البقاع ـ عفيف دياب
«بعد اغتيال الحريري أصبح السنّة في لبنان أكثر تطرفاً لكنهم لم يعتمدوا السلفية الجهادية خياراً لهم»

يجمع «سلفيون» في منطقة البقاع على أن «فتح الإسلام» أجهضت باكراً جدّاً فكرة تحويل لبنان إلى ساحة للجهاد، «فلبنان بعد الذي جرى في مخيم نهر البارد أصبح في موقع لا يسمح لنا بالجهاد فيه» على حد قول الشيخ «أبو أحمد» الذي يقدم قراءة متأنية لما جرى منذ ما بعد عدوان تموز صيف العام الماضي. ويقول إن: «فكرة تحويل لبنان إلى ساحة جهاد لم تعد مستحبّة، لا بل أصبحت فكرة شبه محرّمة الآن، فما جرى من أحداث ومواجهات كبرى في الشمال فرض على الفكر السلفي الجهادي في لبنان إعادة تقويم للواقع، وهذا ما قد يطول كثيراً». ويضيف «فكرة تحويل لبنان إلى ساحة للجهاد بعد عدوان اليهود العام الماضي كانت قد أخذت حيّزاً من اهتمام المجموعات السلفية الجهادية في مختلف انحاء العالم، والوقائع وتصريحات بعض القادة في السلفية الجهادية تؤكد ذلك، لكن ما جرى في البارد سيدفع هذه المجموعات إلى إعادة البحث في هذا الأمر».
يقرّ الشيخ أبو أحمد أن تنظيم «فتح الإسلام» «استُغلّ من أجهزة مخابرات دولية وعربية عدة، وهو تنظيم لم يزل فتيّاً ولم تتبلور أصلاً فكرته أو عقيدته الجهادية كاملاً أو بالحد الأدنى. فالتنظيم دخل فجأة إلى الساحة اللبنانية واختفى بسرعة قياسية بعدما تلقّى ضربة عسكرية قاضية، وبالتالي فإن كل السلفيين المؤمنين بفكرة الجهاد من لبنان وفي لبنان أصبحوا اليوم أسرى الواقع الجديد بعد أحداث نهر البارد ومعاركه».
كلام الشيخ أبو أحمد يؤكده الشيخ بلال الذي لم يستوعب بعد فكرة «تحويل لبنان إلى ساحة جهاد وقتال» ويقول إن «ظروف لبنان معقّدة سياسياً واجتماعياً، وهذا التداخل لا يمكن أن يعطي تربة خصبة لفكرة الجهاد هنا. ونحن ناقشنا هذا الامر مع العشرات ممن يؤمنون بالسلفية القتالية او الجهادية، لكن للأسف، الأفكار كانت مستوردة من الخارج والقرار كان واضحاً أنه صادر عن ساحات جهادية أخرى لتحويل بلاد الشام كلها الى ساحات جهاد، و«فتح الاسلام» من هذه الأفكار المصدَّرة الى لبنان التي اعطت بعد أحداث البارد نموذجاً ساطعاً عن الرفض السياسي والشعبي لهذه الافكار ولا سيما عند اهل السنّة» إذ برأي الشيخ، أن أهل السنّة في لبنان «بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري تغيّر مزاجهم وأصبحوا أكثر تطرفاً، لكن تطرفهم لم يصل إلى حد اعتماد السلفية الجهادية خياراً لهم، وما جرى في البارد والالتفاف الشعبي السني حول الجيش كان مشهداً سياسياً واضحاً عن مدى رفض أهل السنة لفكرة «فتح الاسلام» وما أقدمت عليه من مواجهة مع الجيش اللبناني، ومن هنا يمكننا القول إن أهل السنة كانوا أكثر رفضاً لظاهرة «فتح الاسلام» من قوى اسلامية اخرى، وهذا ما يدعو كل مؤمن بفكرة السلفية الجهادية في لبنان الى إعادة النظر بطروحاته وأفكاره لأنه يجب عليهم أن يعوا اهمية موقع لبنان السياسي والطائفي لأن كل انواع التطرف الديني او السياسي أصبحت مرفوضة من الجميع». ويؤكد «بلال» أن «هزيمة «فتح الاسلام» في البارد أدخلت السلفيين الجهاديين في لبنان في دائرة «الخطر»، وأن اي فكرة «جهادية» اصبحت تحتاج الى وقت طويل لتتبلور او تعيد تنظيم نفسها.
ويأسف أحد الناشطين السلفيين الحاج عبدو ع. للحال التي وصلت اليها الحركة السلفية الجهادية في لبنان، ويشير إلى أن ما تعرضت له هذه الحركة منذ اكثر من 7 اعوام في لبنان من مطاردات امنية ومواجهات عسكرية لم «تستفد منه «فتح الاسلام»، ولم تأخذ الواقع اللبناني ومعه الانتشار الفلسطيني في لبنان في الحساب، وللأسف فإن فكرة الجهاد بعد حرب نهر البارد اصبحت في خبر كان، والسلفية الجهادية او داخل التجمعات الفلسطينية ستحتاج الى وقت طويل لإعادة ترميم وبناء صفوفها».
ويرى أن «المجموعات العربية في السلفية القتالية التي دخلت الى لبنان كانت تعتقد أن ارض هذا البلد تربة خصبة للجهاد، وهي للأسف الشديد كانت موضع استغلال كبير من اجهزة استخبارات عدة، الأمر الذي ادى الى انحرافها عن هدفها الحقيقي ودخلت في الصراع السياسي اللبناني مع طرف ضد آخر»، ويوضح قائلاً: «ممارسات «فتح الاسلام» الامنية والعسكرية لم تلق ترحيباً من اهل السنة الذين وقفوا لأول مرة في تاريخهم السياسي مع الجيش اللبناني ضد مجموعة تعدّ من اهل السنة ايضاً، فدفع سنة لبنان وفلسطين الفاتورة مرتين، فمعظم الذين سقطوا مع الجيش من اهل السنة، وأيضاً في الطرف الآخر جميعهم من اهل السنة، وبالتالي فإن محاولة «فتح الاسلام» تحويل نفسها الى قوة سنية بوجه اطراف لبنانية اخرى منيت بالفشل الذريع بعد تلقّيها الضربة العسكرية الكبرى، وبالتالي على الفكر السلفي المدرسي او الدعوي أن يكون هو الطاغي وأن يرفض كل فكرة للجهاد ما لم تكن نابعة من واقع لبناني يراعي تركيبة البلد». ويأسف الحاج عبدو «لأن البعض من التنظيمات السلفية الجهادية استخدمت لبنان ساحة للجهاد، فكانت في الموقع الخطأ. فواقع لبنان لا يسمح اليوم بالجهاد والقتال، و«فتح الاسلام» أجهضت هذه الفكرة قبل أن تولد او تتبلور».