فاتن الحاج
المركــز التربــوي يضــع اللمســات الأخيـرة علــى مشــروع الحوافــز

«بات مشروع الحوافز للمعلمين الذين يخضعون لدورات تدريبية قيد اللمسات الأخيرة، تمهيداً لإقراره هذا الأسبوع، ورفعه إلى وزير التربية». هذا ما كشفه رئيس مركز الإعداد والتدريب في المركز التربوي للبحوث والإنماء نزار غريب، مع اختتام «مشروع المساعدة على إنشاء جهاز دائم للتدريب المستمر الذي يعمل بدعم من الحكومة الفرنسية». غريب تحدث عن اتفاقية أخرى مع الفرنسيين ستبصر النور خلال الأشهر القليلة المقبلة، وبدا راضياً عن نتائج المرحلة الأولى «حيث تمكنّا من تدريب 23ألف معلم خلال أربع سنوات».

إشكاليات التدريب المستمرّ

لكنّ برنامج التدريب المستمر لم يكن مُرضياً بما يكفي لطرفَي التدريب: المدربين والمتدربين. فهو طرح ثلاث إشكاليات على مستوى وحدة المرجعية التدريبية والتربوية، وقدرة البرنامج على تدريب كل الأساتذة والمعلمين، وإشكالية تحفيز كلٍّ من المتدربين والمدربين. فبالنسبة إلى وحدة المرجعية التربوية، هناك على الأقل ست مرجعيات تدريبية في التعليم العام: كلية التربية في الجامعة اللبنانية، والمركز التربوي للبحوث والإنماء ـــــ دور المعلمين للإعداد، التفتيش التربوي الفني والتوجيه والإرشاد للمتابعة في مراكز العمل، واللجان المؤقتة في المركز التربوي للتأهيل وإعادة التأهيل، وأخيراً هناك التدريب المستمر ضمن مشروع الإنماء التربوي التابع للمركز التربوي.
أما على صعيد دور كلية التربية لجهة الإعداد والتأهيل، فقد حصل تراجعٌ واضح نتيجة لتجميد التوظيف من جهة والاتجاه نحو بدعة التعاقد من جهة ثانية. فبعدما كانت الكلية تُعِدُّ بحسب النظام القديم أساتذة ثانويين للتعليم العام ومديرين ومرشدين تربويين، وُضع نظام جديد يجيز لكلية التربية إعطاء كفاءة تربوية لمن يرغب بعد الإجازة من دون أن يدخل حكماً في التعليم العام، فيما أُنيط بمشروع الإنماء التربوي تدريب المديرين، وتمّ تجاهل الحاجة إلى مرشدين تربويين في المؤسسات التربوية.
وتؤكد عضو الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي النقابية بهية البعلبكي، في هذا الإطار، أهمية تفعيل دور كلية التربية في إعداد أساتذة للتعليم الثانوي عبر كفاءة تربوية تامة إثر مباراة مفتوحة لسدّ الشواغر، لا دورات تأهيل سريعة مثلما حصل مع الناجحين في المباراة المحصورة. وتتساءل البعلبكي عن دور الكلية في إعداد المديرين في ظل برنامج تدريب المديرين ضمن مشروع الإنماء التربوي، مشددة على ضرورة أن يعود الدور إليها مرة ثانية لا لمرة واحدة فقط، بل باستمرار.
