strong>غادر مخيّم نهر البارد قبل يوم من سقوطه بأيدي الجيش وعائلته متفائلة ببقائه على قيد الحياة
قال المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا أمس، إن فحوص الحمض النووي أكدت أن الجثة التي كان قد أعلن سابقاً أنها لزعيم تنظيم «فتح الاسلام» شاكر العبسي لا تخصه، وأنه قد يكون نجح في الفرار.
وكان يعتقد أن العبسي قتل بعد معارك سيطر خلالها الجيش اللبناني على مخيم نهر البارد في الثاني من ايلول منهياً 15 اسبوعاً من قتال ادى الى مقتل اكثر من 400 شخص بينهم 162 جندياً.
وفي ذلك الوقت قال عناصر فتح الإسلام الذين ألقي القبض عليهم إن الجثة تخص العبسي، وكذلك فعلت زوجته وأفراد من عائلته. لكن الجيش اللبناني اخذ عينات من دماء أقاربه لإجراء فحوص الحمض النووي وإثبات شخصيته. وجاء بيان المدعي العام التمييزي ليقول ان فحوص الحمض النووي أثبتت أن الجثة لا تخصه.
ونقل بيان المدعي العام عن مواطن يمني ألقي القبض عليه في الثامن من أيلول قوله إنه غادر مخيم نهر البارد في الأول من أيلول مع شاكر العبسي وثلاثة آخرين «وكان بحالة جيدة ويرتدي حزاماً ناسفاً ويحمل بندقية حربية نوع كلاشنيكوف وجعبة مماشط وقنابل يدوية». ونقل البيان عن المواطن اليمني ناصر شيبة قوله بأنه «تأخر عن اللحاق بشاكر العبسي ورفاقه أثناء الهرب ليلاً وأضاعهم واختبأ في منزل مهجور إلى أن ألقي القبض عليه أثناء محاولته الاقتراب من احد المنازل طلباً للطعام».
ومثّل بيان القاضي ميرزا صدمة ومفاجأة كبيرتين؛ وهو أمر طرح عدة تساؤلات عن المصير الفعلي للعبسي، وأين هو اليوم، وكيف فرّ من المخيم إذا استطاع ذلك، ومتى، أم أنه قتل أثناء المعارك من غير أن يُعرف متى حصل ذلك ولا أين دفنت جثته، وما هي حقيقة الأسماء الفعلية التي قيل إنها خرجت معه ولم يكن يُسمع بها من قبل، والتي هي على الأغلب أسماء حركية؟
لكن السؤال الأبرز الذي إذا توافرت الإجابة عنه قد يشرح بعض ملابسات ما حصل ليل السبت الأحد في الأول والثاني من أيلول، وقبله بالتأكيد. إذ تفيد معلومات ميرزا أن العبسي خرج مع مجموعته مساء ذلك السبت، أي قبل بضع ساعات من اندلاع المعارك التي جرت قرابة الثالثة من فجر الأحد الذي يليه، في محاولة «يائسة وانتحارية»، حسب ما قيل وقتها، من مسلحي تنظيم «فتح الإسلام» للفرار، إضافة إلى أسئلة أخرى عمّا إذا كان العبسي الذي اختفى عن الأنظار طيلة الأيام الأخيرة التي سبقت انتهاء المعركة، قد سبق له الخروج من المخيم مع نائبه شهاب قدور «أبو هريرة» خلال فترة سابقة؟
وفي ظل غياب أي جواب عن كل هذه الأسئلة، يبقى سرّ العبسي، ومعه أسرار ملف أحداث مخيم نهر البارد من أولها إلى آخرها، ألغازاً كبيرة مبهمة، قد لا تُفكّ أسرارها في المستقبل القريب.
وكان النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا قد أعلن أنه «بنتيجة التحاليل المخبرية والدراسات العلمية التي أجريت على البصمات الجينية النووية «دي.إن.آي» المأخوذة من الجثة المرمزة (أ 16) التي نقلت من مخيم نهر البارد إلى مستشفى طرابلس الحكومي يوم الأحد 2/9/2007 والمشوّه وجهها، والتي جرى التعرف إليها لاحقاً من المدعوة رشدية العبسي، المفترض أنها زوجته، ومن المدعوة وفاء العبسي المفترض أنها ابنته، ومن آخرين يفترض أنهم على معرفة بشاكر العبسي، وعلى البصمات الجينية النووية الـ«دي.إن.آي» المأخوذة من زوجته المفترضة رشدية العبسي وأبنائه المفترضين، وفاء العبسي وأسماء العبسي وآيات العبسي وبشرى العبسي ويوسف العبسي، وتلك المأخوذة من شقيقه الدكتور عبد الرزاق العبسي المقيم في الأردن تبين ما يأتي:
من مقارنة البصمة الجينية النووية للجثة المرمزة (أ 16) والمفترض أنها لشاكر العبسي مع البصمة الجينية النووية العائدة للمدعوين آيات وأسماء وبشرى ويوسف ووفاء العبسي أن صاحب الجثة (أ 16) لا يمكن أن يكون والداً بيولوجياً لهؤلاء.
