رنا حايك
مرة جديدة يثبت الإعلام سطوته في غزو الحياة اليومية للمواطنين، بما فيها الأكثر حميمية وشخصية: حفلات الزفاف. إذ تشهد صالات الأعراس منذ سنوات قليلة ظاهرة «الكليبات» المصوّرة التي يؤدي فيها العروسان دور البطولة على وقع الأغاني «الضاربة» في حينه...

حين يتحوّل العروسان إلى أبطال قصص خياليّة ويخضعان لسلطة... المخرج!

إنه اليوم المنتظر. مسك الختام وسعادة البدايات الجديدة. يوم زهريّ يكلّل حب العروسين، يودعان معه حياة العزوبية الخفيفة ويتحضّران لبناء أسرة وتحمّل مسؤوليات الحياة بعد عملية تسلّم وتسليم بين الأهل وأبنائهم.
يوم الزفاف، لطالما قيل إنه للأهل لا للعروسين. هو يوم يستدعي الفرحة والجو المرح والإيجابي. كان بسيطاً في ما مضى، حلقة دبكة وفستان أبيض وكأس من العرق في بعض الحالات. أما اليوم، فقد أصبح مناسبة لاستعراض أقصى الإمكانات الإبداعية بهدف إمتاع المدعوين ودعوتهم لمشاركة العروسين حبّهما بالصوت والصورة.
لحظات التعارف والحب، وحتى طفولة العروسين أصبح من الممكن استحضارها مع التقدم التكنولوجي من خلال عرض «سلايد شو» للصور الثابتة، أو من خلال لجوء العروسين إلى تصوير «كليب» يختصر علاقتهما وعرضه خلال حفلة العرس، وقد ساعدت ثورة «الكليبات» في العالم العربي على ترويج هذه العادة منذ عام 2000، حتى كادت تصبح القاسم المشترك بين معظم الأعراس اليوم.
يتنوّع الأسلوب والفرحة واحدة
تزوّجت سحر منذ عامين. صراخ طفلها الأول يعلو فوق صوتها، وهي تحاول تذكّر اسم الأغنية التي صوّرتها «كليب» مع زوجها وعرضاها يوم العرس. فمسؤوليات الحياة جرفتها إلى مكان لا موسيقى فيه... أما قبل عامين، فقد كان الهم الأول إقامة عرس مميّز غير تقليدي، لا يمل الحاضرون فيه: «كنا نريد استبعاد الجو الروتيني الذي يطغى على لحظات افتتاح البوفيه خلال السهرة، فصوّرنا «كليب» وعرضناه خلال العشاء». سبب لجوئها إلى هذا الخيار أنه «كان موضة كتير، وزوجي مرح ويتمتع بسعة صدر، ما شجعني على القيام بهذه الخطوة».
استغرق التصوير نحو 4 ساعات، ورُكِّبت المشاهد على أغنية «غالي عليّ» لكارول سماحة التي عجزت سحر عن تذكرها فأنقذتها صديقتها المقربة. لكن سحر ما زالت تذكر كيف ارتبكت أمام الكاميرا خلال التصوير، رغم أنها استمتعت بتلك اللحظات التي «تعرّفت» فيها إلى زوجها (قصة الكليب) حين قصدت محلاً لشراء عباءة، فتعمد إعطاءها المشتريات ناقصة حتى تعود لزيارة المحل مجدداً، وينتهي الكليب بخطبتهما.
فازت أغنية «نسّيني الدنيا» لراغب علامة بخيار محمود عام 2004 حين تزوّج. حالته الميسورة مادياً جعلته يطمح إلى عرس فيه كل شيء: المنطاد والكليب وجميع الطقوس التي تجعل العرس مميزاً ومختلفاً. كانت الأغنية «دارجة» في حينها كما يقول محمود لذلك اختارها هو وعروسه: «منظّم الحفلة كان يقودنا خلال التصوير. لخّصنا في الكليب قصتنا الواقعية. كنت مسافراً، ثم التقينا وحصل خلاف بسيط بيننا ثم عدنا وتصالحنا. لم نرتبك أمام الكاميرا، فقد كنا تلقينا خلال فترة دراستنا الجامعية دروساً في التمثيل. استمتعنا وضحكنا كثيراً خلال التصوير، لكننا عدنا واستسخفنا قليلاً ما قمنا به حين شاهدنا الكليب مجدداً بعد الزواج».
