طارق ترشيشي
فوجئت الدوائر السياسية بما يدور في روما، وبالحشد السياسي المتعدد الجنسيات والمحاور الذي اجتمع في شكل ثنائي أو ثلاثي سراً دون الإعلان عنه، وعلانية دون الإفصاح الكامل عما دار فيه تحت المظلة الروحية للحبر الأعظم بنديكتوس السادس عشر، فكانت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير للفاتيكان بحجة المشاركة في مؤتمر «مرشدي السجون»، وزيارة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الذي كان أكثر وضوحاً وجرأة في الإفصاح عن زيارته والإعلان عن أنه يحمل رسالة من الرئيس السوري بشار الأسد إلى البابا في شأن الأوضاع في لبنان والعراق والمنطقة.
ولأن الرسالة السورية كانت واضحة وجريئة استدعت رسالة إسرائيلية في الأجواء السورية ليسمع صداها في روما، وفي شكل حاد أيضاً، ومفادها أن إسرائيل تعترض على إعادة إحياء الدور السوري في المنطقة عموماً وفي لبنان خصوصاً وتحت مظلة بابوية يمكن أن تهزم «الطرطور» اللبناني الذي يلبسه بعض أركان فريق 14 آذار.
وقد أضيف إلى كل ما يحصل في الفاتيكان نكهة فرنسية عبر زيارة الموفد الفرنسي جان كلود كوسران، التي استُتبِعت بالإعلان عن عودة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى بيروت يوم الخميس المقبل. ولا يُنسى حضور وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الى الفاتيكان، وكذلك الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، فيما ترددت معلومات عن أن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون قد زار الفاتيكان التي عاد منها إلى عين التينة مباشرة، خلاف عادته، ليجتمع برئيس مجلس النواب نبيه بري، ناقلاً إليه الأجواء وبعض الرسائل.
وتقول مصادر مطلعة إن التكليف الأميركي للفاتيكان كان «أهون الشرّين» بحيث يؤمن للولايات المتحدة الدخول في الحل من دون الإفصاح العلني لعدم إحراجها أمام حلفائها العرب المعتدلين الذين حرّضتهم على سوريا وإيران، ما استدعى المقاطعة الكلية والحملات الإعلامية المتبادلة، في الوقت الذي زار الأميركي دمشق مشاركاً في المؤتمر الأمني لدول الجوار العراقي وظهر الأميركي أيضاً مفاوضاً مباشراً للإيراني في بغداد، وتُرك المعتدلون العرب على قارعة طريق «الشرق الأوسط الجديد» بعدما أُطفئت الجمرة في نهر البارد.
وترى هذه المصادر أن عملية الحل في لبنان لن تكون سريعة في 25 الجاري موعد الجلسة النيابية التي حددها بري لانتخاب رئيس جمهورية جديد، وإنما ستأخذ وقتها إلى أن يتمكن الأميركي من قبض «الثمن الغالي» من التحالف الإيراني ــــ السوري، وهذا ما فرض على رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أن يضغط على نفسه في برنامج «كلام الناس» في محطة «إل.بي.سي.» مساء أمس الأول ليبدو هادئاً ويتراجع إلى مستوى «الموقف الشخصي» المتحفظ، معلناً أنه ضد التسوية، ومؤكداً بذلك أن التسوية قائمة، ولكنه ينفض يديه منها، محملاً حليفه رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري مسؤولية «طعن الجماهير» التي ساندت «قوى 14 آذار» في العامين الأخيرين ومبرراً لنفسه أيضاً عدم التصدي للتسوية بقوله إن ستة نواب من الحزب التقدمي الاشتراكي و«اللقاء الديموقراطي» لن يكونوا شركاء في هذه التسوية الملتبسة. ولذا فإن البعض ينتظر في الشهرين المقبلين حصول بعض «الفلاشات» الأمنية الضرورية للمفاوض الأميركي وحلفائه، متخذة من الفارين من مخيم البارد ستاراً لها وغطاء للمكلفين بإثارتها.
ولعل أبرز وأهم مظاهر التسوية في رأي هذه المصادر هو عدم القدرة على تجاوز الدور السوري السياسي لتمرير الحل والاستحقاق الرئاسي في لبنان، وخصوصاً بعد الطلب البابوي من السوريين أن يقوموا بدور إيجابي لحل مشاكل المنطقة.