غسان سعود
الأهالي رفضوا طرحاً قوّاتياً بقبول تعويضات وتأجيل البحث في العودة

مرّت سنة على جمع رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط أهالي كفرمتى على عجل في قصر المختارة لإجراء المصالحة بينهم، لكن اللقاء لم يثمر أية نتائج، ليعود الأهالي ويجتمعوا في نهاية الأسبوع الماضي في السرايا الحكومية هذه المرة، ويشهدوا على توقيع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة «اتفاق المصالحة والعودة إلى بلدتي كفرمتى وكليلة». فماذا حدث لعقد هذا اللقاء؟
وهل سيؤدي إلى نتائج عملية تغلق هذا الملف أو يبقى حبراً على ورق.
مصادر مطلعة كشفت أن رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع تحرك بين اللقاءين، وضغط بكل ثقله لتحقيق ولو إنجاز وهمي في هذا الملف، يخطف عبره ورقة سياسية ، يقول المقرّبون من الحكيم إن العماد ميشال عون ، يُشهرها في وجه مسيحيي السلطة كلما حشروه في زاوية. وكان جعجع، بحسب متابعين لهذا الملف، قد كثّف اتصالاته بحلفائه، وخصوصاً جنبلاط، لتحريك هذا الملف بعد أن أخطأ التقدير بقوله ما من مهجرين في الجبل. علماً بأن مسؤولين قواتيين بارزين جالوا خلال الأسابيع القليلة الماضية على عدد كبير من عائلات المهجرين، ناقلين إليهم تعهّد جعجع متابعة قضيتهم، وبحثها جدّياً مع جنبلاط لإيجاد المخارج الملائمة. وسمع هؤلاء المسؤولون كلاماً قاسياً من الأهالي الذين رفضوا الطرح القواتي القائل بقبول التعويضات المالية الآن، وتأجيل البحث في العودة إلى المنازل والقرى المهجّرة حتى موعد آخر.
وعلمت «الأخبار» أن قيادة القوات كثّفت اتصالاتها مع السنيورة وجنبلاط لتوقيع المصالحات في بلدات الشحار الغربي إثر انتهاء انتخابات المتن الفرعية مباشرة. وأغدق خلال الأسبوعين الماضيين نواب بعبدا ـــــ عاليه والنائب جورج عدوان الوعود على أهالي عبيه وعين درافيل وكفرمتى وكليلة، لكن جنبلاط عاد، في المقابلة التلفزيونية مع المؤسسة اللبنانية للإرسال، وحصر المصالحة بكفرمتى، الأمر الذي خيّب ظن أهالي البلدات الأخرى. علماً بأن الأرقام تشير إلى أن إنجاز جعجع تمثل بطلب الحكومة تأمين 72 ملياراً و750 مليون ليرة لأهالي كفرمتى، ثلثها فقط للمسيحيين المهجرين من منازلهم وأراضيهم، مقابل ثلثين للدروز. وتصرف هذه التعويضات على 800 طلب إخلاء (جميعها لدروز البلدة) و200 طلب إعادة إعمار فقط (معظمها للمسيحيين). ويتخوف مسيحيون من البلدة أن تتسرع قيادة القوات وتتخلى عن حقوق وثوابت لا يجوز التفريط بها، إذ كان بإمكانهم العودة إلى بلدتهم منذ خمسة عشر عاماً لو قبلوا المس بها. ويشيرون في هذا السياق إلى أن أحداً لم يبحث بعد في إخلاء الدروز المنازل والأراضي التي يحتلونها في البلدة. وكشف بعضهم أن قادة من الحزب التقدمي الاشتراكي نقلوا إليهم تفهّم زعيم المختارة للحساسيات الطائفية في هذه البلدة، واقتناعه بأن الظروف ليست ملائمة تماماً لعودة من قتل الدروز وحاول تهجيرهم من بلداتهم. ويعارض بعض أبناء البلدة من الذين التقتهم «الأخبار» إعادة إعمار كنيستي البلدة المارونية والأورثوذكسية في الوقت الحالي. ويقول بعضهم إن هذا الأمر يتطلب وقتاً، ويستطيع من يرغب من المسيحيين بالصلاة أن يتوجه كمرحلة أولى إلى إحدى البلدات المسيحية المجاورة، فيما يشير آخرون إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار العدد الكبير من الضحايا الدروز.
ومقابل تفاؤل بعض الأهالي، تتوقع مصادر في صندوق المهجرين أن تصرف الدفعة الأولى من الأموال في الأيام القليلة المقبلة، وتُحتجز الدفعات الأخرى حتى عشية الانتخابات النيابية المقبلة كما درجت العادة في البلدات المهجرة.
إلا أن بعض المتابعين المحايدين لتطور هذا الملف، ومنهم جورج أبي سعد، يرون أن ما يحصل على صعيد كفرمتى أمر إيجابي، لكن لا يفترض السكر بحسنه. وفي هذا السياق، يستغرب أبي سعد تأمين الحكومة مبالغ خيالية لإعادة إعمار مخيم نهر البارد من جهة، ولا تكلّف نفسها إجراء اتصال هاتفي واحد يمكن أن يؤمن الأموال المطلوبة لإقفال ملف المهجرين. مشيراً إلى أن إقفال ملف المهجرين لا ينتهي عند حدود عبيه وكفرمتى وبريح. مؤكداً أن ثمة ما يقارب العشرة آلاف طلب لعائلات مهجرة لم تبحث، ومئة قرية لم تقفل ملفاتها، و110 دور عبادة لم يُدفع لها، و1500 ضحية مسيحي لم يُدفع لأهلهم أي تعويض.
من جهته، يشكك «التيار الوطني الحر» بجديّة المصالحة. وترى قيادة التيار أن المطلوب بموازاة تأمين حقوق المهجرين، هو إجراء تحقيق شامل ومستقل في الأموال المصروفة والمهدورة في هذا الملف. وتكشف لجنة المهجرين في التيار أن الصندوق المركزي للمهجرين دفع في النصف الأول من العام الحالي 36 ملياراً و 178 مليون ليرة ، توزعت على 6430 طلباً، 46.5% منها في بيروت، 15.9% في الشوف، 9.2 % فقط في عاليه، و 8.2% في طرابلس. ويتبين بالتالي أن 54.7% من الطلبات دُفعت في مناطق النفوذ المباشر لتيار المستقبل، غير المعنية بالتهجير.
أما في الشوف، فتركّز الدفع في بلدات علمان، الوردانية، سرجبال ووادي بنحلي، وهي البلدات التي يعدّها وزير المهجرين خزاناً انتخابياً له. وفي عاليه، تركز الدفع في قريتي الغابون وبعورته الدرزيتين، بمفاضلة واضحة للمُهَجِّر والمحتل على المُهَجَّر. ولم يسجل منذ مؤتمر العام الماضي أي جديد يتعلق بالبلدات التي لم تحصل فيها مصالحات بعد.
وكان لافتاً أن الوزير نعمة طعمة تعهّد شراء الوزارة قطعة أرض بديلة لأهالي بريح المسيحيين من تلك التي صادرها الاشتراكيون بغية تشييد المجمع المعروف باسم «بيت الضيعة» عليها، علماً بأن بناء المجمع المخالف وعلى أرض الغير كان بتمويل من قبل وزارة المهجرين
أيضاً.