بروكسيل ـــ عمر نشابة
علمت «الأخبار» خلال لقاء مسؤول رفيع في أحد أجهزة الاستخبارات المركزية الأوروبية أن عدداً من التقارير تمّ تقديمها الى مؤسسات حكومية في ثلاث دول أوروبية غربية تضمّنت اهتماماً لافتاً بظاهرة التشدّد الإسلامي المتصاعد في لبنان. وتحدّث المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، عن معلومات غير دقيقة كانت قد حصلت عليها سلطات سياسية وأمنية في عدد من الحكومات الاوروبية عن «قاعدة مزوّرة» في لبنان خلال المرحلة السابقة. وقال إن أنظمة مراقبة استخبارية أوروبية تمكّنت من تحديد عناصر موالية لـ«فتح الإسلام» في عدد من الدول من خلال مضمون الاتصالات أجرتها هذه العناصر في ما بينها خلال معارك مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني و«فتح الاسلام» والتي استمرّت أكثر من ثلاثة أشهر. وأفاد المصدر الأمني الغربي أنه يشتبه في خلايا «نائمة» في لبنان والمنطقة، وقال إن الأجهزة الأمنية والقضائية اللبنانية تتعاون مع أجهزة أمنية أوروبية لتعقبّها، لكنه رأى أن التشنّجات السياسية الداخلية في لبنان قد توجد عقبات حقيقيّة أمام مهمّة مكافحة الإرهاب.
تحدّث المسؤول الامني الرفيع خلال لقاء جمعه بـ«الأخبار» في أحد فنادق العاصمة البلجيكية بروكسيل عن مضمون أحد التقارير الأمنية. التقرير يتضمّن أربعة اجزاء مرتبطة بالشؤون الأمنية اللبنانية ـــــ الأوروبية:
«القاعدة» لحماية أهل السنّة
الجزء الأول من التقرير يعرض التنظيمات الإسلامية المتشدّدة الناشطة ويركّز على تنظيم «القاعدة» في العراق والتنظيمات المرتبطة به. واللافت في هذا الجزء من التقرير أنه رأى «فتح الإسلام» تنظيماً منبثقاً عن تنظيم «القاعدة» كما كانت قد ذكرت قيادة الجيش اللبناني وخلافاً لما أعلنه وزير الداخلية حسن السبع خلال مؤتمر صحافي عقده في 13 آذار الماضي بعد انعقاد مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيو رة. وقال المسؤول الأمني إن هذا الجزء من التقرير يتضمّن معلومات مفصّلة عن علاقة شاكر العبسي بأبو مصعب الزرقاوي وبجماعات متشدّدة في الاردن. ويذكر التقرير تفاصيل لوجستية عن كيفية دخول مقاتلين سعوديين ويمنيين وعراقيين وسوريين (ومن جنسيات أخرى لم يحدّدها) الى لبنان عبر مرافق شرعية منتحلين صفة سياح أثرياء أو «رجال دين من الطائفة السنّية» أتوا الى لبنان لحماية «أهل السنّة» من «التيار الشيعي المتطرّف» الذي تعاظمت قوّته بعد حرب تموز 2006 بحسب إحدى المراسلات الإلكترونية بين متشدّدين ذكرها التقرير. لكن التقرير يذكر أيضاً أن العدد الأكبر من المقاتلين التابعين لـ«فتح الإسلام» دخل الى لبنان بطريقة غير شرعية عبر الحدود اللبنانية ـــــ السورية أو بواسطة جوازات سفر مزوّرة أو، أنهم لبنانيون وأغلبهم من مدينة طرابلس ومنطقة عكّار، التحقوا بتنظيمات تابعة لـ«القاعدة» لامركزياً. ويشتبه التقرير في انتماء هؤلاء إلى تنظيمات إسلامية متشدّدة قبل انضمامهم إلى «فتح الإسلام». كذلك يتحدّث عن رابط يجمع بين تجنيد شباب للقتال في العراق وتصاعد قوة التنظيمات الإسلامية المتشدّدة في شمال لبنان.
