فداء عيتاني
نقـــاش حـــول الدور والغـــاية وتحضيـــر للانتقـــال إلى بيـــروت لأعمــال أكثـــر ميدانيـــة

لم يساعد الجو السياسي العام جبهة العمل الإسلامي في انطلاقتها. الجبهة التي ضمت العديد من علماء الدين من كل المناطق اللبنانية والتي تسعى إلى إيصال صوت مختلف للمسلمين في لبنان، غير ذاك الذي يهتف خلف تيار المستقبل كيفما هتف، ولا هو يهتف ضد التيار المذكور أيضاً. والجبهة، بحسب العديد من قيادييها، ليست موضوعة في مواجهة مباشرة مع أي طرف في الساحة السنّية.
الأجواء السياسية التي عملت فيها الجبهة منذ أكثر من عام إلى اليوم أدّت إلى تعطيلها أكثر من تطويرها. ورغم ذلك، لا تزال نشاطات كوادرها، وخاصة الشبان منهم، تدفع بهذه الجبهة إلى الأمام في محاولة تلمس خطاب سياسي مختلف. وكما يراكم الشيخ زهير الجعيد في إقليم الخروب وجوداً أكثر من طيب للجبهة بين الناس، كذلك يتراكم في صيدا بفضل عدد من رجال الدين الشبان الديناميكيين. وفي الشمال أصبح عمل الشيخ الشاب بلال شعبان أو الشيخ هاشم منقارة مثمراً، كما أن الامتداد تخطى مدينة طرابلس إلى المنية وعكار وغيرهما من المناطق. وفي بيروت لا يزال الشيخ عبد الناصر جبري على عزمه أيضاً في تجاوز المشكلات الصغيرة والخروج من زواريب السياسة والطائفية في المدينة. أمّا طموحات جميل رعد، أحد المسؤولين الإعلاميين في الجبهة، فلا تكاد تتوقف عند حد، وهو يجهز النفس ويمنيها بمرحلة إعلامية جديدة و«عالمية» هذه المرة. إلا أن النقاش الداخلي في سياسة الجبهة والخطاب الذي تخرج به إلى الناس والهيكلية التنظيمية والدور المؤسساتي المرتجى لا يزال يحتل حيزاً مهماً من المداولات بين قيادات العمل في لبنان.
ويبدأ النقاش الداخلي في دور جبهة العمل والغاية من تأسيسها، وهي التي يفترض أن تحتل فراغاً في السياسة المحلية اللبنانية، فراغاً يكمن تماماً بين الفوضى الأميركية والفوضى «القاعدية» في الشارع السني، وتعيد وصل العديد من العلاقات العربية والإسلامية التي ذهبت إلى أكثر من خلف محلي، والتي أصبحت صاحبة الأمر والنهي. وينتقد قياديون في الجبهة الموقف الداخلي أو المعلن، الذي يبدو كأنه يذهب في موقف 8 آذار أبعد مما تذهب قوى 8 آذار نفسها. ويقول القيادي الذي يلامس في الكثير من الأحيان مختلف أطراف العمل في الجبهة من جنوب البلاد إلى أقصى شمالها بأنّ موقف الجبهة يجب أن يكون في مكان مختلف، وأن يكون خطابها مبنياً على واقع تطلعاتها.