أما بالنسبة إلى المرشدين التربويين الذين ألحقوا مرة واحدة فقط بدور المعلمين، فترى البعلبكي أهمية إعداد مرشدين تربويين واجتماعيين ليكون لهم مواقعهم في الثانويات والمدارس. وتشير إلى غياب التواصل بين كلية التربية من جهة والأساتذة الثانويين الذين خرّجتهم من جهة ثانية، داعيةً إلى فتح المسارات، بحيث يستطيع الأساتذة الثانويون والمدرّبون أن يلتحقوا ببعض المقررات التي يريدونها والتي تساعدهم على تحديث معلوماتهم ومعارفهم، والاطلاع على مسائل جديدة خاصة بالمحتوى وطرائق التعلم أو التقويم عبر دراسة أكاديمية، على أن يوفّر التدريب المستمر التدريب وشحذ المهارات وتغيير الذهنيات لتنفتح على الجديد المنسجم مع ثقافة العصر.
ومن المرجعيات التربوية والتدريبية أيضاً، التفتيش التربوي الفني والمركز التربوي الذي ينظّم دورات تدريبية خارج التدريب المستمر والتوجيه والإرشاد «الملتبس» الهوية والتوصيف، والذي أضحى يزاحم التفتيش في الدخول إلى الصفوف بخلاف ما ينصّ عليه القانون. وهكذا يُسمح للتوجيه والإرشاد بالدخول إلى المدارس والصفوف، فيما يحظّر على المدربين الذين يدرّبون الأساتذة تقويم نتاج ما درّبوا عليه ميدانياً بالملاحظة في غرفة الصف. وبالتالي لا يستطيع المدرّب أن يحدد أين نجح تدريبه وأين أخفق.
بعض من التقيناهم من الأساتذة تحدثوا عن استنسابية في تعيين أعضاء التوجيه والإرشاد، وتساءلوا عن المعايير وخصوصاً أنّ البعض عُينوا حالما التحقوا بالتعليم الثانوي، أي بلا خبرة أو كفاءة تستوجب اختيارهم سوى الانتماء السياسي والمناطقي والعلاقات الشخصية، وهو ما يناقض المنطق والأسس التربوية، ويضعه الأساتذة في خانة البازار السياسي.
أما غريب، فيوضح في هذا المجال أنّه «لا يمكن المدرّب أن يقوّم عمل المتدرب، فمستحيل أن يكون الشاهد والحكم في آن». ويشير إلى «أننا نعتمد لتقويم التدريب على التقارير التي تصلنا من المناطق التربوية والتفتيش التربوي». ثم إنّ الإرشاد والتوجيه يقوم، بحسب غريب، بمهمته التي يحددها الوزير ويختلف عن عملنا في التدريب، وإن كان ليس هناك تضارب بين عملينا». ودعا غريب إلى شرعنة عمل الارشاد والتوجيه.
من جهة ثانية، يتحدث الأساتذة عن عقبة الإقبال على التدريب المستمر لكونه اختيارياً، فالأساتذة الثانويون لا يذهبون إلى التدريب بملء إرادتهم، وهو ما يؤدي إلى تناقص عدد من يلتحق منهم بالدورات التدريبية سنوياً، لدرجة أنّه في عام 2006 ألغي 63% من الدورات المبرمجة للتعليم الثانوي لعدم الإقبال عليها. والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد، هل الأساتذة الثانويون لا يحتاجون إطلاقاً إلى تحديث معلوماتهم والتدريب على الطرائق والأساليب الجديدة؟
الجواب يكمن في الإشكالية الثالثة وهي إشكالية التحفيز، فالأستاذ الثانوي خصوصاً والمعلم عموماً، لا يمنح، كما تقول البعلبكي، أي حوافز تشجعه على التدريب، ولا سيما أنّ من يتدرب ومن لا يتدرب متساويان في المدارس. وتقول البعلبكي: «ليس هناك أي تحفيز مادي كما يحصل في الأردن أو الإمارات أو المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية، كذلك ليس هناك تحفيز معنوي. فكفاءة الأستاذ ليست أولوية في تأهيله للتقدم على مسار تعليم مادته نحو اعتلاء منصب