وفيما يلجأ بعض الأزواج إلى الخيار الرومانسي، يفضل آخرون، كما في حالة مازن وزوجته، اللجوء إلى الدعابة: «أحببنا أن نبدأ العرس بضحكة، فحضّرنا «كليب» طريفاً يصورني رجلاً غير وسيم يلاحق فتاة جميلة هي زوجتي، على موسيقى أحد أفلام شارلي شابلن. المدعوون ضحكوا كثيراً وفرحوا».
بحثاً عن النجومية!
الأعراس إذاً باتت تشهد على تحوّل العروسين إلى نجمين يستعيدان صورة النجم كما تعرضه الكليبات ولحظات السينما الرومانسية التقليدية. ويبدو عشق النجومية هذا واضحاً في المقارنة مع تجنّب من يألفون الكاميرا هذا التقليد. فمذيعة تلفزيون الجديد، الزميلة بيا مخول رفضت تصوير كليب «لأنها عادة أصبحت مبتذلة، أنا أعيش حالة الحب فعلاً، فلماذا أمثلها؟ فضّلت خيار سلايد الصور خلال الحفلة لأنها أكثر تلقائية وتختصر حياتنا والمراحل التي مررنا بها أنا وزوجي حتى يوم الزواج. فهذا أفضل كذكرى».
تشارك الزميلة روى الأطرش، مقدمة فقرة «صحتك» في «عالم الصباح» على تلفزيون المستقبل، بيا رأيها. فالكليب برأيها «مصطنع، كإنو عم تلعبي بيت بيوت، وكأننا أول المتزوجين وآخرهم. الكليب يجعل الحالة مفتعلة وغير حقيقية». لكن هذا لم يلغ كامل اللعبة الإعلامية عن حفل زفافها: «كان زملائي حضروا كليب من «قفشاتي» خلال تصوير فقرتي في عالم الصباح، فاجأوني به خلال الحفلة فأضحكني وأضحك الجميع».
يبتعد من حقق حلمه بالظهور على الكاميرا عن الكليب، بينما يشبع من لم يخض التجربة نهمه لها. وتعكس هذه الخيارات عوامل سيكولوجية واجتماعية متداخلة في الواقع. فأنطوانيت تتكلم بسخط عن كليب شاهدته في أحد الأعراس تصفه بالـ«سوريالي» تهكماً. فالعروس، التي تنحدر من عائلة محافظة، وتقضي نهاراتها أمام التلفاز تتابع برنامج «ستار أكاديمي» صوّرت «كليب» شديد التماهي مع أبطال برنامجها المفضل ومع الكليبات السخيفة التي تمطرنا بها محطات التلفزيون «كليب رومانسي سخيف كأنه مسلسل مكسيكي، أسقطت خلاله العروس كل رغباتها المكبوتة».
تبقى الكلمة الأخيرة للعروسين في اختيار أسلوبهما في التعبير عن الفرحة، لكن المصوّر لا يختفي من الكادر تماماً...
وللمصوّر دوره
تؤمن فاطمة جعفر، صاحبة استوديو تصوير، بأن الكلمة الأخيرة للعروسين، لكنها تعتذر عن تنفيذ رغبتهما لو لم يتوافق خيارهما مع نظرتها الخاصة. فهي تكره عرض «سلايد» صور الطفولة: «مش حلوة» تقول، لكنها تعرض عن طيب خاطر الصور الحديثة والكليبات.
أما بيار صوايا، فعلى عكسها تماماً، يجد صور الطفولة جزءاً أساسياً من العرض، لا بل يعود بالسلايد الذي يجهّزه إلى صور الأهل ليبنيه على شكل قصة كلاسيكية على وقع موسيقى فيلم «العرّاب» التي تكون أول ما يعرضه على العروسين: «في يوم من الأيام، في قرية بعيدة، تزوج فلان وفلان....»، ويبدأ بصور عرس الأبوين إلى أن يصل إلى صور الأطفال الذين أصبحوا اليوم عروسين.
يفضل بيار الأسلوب الكلاسيكي، لكنه لا يفرضه. فإذا اختار العروسان تصوير «كليب» يتماشى معهما ينفذ رغبتهما، لكنه لا يخفي رأيه بأنها أصبحت فكرة مبتذلة، «العروسان يصوران لقطاتها من دون إحساس، وأحياناً على سبيل المزايدة»، لذلك يفضل الأساليب الكلاسيكية التي تجعل الأهل والمدعوين يدمعون تأثراً.
للمصوّر دور مهم، فهو ينصح العروسين ويرشدهما. أحياناً يختار معهما الأغنية، وأحياناً يعمد بعضهم إلى تأليف أغنيتهم الخاصة وتسجيلها. لكن معظمهم يختارون أغنية «تُعمَّد» أغنيتهما، وتكون أحياناً الأغنية ذاتها التي سيرقصون عليها رقصة «السلو».