وتُعد الجبهة اليوم العدّة لإقامة تفاهمات مع الأطراف اللبنانية كافة، على أساس ورقة مبدئية يتم فيها تحديد نقاط الخلاف والاتفاق مع كل طرف تلتقي معه محلياً. كما أنها، بحسب بعض قيادييها، لم تعد تستسيغ جانبين في خطابها السياسي نفسه: أولهما الإكثار من التصريحات الإعلامية واللهجة المستخدمة في العديد من هذه التصريحات التي تأتي أحياناً من دون تنسيق كاف، وثانيهما الذهاب في اتجاهات متعددة في هذه التصريحات كما تم في أزمة نهر البارد، حيث ناقضت بعض المواقف والمعلومات بعضها، وكلها صادرة عن الجبهة أو ممثليها. كما أن إطلاق معلومات مغلوطة أو غير دقيقة عن «قوات المقاومة» التابعة للجبهة أطلق نقاشاً نقدياً داخلياً، وخاصة أنه أعطى أرقاماً ومعلومات غير جدية، رغم كونه صادراً عن مصدر رسمي في الجبهة. كما ينتقد العديد من القياديين في الجبهة المواقف الالتحاقية بالمعارضة. ويؤكد كل القياديين هؤلاء على مبدئية مواقف الجبهة، وخاصة لناحية المقاومة ولناحية وقوف الجبهة إلى جانب المعارضة، إلا انهم يشيرون إلى تمايز لا بد من مراعاته بين مواقف الجبهة ومواقف قوى أخرى في المعارضة. فلا يمكن أن تتحدث مصادر الجبهة كما يتحدث قياديون في المعارضة مثل الوزير السابق وئام وهاب أو سواه، وقد لمست الجبهة تمايزاً في المواقف السعودية توحي أن ثمة أكثر من نظرة سعودية إلى الملف اللبناني، وأن السعودية التي تراها الجبهة دولة ذات شأن في الحيز الإسلامي، تعاملت بإيجابية مع أبرز قياديي الجبهة. هذه الإيجابية وصلت إلى حد دراسة إمكان لقاء القيادي هذا بالملك السعودي، وإن موقف الجبهة في العلاقة مع السعودية يجب ألا يكون بالتالي «نسخة طبق الأصل» عن موقف المعارضة، وخاصة أن الدور الفعلي لجبهة العمل هو تعبئة مساحة سنية تراوح بين الفوضى الأميركية والفوضى القاعدية، ووضع لبنان في سياقه الطبيعي بعيداً عن الفتنة الطائفية من أي جهة أتت.
ويستدرك من يحدثك من قياديين في الجبهة بالقول إن العديد من علماء الدين والكوادر قد يسرون بهذه الصيغة، علماً بأن البعض قد يفضل سياسة الالتحاق بالمعارضة كيفما كان على سياسة بناء خطاب سياسي مستقل. إلا أن هذا لم يعد وارداً داخلياً، وخاصة أن هيكلية قيادية واضحة وتفصيلية ستصدر قريباً جداً، لتنظم عمل المناطق والقطاعات على مستوى البناء العمودي، وبعدها يفترض متابعة البناء الأفقي والقواعدي للجبهة في المناطق جميعاً، وهي مناسبة لإحداث تغييرات كبيرة حتى داخل القيادة. ويبدي قيادي شاب في الجبهة أسفه لعدم القدرة على تلبية كل الإمكانات التي فتحت أمامه خلال مرحلة أزمة نهر البارد، حيث كان من المفترض احتضان السكان المدنيين أكثر وملاحقة مشكلاتهم اليومية وتجنيبهم التعبئة التي كانت قائمة ضد الفلسطينيين كما ضد أطراف لبنانية أخرى، ومنع التعامل بحدة مع الإسلاميين في الشمال. ويضيف أن ما كان لدى الجبهة ولدى القوى المتحلقة حولها لا يكفي لمتابعة كل ما كان يحصل حينها، وخاصة أنه فرض عليها واقعاً صعباً في محاولة لتوريطها أو جرّها إلى استفزاز من قوى محلية في الشمال.
وإذا كانت جبهة العمل الإسلامي تستعد لمرحلة أخرى وتحاول حصر المعلومات المتداولة عن نشاطها بما ينفع ويفيد، فإنها قد تنطلق إلى الفضاء قريباً لإعلان وجود سياسي قابل للنقاش، كما ستنتقل إلى بيروت لتحطّ رحالها في أعمال أكثر ميدانية على المستوى السياسي.