التنسيق أو الدخول في لجان المناهج أو الكتب أو وضع الأسئلة، بل الأولوية لتزلّمه السياسي ولتبعيته الطائفية». وتوضح أنّ الرابطة تقدمت في العام الماضي باقتراح جعل التدريب إلزامياً من جهة واختيارياً من جهة ثانية، أي إلزام كل أستاذ بالالتحاق بدورة أو دورتين تدريبيتين سنوياً، على أن يختار الدورة التي يريدها. لكنّ الرابطة لم تتلقّ أي جواب في هذا الشأن، ولمّا يستقر الأمر على حال بعد، علماً بأنّ السنة الدراسية باتت على الأبواب.
وترى البعلبكي «أنّ الحديث عن ثقافة التدريب المستمر هو بمنزلة ذرّ الرماد في العيون، فبدون حوافز مادية لا تكفي ثقافة التدريب المستمر». ومما تقترحه البعلبكي على صعيد الحوافز المادية، إعطاء درجة مقابل حضور عدد محدد من الساعات التدريبية لمرة واحدة، أو منحة مالية تعطى لمرة واحدة لدى حضور كل دورة تدريبية وعدم الاكتفاء ببدل النقل. وتدعو البعلبكي إلى إرساء نظام حوافز معنوية بوضع سلسلة رتب للمعلمين شبيهة برتب الأساتذة الجامعيين، علماً بأنّ الترفع من رتبة إلى رتبة يستدعي حضور عدد معين من الساعات التدريبية، وبالتالي عدم السماح لمن لا يغتنم الفرص السانحة لتطوير نفسه بالدخول إلى اللجان العليا (لجان المناهج، لجان وضع أسئلة الامتحانات، لجان الكتب....)
من هنا ترى البعلبكي أنّ التدريب المستمرّ ضروري للتعليم عموماً والتعليم الرسمي خصوصاً، شرط توفير الموارد البشرية والمادية والحوافز المادية والمعنوية للمتدربين وللمدربين في آنٍ معاً، مؤكدة أنّ التدريب المستمر هو خشبة الإنقاذ للتعليم في لبنان عموماً، شرط أن يتاح للمدربين تقويم نتاج تدريبهم في أمكنة عمل المتدربين ميدانياً.
من جهته، يثير المدرّب في مادة التربية الوطنية ليون كيلزي اعتراض بعض المديرين على ارسال أساتذتهم إلى الدورات التدريبية، فيما يغيب نظام المحاسبة، فالإدارة العامة تتعامل مع الأساتذة بالطريقة نفسها لأنّ الكفاية ليست معياراً أساسياً للتقويم والمكافأة. والقلة، بحسب كيلزي، التي يعنيها التطوير الذاتي، فغالبية المتدربين هم من المتعاقدين الجدد الذين يسعون إلى إثبات مواقعهم وتعزيز فرص بقائهم. ورغم غياب الحوافز المادية والمعنوية، وضعف الإقبال على الدورات، لفت كيلزي إلى أنّه سيبقى يعمل في التدريب، فالرغبة في التطوير الذاتي، وتقديم الجديد يكفيان لأن يكونا حافزاً.
وعلى الرغم من أنّ مديرة ثانوية فخر الدين عدلا سبليني الزين لا تمنع أساتذتها من المشاركة في الدورات، فإنها تطالب بإجرائها خارج الدوام الرسمي أو أيام العطل، لأنّ غياب الأساتذة يُحدث إرباكاً في المدارس والثانويات لعدم توفير البديل. وتشير سبليني إلى أنّها لمست التغيير في أداء الأساتذة المتدربين وتجديد معلوماتهم.
وفي هذا الاطار، يوضح غريب أنّه ثبت علمياً أنّ المتدرب لا يتحفز على المشاركة في التدريب أيام العطل الأسبوعية وفي الصيف، وبالتالي فالتدريب لا يعطي نتائجه في هذه الحالة.