إلكترونية الإرهاب
الجزء الثاني من التقرير الاستخباري يتضمّن استطلاعاً مفصّلاً عن شبكة الاتصالات والمعلومات التي يستخدمها تنظيم «القاعدة» والتنظيمات المتشدّدة الاخرى المنبثقة عنه أو المتحالفة معه. وفي هذا الجزء تحليل عن مضمون المواقع الإلكترونية الإسلامية المتشدّدة وطريقة عملها والرسائل التي تبعث بها القيادات الى «الخلايا النائمة». ويصف هذا الجزء من التقرير عملية المراقبة نفّذتها أجهزة الاستخبارات لمجموعات متشدّدة، وخلاصة هذه العملية تشير إلى أن الاطلاع على الرسائل الإلكترونية المرسلة عبر البريد الإلكتروني أو على صفحات المواقع الإلكترونية تتمّ بمنهجية وحذر. إذ إن أعضاء الخلية يستعيضون عن حواسيبهم الخاصّة باستخدام الإنترنت في المراكز العامة وفي الجامعات والمؤسسات الخاصّة والعامّة ولفترات قصيرة من الوقت لا تتعدى دقائق حتى لا تشتبه فيهم أجهزة الاستخبارات الأميركية والأوروبية. ويذكر التقرير أن أجهزة الاستخبارات الاميركية تراقب بحذر أي نشاط إلكتروني للمواقع التابعة لتنظيم «القاعدة» وتلك الموالية لها، كذلك تدير عدداً من تلك المواقع المموّهة بهدف «اصطياد» الخلايا النائمة في عدد من البلدان وجمع معلومات إضافية عنها.
خلايا لامركزية
أما الجزء الثالث من التقرير الاستخباري، فيتناول خلايا إسلامية متشدّدة «نائمة». ويذكر التقرير بحسب المسؤول الامني، أن بعض تلك الخلايا «تتمركز في لبنان، مما قد يفسّر بعض التفاصيل المتعلّقة بالنشاطات الإرهابية المفاجئة في مختلف المناطق اللبنانية». ويقدّم التقرير فرضية لامركزية العمليات الأمنية الإرهابية التي وقعت في لبنان خلال العام الماضي، ويستبعد المرجع الاستخباري أن يكون منفذو تفجيرات إرهابية في بيروت قد تحرّكوا من مخيم نهر البارد في الشمال أو من البقاع أو عكّار، بل يرجّح أن عدداً من هذه التفجيرات نفّذتها خلايا متشدّدة موجودة في العاصمة اللبنانية والمناطق المحيطة بها. وفي سياق متّصل، تحدّث المسؤول الأمني عن دراسة مضمون بعض التصريحات التي أدلى بها رجال دين وخطابات بعد صلاة الجمعة في لبنان وخارجه تشير إلى إمكان انطلاق تحرّكات تحت شعار «حماية أهل السنّة». ورأى المسؤول الأمني الذي رفض تأكيد أو نفي زيارته الى لبنان خلال الاشهر الماضية، أن عدداً من المتشدّدين الإسلاميين السنّة يتحدّثون علناً عن جمع السلاح وتدريبات عسكرية لمواجهة ما يسمّيه هؤلاء «القوّة الشيعية المسلّحة».
توصيات لمكافحة الإرهاب
ختم التقرير بمجموعة توصيات تمحور أهمها حول التشدّد في عملية الرصد والمراقبة، وتفعيل تبادل المعلومات بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية، وأخيراً التدقيق بالمعلومات الصادرة عن اجهزة الأمن في مختلف البلدان التي توجد فيها مجموعات إسلامية متشدّدة. وأكّد المسؤول الاستخباري لـ«الأخبار» أن السلطات الأوروبية تشتبه في أن بعض الأجهزة الأمنية المحلية توظّف معلومات استخبارية لخدمة مصالح سياسية داخلية. وأشار إلى أن السلطات الامنية الأوروبية تعوّل على الجيش اللبناني وعلى قدرته في ضبط الأمن وملاحقة الخلايا الإرهابية التي تمثّل خطراً يتعدّى الحدود اللبنانية إلى عواصم غربية.