نقولا ناصيف
يكتفي رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بتحديد موقفه من الاستحقاق الرئاسي بالإصرار على إجرائه في المهلة الدستورية، ووفق الآلية المنصوص عليها في الدستور. وعلى النقيض من حلفائه في قوى 14 آذار، يتجنّب الخوض في نصاب جلسة انتخاب الرئيس المقبل. إلا أنه يعمّم وجهة نظره حيال تأليف حكومة وحدة وطنية على انتخابات رئاسة الجمهورية. وكما قال بأولوية الاتفاق على برنامج هذه الحكومة شرطاً للموافقة على تقاسم حصص التوزير فيها، يضع السنيورة الشرط نفسه حيال التوافق على الرئيس الجديد، وهو التفاهم المسبق على برنامج العهد المقبل. لا يخوض في تفاصيل الموقف من الاستحقاق، يلتقط مبادرة الرئيس نبيه بري ويرى أن التطوير والإيضاح يعوزانها. في بساطة، يتحرّك في الداخل والخارج في موازاة الاستحقاق كما لو أن حكومته ستعمّر طويلاً. يراقب مساره من دون التدخّل فيه، ويترك للجهود الدولية والعربية استنفاد مبادراتها. لا يتصرّف كرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع اللذين يسعيان إلى أن يقودا الاستحقاق حيث يريدان. لكنه يضاهيهما دوراً في انتخابات يحيله تعذّر إجرائها إلى واجهة الحدث، وهو أن يتسلّم، هو وحكومته، صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالة.
على أن المطّلعين عن قرب على موقف السنيورة من الاستحقاق الرئاسي، يدرجونه في سياق المعطيات الآتية:
1 ـــــ يرفض رفضاً قاطعاً مناقشة أي تعديل للمادة 49 من الدستور، ويتمسّك بإجراء الانتخابات الرئاسية وفق الأحكام، المسموحة والمحظورة، التي تنصّ عليها هذه المادة. ويستمد تصلّبه هذا من الموقف نفسه الذي كان قد اتخذه من تمديد ولاية الرئيس إميل لحود، ومقاطعته جلسة مجلس الوزراء التي وافقت على تعديل المادة 49، وإرباكه حينذاك الرئيس الراحل رفيق الحريري. والمطّلعون على ردّ فعل السنيورة في ذلك الوقت يشيرون إلى وطأة معاناته من اعتراضه على ما كان قد طلبه منه الحريري من غير أن يستجيب، لزم مكتبه في وزارة المال رافضاً الانضمام إلى مجلس الوزراء، ثم خرج يتمشى في الشارع كي يتفادى الردّ على مكالمات الحريري الهاتفية المتكررة لحضّه على حضور الجلسة. كمنت معاناته تلك في معرفته حجم الضغوط التي تعرّض لها الرئيس الراحل من دمشق لحمله على الاقتراع لتمديد الولاية، وفي معرفته أكثر فأكثر أنه لا يستجيب لطلب الرجل الأقرب إليه، المدين له بالكثير، ولا يقف إلى جانبه في استحقاق يرفضه أحدهما سراً والآخر علناً.
2 ـــــ لأنه يعزو موقفه من تعديل الدستور عام 2004 إلى أسباب سياسية مبدئية، لن يوافق على أي تعديل مماثل في استحقاق 2007، سواء كان المستفيد منه قائد الجيش العماد ميشال سليمان أو حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة. على أن نظرة رئيس الحكومة إلى كل منهما متباينة. وهو إذا كان يستبعد وجود خلاف شخصي بينه وبين سليمان، فما يبدو قاطعاً بالنسبة إليه، بحسب المطلعين أنفسهم، أنه لن يوافق، مقدار ما في وسعه أن يعمل، على تعديل يوصل سلامة إلى رئاسة الجمهورية لأسباب شتى، تتصل بعلاقاتهما الشخصية، كما بطريقة مقاربة كل منهما الملفات المالية والنقدية، فضلاً عمّا يبدو افتراقاً سياسياً أيضاً.