«ورلد أرابيك لينكس» لتدريب الأساتذة

يسعى مشروع «ورلد أرابيك لينكس» الذي ترعاه النائبة بهية الحريري إلى تشبيك مجتمع المعلمين في عدد من الدول العربية هي حتى الآن الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين، بهدف التدريب على استخدام أدوات المعلوماتية في التعليم. يجري التدريب على أربع مراحل، وقد أُنجزت المرحلة الأولى، فيما تبدأ المرحلة الثانية في الأسبوع الثاني من أيلول في لبنان وسوريا وغزة، على أن تتم المرحلتان الباقيتان خلال السنة الدراسية المقبلة.
وتسجّل البعلبكي ملاحظات على المشروع: أولاها أنّ تطبيقه يبدأ قبل محو الأمية المعلوماتية عند الأساتذة والمعلمين في القطاع العام، ثانيتها قصور الموارد المادية في المدارس عن النهوض إلى مستوى هذا المشروع، إذ هناك ثانويات ظلت فيها أجهزة الكومبيوتر مُصندقة سنتين ويمنع استعمالها لخلاف بيروقراطي غير مفهوم بين الشركة المستوردة والشركة المشغّلة للأجهزة. وبالتالي، ليس هناك قاعات معلوماتية في المدارس حتى الآن تدخل في صلب العملية التعليمية. وثالثتها أن متابعة المعلم لما سينخرط فيه تلامذته من استخدام أدوات المعلوماتية المختلفة في التعليم سيستهلك منه وقتاً طويلاً لا ينحصر بدوامه الرسمي، ويتطلب عملاً مضنياً ذا كلفة عالية عليه، إذ يستلزم تأمين الوصول إلى الإنترنت طوال اليوم. إضافة إلى عدم لحظ هذا العمل في المدارس والثانويات وتخصيصه بساعات معينة في المنهج وضمن نصاب الأستاذ، فتصبح المعادلة هنا هي «إذا أردت أن تطبق هذا المشروع يا معلم، فعليك أن تدفع من جيبك، وتودِّع أوقات راحتك؛ لكن فلتعلم أن لا حوافز: فأنت ستتساوى في المدرسة مع من لا يعمل بالمشروع أو الجاهل به».
اذاً الخطر هنا من أن يصبح التدريب فولكلورياً يقتصر على نماذج فردية ناجحة هنا وهناك، فلا يحقق الهدف المطلوب منه وهو النهوض بالتعليم الرسمي عموماً عبر استخدام أدوات المعلوماتية لربط هذا التعليم وتلامذته بروح العصر وبثقافته.




المشروع في سطور

بعدما أنجز المركز التربوي للبحوث والإنماء تدريب الأساتذة على المناهج الجديدة للتعليم العام ما قبل الجامعي في جميع المواد التعليمية لجميع الحلقات، عمد إلى إعداد وتنفيذ مشروع التدريب المستمر بهدف تطوير كفاياتهم ورفع إنتاجيتهم. فالمشروع نشأ منذ 4 سنوات عبر هبة فرنسية قُدّرت بمليوني يورو ووضعت ضمن اتفاقية القرض الذي أمّنه البنك الدولي لمشروع الإنماء التربوي.

ويقضي مشروع التدريب المستمر بإنشاء جهاز دائم يعتمد على الموارد البشرية والمادية والتكنولوجية لمساعدة المعلمين على تطوير أنفسهم على الصعيدين الشخصي والمهني. كذلك يتضمن إنشاء مراكز تدريب داخل دور المعلمين والمعلمات تستقبل المعلمين وتقوم بوضع خطة عمل سنوية للدورات التدريبية وفق الحاجات المناطقية. وقد تم قبول 96 مرشحاً كمدربين في جهاز التدريب المستمر موزعين على مراكز الموارد الستة التي أنشئت في دور المعلمين والمعلمات في مراكز المحافظات في بئر حسن، جونيه، طرابلس، زحلة، صيدا، النبطية.
وسعياً إلى إبراز أهمية مشروع التدريب المستمر عن طريق نشر ثقافة تدريب جديدة بمفهومها وأبعادها، أعدّ فريق التواصل في مكتب الإعداد والتدريب مستنداً يتضمن شرحاً لجميع أوجه التدريب المستمر وتفصيلاً لأهدافه وهيكليته وتوضيحاً لآلية سير العمل في مراكز الموارد.
ويشرف المركز التربوي للبحوث والإنماء على هذا الجهاز ويديره مكتب الإعداد والتدريب وينفذ المشروع من خلال المستويات التالية: المستوى الدولي: (البنك الدولي ـــــ مشروع الإنماء التربوي، الحكومة الفرنسية ـــــ اتفاقية التمويل رقم 165/ 2000)، المستوى المركزي: (لجنة المتابعة والإشراف الميدانية - CTF اللجنة التقنية للتدريب المستمر)،
المستوى المناطقي COR لجان التوجيه المناطقية ـــــ مراكز التدريب في دور المعلمين والمعلمات).
ويعدّ مكتب الإعداد الخطة الوطنية للتدريب المستمر، ويشرف على مراكز التدريب من الناحيتين الإدارية والفنية، كما يصدّق على برامج التدريب المناطقية المقترحة من قبل مراكز التدريب، ويقوّم أعمال التدريب بالتنسيق مع جميع الأفرقاء المعنيين بالمشروع.