يشدد أندريه فرح على علاقة الثقة التي يجب أن تقوم بين الطرفين لينجح العمل. فالعروسان يكونان متوترين مع بدء التصوير، لكن «شطارة» المصور تكون في التخفيف من توترهما، وخصوصاً العروس، التي تذكّر المصور دائماً بما يوترها في شكلها مثلاً. في هذه الحالة، على المصوّر أن يكون مرتاحاً وأن يشيع جواً إيجابياً على لحظات التصوير من خلال إشعارهما بأن الموضوع طريف وغير جدي.
أما إلياس دياب، فيعتقد أن الراغبين بإقامة حفل زفاف نوعان: نوع يفضل الكليب لأنه يختصر قصة حياة، ونوع أكثر بساطة وأريحية يمتنع عن تصوير «كليب»، ويفضل سلايد الصور لأنه أكثر طبيعية. أما الثابت، فهو أن «95% من العرسان لا يحبون الكاميرا، ويتمنعون عن اتخاذ وضعيات مختلفة للصورة. وبالنسبة إلى الخمسة بالمئة الباقين، فالعمل معهم يكون سهلاً لأنهم يرتاحون أمام الكاميرا». لا يحاول الياس أن يؤثر على المتمنعين ليبدلوا رأيهم، فإذا قام بذلك، «فلن يكون العمل موفقاً».
يقدّم معظم أصحاب الاستوديوات سلايد الصور هديةً ضمن رزمة العرض المقترح على للعروسين. أما حين يكون خدمة وحيدة، فيتراوح سعره بين 30 و40 دولاراً، لكن معظم المصورين يفضلون أن يكون ضمن الرزمة، لأن ربحه لا يكاد يذكر. وهم متفقون على أن العرض يجب ألا يتجاوز مدة الخمس دقائق، وإلا يصبح مملاً. قد تطول مدة الكليب أكثر بعدة دقائق للسبب ذاته، وتتراوح مدة تصويره من أربع ساعات إلى يوم كامل، بينما يستغرق تحضيره والقيام بعملية المونتاج نحو ساعتين. أما تكلفته، فتتراوح بين 300 و1000 دولار حسب بُعد المناطق التي يرغب العروسان التصوير فيها وتنعها.

حياة محكومة بالصورة

لا تقتصر دلالات ظاهرة رواج كليبات الأفراح على إعادة إنتاج الصورة النمطية التي تبثها الأغاني المصوّرة تلفزيونياً، بل هي تعبّر عن تغيّرات اجتماعية واقتصادية وسيكولوجية طرأت على الواقع اللبناني. يعيد الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية وجامعة القديس يوسف، الدكتور أنطوان مسرّة هذه الظاهرة إلى «الاقتصاد المظهري الذي تشتهر به الشخصية اللبنانية بشكل عام. فكلما بذخ اللبناني أكثر في مناسباته الاجتماعية، أحس بالرضى أكثر». من هذا المنطلق «قد تكون الكليبات ممتعة ومستحبة إذا تمّت شخصنتها وابتعدت عن الترف، إذ إن البعد الإنساني يتغلب في هذه الحالة على البعد الاستهلاكي. أما في الحالات البعيدة عن الشخصنة، فتصبح الكليبات خالية من البعد الإنساني».
أما الدكتور في علم النفس، عباس مكي، فيعزو الظاهرة إلى «غزو الإعلام لأكثر الحالات إنسانية، وأكثر اللحظات تأثيراً. فحياة كل واحد فينا أصبحت محكومة بالصورة». ويرى مكي أن «تغيّر المناخ الإعلامي والتقدم التكنولوجي الذي سهل الإعداد الإعلامي انتقص من تلقائية اللحظة. فقد أصبح العروسان ممثلين، ووصلت إليهما سلوكية الاستعراض المتجذّرة أصلاً في الشخصية اللبنانية». ويذكّر مكي بأن «سلوكية اللبناني يشوبها بشكل عام البعد المسرحي، وحبّ الاستعراض». ويلفت مكي إلى تغيير كبير طرأ على الصورة النمطية للعروسين قالبة الموازين «فبعدما كانت الصورة النمطية تضفي عليهما صفة الخجل، أصبحا يستعرضان موقعهما في الكليب. وبعد أن كانت الأعراس تمتاز بالتلقائية وبالأسلوب الفولكلوري، أصبحت مطعّمة بالإعداد المسبق والعرض المنمّق والمونتاج المدروس».