3 ـــــ يرى السنيورة، لكونه رئيساً للحكومة، أنه يمسك بمصدر قوة رئيسي وحاسم لرفض الخوض في تعديل المادة 49، أياً تكن أهداف هذا التعديل والمستفيدون منه، ومدى الضرورة القصوى التي يمكن أن يتسلّح بها البعض لتبرير هذا الإجراء. ذلك أنه متيقن من قدرته على الوقوف عقبة فعلية دون أي تعديل دستوري يقترحه رئيس الجمهورية صاحب الصلاحية في الاقتراح بموجب المادة 76 من الدستور، وهو سيرفض الموافقة على التقدّم به إلى مجلس النواب. كذلك تقف الغالبية النيابية في مجلس النواب، المتمثلة بالائتلاف الواسع في قوى 14 آذار، عقبة في طريق أية مبادرة مماثلة للتعديل بموجب المادة 77 من الدستور يقترحها النواب. وهكذا يوصد السنيورة نهائياً النوافذ الدستورية لإمرار تعديل المادة 49 الذي يقتضي في كل الأحوال العبور بالغالبية الحكومية والأكثرية النيابية. كل ذلك لأن رئيس الحكومة، وفق المطلعين على موقفه، يعرف «الويلات» التي آل إليها تمديد 2004، ويعرف أكثر أن لا إمرار لتسوية تعوّل على تعديل دستوري أو بمعزل عنه من دونه.
وبسبب هذا الموقف، يجزم أركان في قوى 14 آذار باستبعاد تعديل المادة 49، في إشارة ضمنية إلى رفض انتخاب قائد الجيش لرئاسة الجمهورية. إذ أفضت نتائج الحرب التي شنّها الجيش على تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد وتصفيته نهائياً، إلى وضع سليمان وحده في واجهة الحدث السياسي، بالتزامن مع اقتراب المهلة الدستورية. الأمر الذي يجعله يحجب أي معني آخر بتعديل المادة 49 من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية.
4 ـــــ على أن المطّلعين إياهم لا يسقطون من الحساب إمكان بلوغ مأزق داخلي يحتّم خيار التعديل الدستوري، وفق المخاوف التي كان قد تحدّث عنها البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير. إذذاك يكون خيار التعديل ثمرة جهود دولية وإقليمية لن يكون في وسع أي جهة محلية التحفظ عليها أو اعتراضها. أمام استحقاق كهذا، لا يجد رئيس الحكومة نفسه حيال قائد الجيش يستعيد تجربة المعركة الطاحنة التي كانت بين الحريري وكل من لحود وسوريا في الأشهر الأخيرة من عام 2004، ولا يبدو الخوض في تعديل دستوري محاولة للسيطرة على الاستحقاق الرئاسي على نحو خطة دمشق عامذاك.
مغزى التناقض في ما يشير إليه المطّلعون على موقف رئيس الحكومة أنه متمسّك بموقف مبدئي هو إجراء الاستحقاق الرئاسي وفق الآلية الدستورية، وبما يفضي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية من صفوف قوى 14 آذار، أياً تكن الخيارات التي يقرّرها حلفاؤه للمضي في هذا الاستحقاق وتجنيب البلاد الفوضى.
في واقع الأمر، لا يبدو السنيورة أقل تصلّباً من الحلفاء الأكثر انخراطاً في استحقاق 2007، كجنبلاط وجعجع، المؤثرَين في الاقتراع وفي توجيه مسار قوى 14 آذار، مدركاً ـــــ والكلام للمطّلعين على موقفه ـــــ أن دوره قد لا يكون حاسماً في تسمية الرئيس المقبل للجمهورية، ولكنه كذلك لإمرار التسوية تلك داخلياً ومع حلفائه.