عرفات حجازي
تتواصل، بوتيرة سريعة، حركة مشاورات واتصالات سياسية على خطين: باتجاه الداخل اللبناني، ومن لبنان باتجاه العواصم المؤثرة في الأزمة اللبنانية.
وتجري هذه الحركة تحت عنوان الاستحقاق الرئاسي ووجوب إجرائه بأي ثمن، ومن دون إبطاء، ورفضاً لفكرة الفراغ الرئاسي أياً تكن الذرائع. على أن ما يميز المساعي القائمة للتوصل إلى منافذ للحل هو كونها مدفوعة بإنجازين كبيرين يفترض أن يمثّلا دعامتين صلبتين يمكن التأسيس عليهما للخروج من الواقع المأزوم عشية بدء العد العكسي لانتخابات رئاسة الجمهورية: الأول تمثّل بجرعة إنعاش قوية أعطتها المبادرة التي أطلقها الرئيس نبيه بري، ومدّ فيها يد المعارضة في اتجاه الموالاة متنازلاً عن مطلب حكومة الوحدة الوطنية، والثاني حسم الجيش معركة نهر البارد وسط التفاف سياسي وشعبي جرى تظهيره في احتفالات وتظاهرات عفوية عمت كل المناطق وشاركت فيها كل القوى السياسية. ولعل هذا ما يفسر حجم التأييد العربي والدولي لهذين الإنجازين، وضرورة حمايتهما من السقوط والعمل بسرعة على إعادة الحياة إلى المؤسسات المشلولة وإنهاء الانقسام السياسي حول الخيارات الأساسية بالتفاهم بين مكوّنات المجتمع اللبناني.
وإذا كانت ردود الفعل العربية والأوروبية على مبادرة الرئيس بري قد جاءت مشجّعة وداعمة، فإن الموقف الأميركي ما زال ملتبساً ويكتنفه الغموض بالرغم من ثناء السفير الأميركي جيفري فليتمان على إخلاص الرئيس بري وامتداحه لمبادراته الوفاقية، لكنّ موقفاً قاطعاً لن يصدر عن الإدارة الأميركية قريباً في ظل انشغالها في العراق، وبعدما وجّهت إليها بريطانيا طعنة قبل أسبوع من الموعد المقرر للامتحان الحاسم الذي سيخضع له جورج بوش أمام الكونغرس في شأن مستقبل الاحتلال للعراق وأولوياته المرتبكة.
أمّا موقف الفاتيكان، وهو موقف مؤثّر، فيُنتظر تظهيره بعد زيارة البطريرك نصر الله صفير، علماً بأن الدوائر المختصة في حاضرة الفاتيكان على اتصال مستمر بالدبلوماسيّتين الفرنسية والأميركية انطلاقاً من خصوصية الاستحقاق الرئاسي في لبنان وخصائص الوجود المسيحي فيه، وفي المعلومات أن الكرسي الرسولي يؤكد على مسلّمة أساسية وهي ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها ووفق نصوص الدستور، لأن الفراغ لن يتهدّد الوجود الماروني فحسب بل سيكون مدمّراً للوجود اللبناني برمته، ويُنتظر بعد عودة صفير من الفاتيكان أن يصار الى عقد لقاء بينه وبين الرئيس بري كما سبق أن اتّفقا بحيث يكون البطريرك قد استكمل كل المعطيات المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي لتجري بعد ذلك جوجلة لحصيلة الاتصالات والمشاورات التي يكون قد أجراها كل منهما، تمهيداً لوضع الإطار العام الذي يمثّل الآلية التنفيذية لإجراء الاستحقاق شكلاً ومضموناً ورئيساً توافقياً.
وفي السياق الداخلي أيضاً، يُنتظر أن يعقد أركان 14 آذار اجتماعاً لإصدار موقف موّحد من مبادرة الرئيس بري بعدما برز في ردود الفعل الأوّلية لدى هذا الفريق أكثر من مناخ، فيما المعارضة أعلنت تجاوبها بشكل صريح وواضح ودعت الموالاة الى ملاقاتها في منتصف الطريق وبمسؤولية وطنية لإخراج البلاد من محنتها القائمة.
وإذا كان العقلاء في صفوف الأكثرية والمنادون بضرورة التقيّد بنصاب الثلثين في انتخاب رئيس جديد للجمهورية قد أقنعوا تيار الصقور بالكف عن إطلاق النار على مبادرة بري التي تلقى المزيد من التأييد في الشارع اللبناني على مختلف اتجاهاته وانتماءاته الطائفية لمصلحة التريّث ودراسة آلية تنفيذ المبادرة كما شرحها بري للنائب بطرس حرب بغية اتخاذ موقف موّحد رغم التباينات القائمة في المواقف والمواقع إزاء الترشيحات ونصاب جلسة الانتخاب الرئاسية،
يعلّق المتابعون للوضع اللبناني أهمية خاصة على موقف النائب سعد الحريري الذي لم يتخذ حتى الآن مواقف قاطعة لجهة تأييد المبادرة، لكن الرسالة الإيجابية التي تلقّاها رئيس المجلس من السفير السعودي في لبنان عبد العزيز خوجة تبعث على الاعتقاد بأن موقف الحريري سيكون متجاوباً مع السعي الوفاقي، وإن كان ينتظر إشارة صريحة من السعودية للمضي قدماً في هذا الخيار من دون مجاراةٍ لشريكيه وليد جنبلاط وسمير جعجع اللذين يعملان للالتفاف على المبادرة وتجويف مضامينها لأنهما لا يرغبان السير في مشروع التسوية. كما أن التمهل الذي يبديه الحريري على علاقة بمعرفة المدى الذي سيبلغه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في مبادرته المنسّقة مع أطراف عربية وإقليمية ودولية، والذي أسّست له مقترحات الرئيس بري أرضية صلبة لتسهيل مهمته وتمكينه من تقديم لائحة الضمانات إلى طرفي الموالاة والمعارضة على حدٍّ سواء كي يجري البحث بها للوفاء بالاستحقاق الرئاسي.