، ترتاح أرواح الشهداء في عليائها، وتتبلسم جراح رفاقكم العسكريين، ويطمئن الأهل الى عودة الحق الى نصابه، فيما يتطلع الوطن إليكم من أقصاه الى أقصاه بكل فخر واعتزاز، وقد أزحتم بنهر دمائكم وتضحياتكم، غبار الهمّ عن جسمه الجريح، وفتحتم له طريقاً الى رحاب السيادة والحرية والاستقلال».
    وأضاف: «اعلموا أن الانتصار الذي تحقق بفضل سواعدكم وتضحياتكم هو ملك للشعب اللبناني بأسره، هذا الشعب الذي تحلّق حولكم بكل انتماءاته ومناطقه وأطيافه، في مشهد وطني رائع لم يسبق له مثيل، وأن ضريبة الدم التي دفعها الجيش وعلى جسامتها تبقى أقل بكثير من الثمن الذي كان سيدفعه الوطن فيما لو بقيت يد الإرهاب طليقة تعبث بربوعه، وهذه الضريبة التي تأتى قسم منها بسبب الغدر هي دليل قاطع على مناقبيتكم العسكرية بالتزامكم قانون الحرب، وحرصكم على أرواح المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين».
    وختم: «احتراماً لقدسية دماء الشهداء الذين سقطوا خلال العدوان الاسرائيلي في تموز 2006 ومواجهة الإرهاب في نهر البارد، أدعوكم الى الالتزام بالثوابت الوطنية والتمسك بالانضباط الذي هو الأساس في بنيان المؤسسة العسكرية وقوتها ومناعتها، والى إبقاء بندقيتكم مصوبة في الاتجاه الصحيح نحو العدو الاسرائيلي، ونحو الإرهاب المتربص شراً بالوطن حتى اجتثاثه من جذوره.
    باسمكم أهدي هذا الانتصار الى أرواح شهداء الجيش والمقاومة الذين افتدوا الوطن بأرواحهم الطاهرة، والى عائلاتهم الأبية الصابرة، والى العسكريين الجرحى وكل اللبنانيين والإخوة الفلسطينيين الذين نبذوا بكليتهم ظاهرة الإرهاب ووقفوا الى جانبكم طوال فترة المواجهات، فلنمض معاً يداً بيد في مسيرة إعادة البناء والإعمار وتحصين الوحدة الوطنية، وحماية الأمن والاستقرار، فننتصر دائماً وينتصر بنا لبنان».