أكّد المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله «أن الإسلام لم يعط الناس الحق في تنفيذ الأحكام بأنفسهم»، مفتياً بحرمة جرائم الثأر «التي يقتل فيها الناس من دون تثبّت شرعي أو قضائي». ودعا فضل الله «كل الجهات الفاعلة من هيئات اجتماعية وثقافية وتربوية وعلماء دين الى مواجهة هذه الظاهرة باعتبارها عدواناً وإفساداً في الأرض، وانتهاكاً للحياة الإنسانية»، وجميع «السلطات السياسية والحزبية وكل المعنيين الى عدم توفير أي غطاء لمن يرتكب جريمة الثأر، حفظاً للنظام الاجتماعي وحمايةً للبلاد من الفوضى الأمنية والاجتماعية».وأصدر المكتب الإعلامي لفضل الله بياناً تضمن الفتوى التالية: ثمة ظواهر سلبية تفتك بمجتمعاتنا العربية والإسلامية، وتؤثر سلباً على استقرارها وأمنها وتماسكها. وإنّ واحدةً من أخطر هذه الظواهر ظاهرةُ الثأر، التي يتحرّك فيها بعض الناس في عمليّة ردّ فعلٍ على مقتل أحد أقربائهم، فيعمدون قتل مَن يتصوّرون أنه القاتل، إما من خلال شبهة أو من دون قيامهم بأيّ تثبّت شرعي أو قضائي، مع العلم أن الإسلام لم يعطِ الناس الحق في تنفيذ الأحكام بعيداً عن السلطات القضائية والشرعية، هذا فضلاً عن قيام البعض بقتل شخصٍ بريء لا علاقة له بالجريمة سوى أنّه أحد أقرباء القاتل أو من عشيرته.. وربّما يمتدّ الانفعال بالبعض إلى سلوكٍ عدوانيّ، يتمثّل في الإحراق والتدمير والسلب والنهب لكلّ من يمتّ بصلة قرابة إلى القاتل.
إنّ هذا السلوك الوحشيّ هو جريمةٌ نكراء، وعملٌ مُدانٌ، ومحرّم شرعاً، ويدلّ على تجذّر الذهنيّة القبليّة التي تنطلق من حالات التخلّف والجهل والغرائزيّة والتعصّب للعائلة أو العشيرة أو ما إلى ذلك ممّا يؤخذ فيه البريء بذنب المجرم، في تجاوزٍ للمبدأ الإنساني الذي أكّده القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
إنّنا إذ نستنكر هذه الأعمال أشدّ الاستنكار، ندعو إلى مواجهتها بحسم، واعتبارها عدواناً وإفساداً في الأرض، وانتهاكاً للحياة الإنسانيّة، على هُدى قوله تعالى: {أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَاً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسَادٍ في الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعَاً}، ونؤكّد على كل الجهات الفاعلة، من علماء دين، وهيئات اجتماعيّة وثقافيّة وتربويّة، العملَ الجادّ والدؤوب لتأكيد القيم الإنسانيّة والدينية في المجتمع، بما يُساهم في الحدّ من الذهنيّة العصبيّة القبليّة، فإنّ هذه العادة وأمثالها إنّما تنمو في مناخ الجهل والتخلّف والابتعاد عن القيم الدينيّة وانحسار سلطة القانون العادل.
إننا ندعو السلطات السياسية والحزبية، وكل المسؤولين والمعنيين، الى الامتناع عن توفير الغطاء أو الحماية لمن يرتكب مثل هذه الجرائم، حفظاً للنظام العام وللعدالة، ولمنع كل من يعمل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على تدمير الواقع الاجتماعي للناس، وهو الأمر الذي قد يساهم في تعميم الفوضى والاضطراب، ويُدخل البلاد في متاهات أمنية واجتماعية خطيرة.
(الأخبار)