نقولا ناصيف
ينطلق رئيس المجلس نبيه بري في تحديد موقفه من مبادرته، في المدى المنظور حتى انعقاد أولى جلسات انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية في 25 أيلول، من قاعدتين متلازمتين يفصح عنهما أمام زواره:
أولاهما، المبادرة التي أطلقها في بعلبك في31 آب الفائت، داعياً إلى التوافق على إجراء الاستحقاق الرئاسي وانتخاب الرئيس الجديد استناداً إلى نصاب الثلثين، والعودة إلى حوار وطني في هذا الشأن.
ثانيتهما، تأكيده أن لا حاجة إلى تثبيت ما هو مثبت. وخلافاً لما أقدم عليه سلفاه الرئيسان كامل الأسعد وحسين الحسيني، قبيل الاستحقاقات الرئاسية التي أشرفا عليها أعوام 1976 و1982 و1988، لا يعتزم رئيس المجلس عقد جلسة لهيئة مكتب مجلس النواب ولجنتي الإدارة والعدل والنظام الداخلي لمناقشة موضوع النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية وتحديده. ويقول إن ما كرّسته الانتخابات السابقة نافذ بالنسبة إليه في استحقاق 2007، وإن نصاب التئام الجلسة هو حضور ثلثي النواب من أجل افتتاحها ومباشرة الاقتراع على نحو ما قرره اجتماع هيئة مكتب المجلس واللجنتين النيابيتين في 5 أيار 1976 وفي 16 آب 1982. ومع أنه تعذّر على الحسيني عقد جلسة لهيئة مكتب المجلس واللجنتين عام 1988 جرّاء الأحداث الأمنية، فقد وجّه الدعوة إلى انتخاب الرئيس تبعاً للقاعدة نفسها القائلة بنصاب الثلثين. وكان مجلس النواب قد قرّر عام 1980 احتساب نصاب النواب الأحياء، لا العدد الذي كان يتألف منه المجلس قانوناً حينذاك بسبب تناقص عدد النواب، وخشية تعذّر توافر النصاب الموصوف في الحالات التي يتطلبها. في هذه الحال كان قرار الأسعد والحسيني احتساب النصاب الدستوري لانتخاب الرئيس ثلثي النواب. وهو الموقف الذي يتمسّك به بري ويعدّه أساساً وحيداً لانعقاد المجلس وانتخاب الرئيس الجديد.
يقول رئيس المجلس أيضاً إن مبادرته هي الأمل الأخير في إحراز تقدّم في تسوية داخلية تؤدي إلى إجراء الاستحقاق الرئاسي، وتجنيب لبنان فوضى محتملة. ويعوّل لإبراز موقفه هذا على المعطيات الآتية:
1 ـــــ ليس ثمة ما يشير إلى أفكار عربية جديدة لحل يدخل في سياق مبادرة عربية رديفة تواكب مبادرة رئيس المجلس، الذي استخلص هذا الانطباع من العودة الأخيرة لسفير السعودية في لبنان، عبدالعزيز خوجة. وهو سيستقبله اليوم بناءً على طلبه. ويرى بري أن خوجة لا يحمل اقتراحات محددة سوى حضّ الأفرقاء اللبنانيين على التفاهم والتحاور والتوافق لإنقاذ انتخابات رئاسة الجمهورية.
2 ـــــ بدورها الأفكار الفرنسية المتداولة لا تبدو أكثر تقدّماً. ووفق المعلومات المتوافرة لدى بري، وبعضها كان قد أُعلن رسمياً من باريس في الأيام الأخيرة، فإن الزيارة الثالثة لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير إلى بيروت، بعد أولى في 24 أيار وثانية في 27 تموز ، لا تعدو كونها مسعى محدداً وموجّهاً، وخصوصاً إلى قوى 14 آذار، لحملها على إتباع التأييد الذي أعلنه بعض أركانها لمبادرة بري بالفعل، ومباشرة حوار مع المعارضة تحت مظلتها توصلاً إلى إنجاز الاستحقاق. وبعدما كانت باريس قد اكتفت لأشهر بحصر موقفها منه بالدعوة إلى إجراء انتخابات الرئاسة في المهلة الدستورية ووفق الأصول المنصوص عليها في الدستور، أضافت إليه تشجيعها مبادرة رئيس المجلس واعتماد التوافق آلية لذلك. وهو موقف يصفه بري بأنه أكثر تقدّماً وتفهّماً للمشكلة اللبنانية الراهنة. ويعبّر في الوقت نفسه، في رأيه، عن الدور المعرقل الذي تقوم به قوى 14 آذار سعياً إلى تفرّدها هي بإجراء الاستحقاق، وفرض مرشح من صفوفها.
