أنطون الخوري حرب
عند مفترق مفصلي تتصدّر واجهته تداعيات مخيم نهر البارد، ترتسم أمام الرأي العام المسيحي «المتناثر» بين القوى المتقابلة مخاطر الاستحقاقات الداهمة، وأولها الاستحقاق الرئاسي، وخصوصاً أن مؤشّر الأجواء السياسية بدأ يميل أكثر فأكثر الى «الحرارة المرتفعة» التي تمثّل مادة محرّكة للأجسام السياسية والحزبية.
فمن جهة الفريق المسيحي في تجمّع 14 آذار، سينتِج مشهد انتخابات المتن الشمالي الفرعية نفسه في الطريق الى مواعيد جلسات الانتخاب الرئاسية، مع إضافة «زبدة» الصفقة الاسترضائية لمرشّحي الفريق السلطوي. في المقابل، سيحشد مسيحيّو المعارضة كل قواهم لتحقيق التوازن المطلوب مع الشحن السياسي للفريق الخصم، والمتقدم مالياً وإعلامياً وخارجياً.
وإزاء هذا الواقع المرتقب، فإن مسؤولية عدم الانزلاق الى جولات تقاتل دموي، عبر الإرهاب السياسي، لا تقع فقط على عاتق مسيحيّي المعارضة والسلطة فحسب، بل على أطراف الفريقين المسلم والدرزي أيضاً. وذلك، استناداً الى أن المستوى الأمني، المتمركز حالياً بيد القوى الشرعية، لا يحتمل أو يقبل أي شكل من أشكال التوتّر السياسي ـــــ الأمني، إذا ما انزلق طرف من الأطراف الى لعبة استبدال الطابع السياسي السلمي بسلوك إرهابي لتغيير قواعد الانقسام الذي ما زال شبه بارد، وطنياً، واختصار المسافات المؤدّية الى مرحلة الفوضى الدمويّة والسياسية والدستورية أو الكيانية ببساطة كاملة.
وفي هذا الصدد، تتردّد أصداء دائمة في أروقة الصروح الدينية المسيحية، والمارونية تحديداً، عن هذه الجديّة المخيفة من احتمال قيام بعض الطوائف بدور غير حكيم إزاء التقاتل السياسي المسيحي ـــــ المسيحي المرتقب. وتجمع أوساط الشخصيات الرهبانية والإكليريكية، ومن بينها رؤساء عامون وأساقفة سابقون وحاليون سمحوا لـ«الأخبار» بمشاركتهم إحدى جلساتهم التشاورية، على نتيجتين: إحداهما مطلوبة، وهي أن يؤدّي القادة المسلمون دور صمام أمان في الانقسام المسيحي. أما الثانية، فهي انهيار الهيكل الحالي على رؤوس عامة الناس.
وفي سياق التطورات المتوقعة، تشعر المرجعيات المارونية الدينية والزمنية منها بخشية مبرّرة من احتمال انقياد فريق مسيحي من المتخاصمين الى إرادات خارجية تعمل على تأجيج الصراعات المتنقّلة والمفتوحة، على إيقاع الاضطراب المأساوي إقليمياً. لكن هذه الخشية تجد ما يخفّف التوجس منها في نقاش مستفيض لدراسة نظرة القادة المسلمين ألى مصالحهم الطائفية، على قاعدتي التوزيع الديموغرافي والإحاطة السياسية، كما يندرج البحث في مفهومي قومية الطوائف والقومية الطائفية، وفي هاجس اقتناع طرف سياسي لبناني ما بنظرية تدمير الثانية لمصلحة الأولى، والدخول في مشروع كياني آخر دون الالتفات الى معادلة جمع المعادلتين بمشروع الكيان الحالي على قاعدة التوزّع الطائفي التوافقي في السلطات التنفيذية والتشريعية الدستورية.
وتكتمل حال الأمان التي ينشدها أقطاب اللاهوت الماروني بانتصار الديموقراطية داخل الطوائف المكوّنة للمجتمع السياسي، ما يرسي الاطمئنان إلى الخصوصية الاجتماعية عندما تكون حرة وغير منجرّة الى أي شكل من أشكال العنف. وإذ يشمل البحث والنقاش اتضاح قوة علاقة أطراف أساسية في المعارضة بحلفائها الخارجيين، فإن الخوف الإلغائي لتلك القوى من أخصامها يدفعها الى تعميق وتقوية علاقاتها الخارجية أكثر، خوفاً من الداخل المتسلّح بدعم خارجي مختلّة موازينه الإقليمية مع حلفاء المعارضة الخارجيين. لكن الخطر الأكبر، بنظر «الحكماء» الموارنة، هو اقتناع طرف سياسي مسيحي قوي أو مستقوٍ بأن غلبة فريق مسلم على آخر لن تؤثر عليه. ذلك أن ترابط مكوّنات السياسة الدولية في لبنان لا تأخذ بعين الاعتبار أشخاص القادة الطائفيين، والرؤوس الكبيرة المعاندة التي لا تصعب إزالتها. ويبدو القلق كبيراً لدى المتحاورين من احتمال إهمال القادة المسيحيين لهذه الأبعاد، بسبب انشدادهم المتواصل الى المقارعة السياسية المشحونة، وانغماسهم في الدفاع المستمر عن النفس والموقع.
وتطرح هذه الشخصيات أنه لا بدّ من التوصّل الى طاولة فكرية مستديرة تجمع القادة الروحيين المسيحيين مع القادة السياسيين المسلمين والدروز كافة. وهذه خطوة تلقى التأييد الطبيعي والفوري من مسيحيي المعارضة والسلطة على حد سواء، ومن شأنها أن ترفع مستوى مواضيع النقاش الى الشكل المستقبلي الذي ينبغي أن يكون للبنان.