strong>رشا حطيط
ترك أحمد (16 سنة) وعماد (15 سنة) وسعد (13 سنة) وشقيقه إبراهيم، منازلهم في مخيم عين الحلوة باحثين عن ملجأ لهم في مكاتب مؤسسة الأب عفيف عسيران في صيدا. كان عماد وأحمد وإبراهيم قد اعتادوا زيارة المساعدة الاجتماعية في المؤسسة التي تُعنى بمتابعة ملفاتهم، منذ خروجهم من معهد إصلاح الأحداث، قبل سنة.
تحدّث سعد عن تجربته: بدأت بشم المادة اللاصقة منذ أكثر من سنتين مع مجموعة من الشباب في المخيم. وهو، بحسب قوله، يقضي «10 أيام في البيت، و10 أشهر في الشارع»، والسبب: «تعوّدت. لم أعد إلى المنزل منذ أكثر من أسبوعين. لكنني أفكر اليوم في العودة. لأنو في كل شي بالطريق، بس البيت أحلى... بس الواحد أوقات عقلوا ما بعرف كيف».
ترك سعد المدرسة وهو في الصف الرابع ابتدائي، ولم يدخل يوماً معهد الإصلاح. عمل لبعض الوقت في مصنع للخشب، لكنه اليوم ترك «وظيفته». طفل لم ينهِ الثالثة عشرة من العمر، يتحسّر على أيام الدراسة قائلاً: أريد العودة، لكن لن تستقبلني أي مدرسة، اذا عدت الى البيت اليوم، فسأعود الى العمل». لكن كيف ترى نفسك بعد عشر سنوات يا سعد؟ يجيب: «ما شي». لو كان بإمكانك أن تحقق أي شيء، فماذا تختار؟ «هذا لن يحصل». وبعد الإصرار، يجيب: «بحلم صير معلّم ألمينوم، أحلى من النجارة».
أما سبب خروج عماد وأحمد من البيت: فتهديد من عناصر إحدى المجموعات الإسلامية النافذة في مخيّم عين الحلوة. وفي التفاصيل، يروي عماد أن شقيقه حسن (12 سنة) هدّده بالسكين وبإبلاغ الدرك أنه ضربه على ثر انفعاله، وذلك بعدما كانا قد تقاسما أنبوب المادة اللاصقة لشمّها. نتيجة الخلاف، فقد عماد أعصابه، فضرب حسن الذي عاد الى البيت وأخبر والدته التي قررت بدورها طلب المؤازرة من عناصر المجموعة الإسلامية. دخل هؤلاء إلى المنزل، فحاول أحمد (الأخ الأكبر) الدفاع عن شقيقه، فتعرض كلاهما للضرب القاسي من «الشباب» الذين هددوهما بالمزيد إذا رأوهما في المخيم.
بدأ أحمد بسرد قصّته منذ وفاة والده، عندما كان يمضي فترة المحكومية في معهد الإصلاح مع عماد: كنت أنوي أن أخرج من الإصلاحية لأعمل وأساعد والدتي، لكن الواقع مختلف. ليش بدي إحلم؟ عم نشم تينر لأنو ما في شي تاني نعملوا... فشة خلق...ورواق...ومش مخالف للقانون. يقاطعه عماد قائلاً: «أنا بلشت بالتينر قبل ما فوت على الفنار (يقصد معهد الإصلاح) وبعدين التقيت بأحمد صدفة مع المجموعة وصرنا نشمّ سوا... بعدين تعوّدنا على المواد اللاصقة. حسن، صرلوا سنتين بيتعاطا، بيضل بجيبتو 4 أو 5 أصابع تلزيق».
المساعدة الاجتماعية في مؤسسة الأب عفيف عسيران، التي كانت قد لاحظت تعاطي هؤلاء الشبان لمادة التنر وإحدى المواد اللاصقة المعروفة، عرضتهم على طبيب مختص بعلاج حالات الإدمان، وصف لهم دواءً تقوم المؤسسة بتأمينه لهم في الوقت الحالي.
في القانون
جداول قانون المخدّرات في لبنان، التي تذكر فيها المواد المحظورة أو الخاضعة للرقابة، لا تحتوي على عدد كبير من المواد التي يتعاطاها هؤلاء الأطفال، والتي تُبيّن الأعمال القضائية أنها قد تستعمل كمخدر، كالتنر والبنزين وبعض المواد اللاصقة، بحسب ما ذكر مصدر قضائي لـ«الأخبار». يضيف: اذا كان متعاطي هذه المواد راشداً، فليس هناك نص لمحاكمته على أساسه، أما إذا كان قاصراً، فبإمكان القاضي أن يتعامل معه كحدث معرض للخطر وبالتالي أن يتّخذ أحد تدابير الحماية المنصوص عليها في قانون حماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرّضين للخطر (422\2002). وتجدر الإشارة إلى أن المادة 27 من القانون المذكور، تلزم الشخص أو المؤسسة المسؤولة عن الحدث المعرّض لخطر، بتقديم تقرير دوري عن أحواله للقضاء المعني باتخاذ التدابير الحمائية اللازمة. وهذا الإجراء غير منفّذ حتى الآن في حالة أحمد وعماد وسعد وابراهيم، الذين أخرجوا، أو خرجوا، من منازلهم، وبالتالي حياتهم معرّضة للخطر نتيجة الإدمان والتشرد، كما أن ثلاثة منهم محكومون سابقاً.
التاثيرات الصحية
من جهتها، تبّين الدراسات أن المواد التي تُصدر أبخرة وتباع بطريقة شرعية في الأسواق كالمواد اللاصقة والبنزين والتنر ومواد التنظيف والسوائل المذوّبة هي موضع إدمان عدد من الأطفال والمراهقين لتوافرها ورخص ثمنها. أمّا التعاطي، فغالباً ما يكون بطريقة الشم من المستوعب، أو بعد وضع المواد في كيس بلاستيكي أو غيره لاحتواء الأبخرة وزيادة الفعّالية. تضع هذه المواد المتعاطي في حالة نشوة قصيرة تتبعها حالة مشابهة للسكر قد تؤدي الى الهلوسة البصرية والسمعية. وعند الشعور بالحاجة، وفي حال عدم توافر هذه المواد، قد يصبح المدمن عدائياً. أما التأثيرات الفيزيولوجية للتعاطي المتكرر لهذه المواد، فقد تكون على شكل خلل في الدماغ أو الرئتين أو الكبد أو الكليتين أو العينين أو الأعصاب أو النخاع العظمي. وقد تظهر عوارض الإدمان كحالة تشوش ذهني في المرحلة الأولى لتصل الى حالة الغيبوبة، ومن الممكن أن تقع الوفاة فجأة. فضلاً عن حالة الإدمان النفسي على هذه المواد التي غالباً ما تكون بابأً نحو تعاطي مواد مخدرة أكثر خطورة.