3 ـــــ يقول بري إن مبادرته هي آخر ما يمكن أن يقدمه إلى الفريق الآخر على أبواب الاستحقاق الرئاسي. ومع أنه لم يُطلع حلفاءه في المعارضة على بنودها قبل الكشف عنها في بعلبك، فإن حزب الله والرئيس ميشال عون أيّداها لإتمام الاستحقاق وفق الأصول الدستورية المرعية. وينتظر بري موقف قوى 14 آذار منها للسير قدماً في مراحلها. على أنه يأمل أن يكون هذا الموقف واضحاً في تأييدها، إذا كان الفريق الآخر يريد إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده. ويقول أيضاً إن الاستحقاق الرئاسي كان أحد ثلاثة ملفات هي محور كل المبادرات الداخلية والخارجية التي طُرحت للتداول المحلي منذ استقال الوزراء الشيعة في تشرين الثاني الفائت. والملفان الآخران هما المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وحكومة الوحدة الوطنية. الأول أُسقط من يد الجميع بعدما أصبح في عهدة الأمم المتحدة، والآخر تخلّت عنه المعارضة مقابل الدخول في تفاوض مع قوى 14 آذار للتفاهم على آلية إجراء الاستحقاق الرئاسي تبعاً للمبادىء المدرجة في مبادرة رئيس المجلس. على أنه يقول، كذلك، إنه ماضٍ في مبادرته مقدار ما تعبّر قوى 14 آذار عن تأييدها: «أما إذا كانوا يريدون مني أن أتراجع عنها، فأنا مستعد لذلك. هل يريدون أن نعود جميعاً إلى موضوع حكومة الوحدة الوطنية؟».
ومع أنه يعكس ملامح تشاؤم من الموقف المنتظر من قوى 14 آذار، في ضوء ما تنامى إليه في الساعات الأخيرة، فإنه يرغب في الحصول من الفريق الآخر على تأييد غير مشروط، ولا يقترن بـ«لكن»، خشية أن تودي هذه بالجهود التي يبذلها. وبسبب ذلك يعتقد بري أن المطلوب من قوى 14 آذار هو تحديد موقف جامع يُلزم أفرقاءها، فلا تتعدّد اجتهاداتهم حيال المبادرة. أضف أن اتصالاته بهؤلاء لم تتوقف منذ إطلاق المبادرة، بغية تقديم مزيد من الإيضاحات المتصلة بها.
4 ـــــ خلافاً لما يشير إليه أفرقاء في قوى 14 آذار من أن مبادرته تحتاج إلى تطوير وإيضاحات، وتفتقر إلى آلية تضعها موضع التنفيذ، يلاحظ رئيس المجلس أن المبادرة تحمل في طيّاتها آليتها: بقوله أولاً إنه سيناقشها مع البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، لكون انتخابات الرئاسة شأناً مارونياً مقدار ما هي استحقاق وطني، وقوله ثانياً إنه مستعد لمباشرة مشاورات واسعة النطاق في سياقها في مجلس النواب ـــــ لا في عين التينة ـــــ مع أركان قوى 14 آذار و8 آذار، وجمع الطرفين تبعاً لذلك. وقوله ثالثاً إن المبادرة مفتاح التوصل إلى توافق على اسم الرئيس الجديد عبر مشاركة طرفي النزاع في الاستحقاق انسجاماً مع نصاب الثلثين ـــــ الذي لا غنى عنه ـــــ بمعزل عن اسم الرئيس الجديد للجمهورية أو الفريق السياسي الذي ينتمي إليه. وهو أمر يكرّسه في نهاية المطاف توافق الفريقين عليه.