ومن مقارنة البصمة الجينية للجثة (أ 16) مع البصمة الجينية للدكتور عبدالرزاق العبسي تبين أنه لا يمكن أن يكون صاحب الجثة (أ 16) أخاً بيولوجياً للدكتور عبدالرزاق العبسي، إذ جاءت نسبة المطابقة 0,09% فقط.
ومن مقارنة البصمة الجينية للسيدة رشدية العبسي مع البصمات الجينية للمدعوين وفاء ويوسف وبشرى وأسماء وآيات، تبين أنها الأم البيولوجية لهؤلاء، وجاءت نسبة المطابقة 99,9999868%.
ومن مقارنة البصمة الجينية للدكتور عبد الرزاق العبسي مع البصمات الجينية للمدعوين وفاء ويوسف وبشرى وأسماء وآيات، تبين وجود علاقة نسب بين الدكتور عبد الرزاق العبسي وهؤلاء.
وبالنتيجة، تكون الجثة المحفوظة في براد مستشفى طرابلس الحكومي والمرمزة (أ 16) لا تعود للمدعى عليه شاكر العبسي بعد ثبوت عدم علاقة النسب بين صاحب الجثة (أ 16) التي قالت زوجته رشدية وابنته وفاء وآخرون إنهم تعرفوا إليها وإنها تعود لشاكر العبسي، وبين الاولاد الخمسة آيات، وفاء، أسماء، بشرى ويوسف، وبعد ثبوت عدم وجود علاقة نسب بين صاحب الجثة (أ 16) والدكتور عبد الرزاق العبسي شقيق المدعى عليه شاكر العبسي».
في مقابل ذلك، علق عضو رابطة علماء فلسطين الشيخ علي اليوسف على الموضوع بالقول: «سمعنا الخبر كما سمعتموه، ونحن في الرابطة قلنا مرارا إنها جثة العبسي بناء على رؤية زوجته للجثة، ولا نستطيع أن نثبت أو ننفي ذلك، ولسنا مخولين هذا الأمر، بل هو أصبح رهن السلطات اللبنانية المعنية بالموضوع».
وأشار في تصريح لـ«الأخبار»، إلى أن عضو الرابطة الشيخ محمد الحاج «رأى الجثة وقال إنها تعود للعبسي، لأن الشيخ الحاج من سكان مخيم نهر البارد، وهو رأى العبسي والتقاه أكثر من مرة، أما وأن اختبار الحمض النووي أثبت أن الجثة لا تعود للعبسي، والقول هنا للسلطات، فأعتقد أن أوجه شبه كبيرة موجودة بين الجثة والعبسي لدرجة أن زوجته ظنت أن الجثة تعود لزوجها».
ورأى اليوسف أن «هذا الأمر تحول إلى لغز لم نكن نتوقعه، فزوجته والشيخ الحاج يقولان إنها جثته، وكذلك الأخوات اللواتي رأين الجثة قلن ذلك؛ إنها مسألة في غاية الغرابة، ما الذي يحصل، هل هناك فعلاً تشابه إلى هذا الحد؟ لا نعلم!».
على صعيد آخر، ما يزال الجيش اللبناني والقوى الأمنية تقوم بالتدابير الأمنية المشددة في محيط المخيم، حيث لا تزال الأسلاك الشائكة ترفع في محيطه، منعاً لدخول احد من المخيم أو خروجه، وكذلك في محيط المناطق الممتدة من المنية وحتى عكار، فإن التدابير الأمنية لا تزال مشددة.
وفي الأردن، أبدت عائلة العبسي تفاؤلًا بكونه لا يزال على قيد الحياة. وقال الدكتور عبد الرزاق العبسي جراح العظام والشقيق الأصغر لشاكر، ليونايتد برس انترناشيونال «سمعت قبل قليل عبر الفضائيات أن العينة التي أخذت مني لمطابقتها على الجثة التي قيل إنها تعود لشاكر أتت بنتيجة سلبية»، وأضاف «ندعو الله أن يكون شاكر لا يزال على قيد الحياة».
وأشار عبد الرزاق إلى أن المخابرات الاردنية طلبت منه قبل ايام أن تحصل على عينة منه لإرسالها إلى السلطات اللبنانية، وأنه بالفعل قدم العينة المطلوبة منه.
ولم يجد العبسي الشقيق اي تفسير لعدم مطابقة فحص العينة التي اخذت منه مع عينة من الجثة الموجودة لدى السلطات اللبنانية، وقال «طبياً لا أجد تفسيراً منطقياً لعدم تطابق العينتين إلا تفسيراً واحداً هو أن الجثة الموجودة لدى السلطات اللبنانية لا تعود لشاكر».
غير أن عبد الرزاق عاد ليشكك بنجاح الفحص وقال «لا أحد يعرف شاكر أكثر من زوجته وقد تعرفت إليه في المشرحة بالمستشفى. لا نعرف ماذا حصل... لكننا أصبحنا الآن متفائلين بأنه لا يزال على قيد الحياة».
وفي أعقاب الإعلان عن مقتل شاكر العبسي، وهو اردني من اصول فلسطينية ومطلوب للسلطات الاردنية، أقامت عائلته بيت عزاء في عمان توافد اليه مئات الاردنيين واستمر لمدة ثلاثة ايام حسب التقاليد، وقالت العائلة إنها تحتسب شاكر عند الله «شهيداً».
(الأخبار، وطنية، يو بي آي، أ ف ب، رويترز)