فداء عيتاني
الإدارة الأميركية غير مستعدة للمغامرة بمكتسباتها في لبنان مقابل موقع لا تعتبره ذا سلطة

تشير المعلومات التي تجمعها أطراف رئيسية في النزاع اللبناني من غير عاصمة عربية وإقليمية إلى أن العرقلة على المسار التفاوضي السوري ـــــ الأميركي قد تُنتج مشكلات حادة في لبنان، وأن واشنطن تتخوف من فوضى أمنية في لبنان. وتؤكد الأطراف المعنية أنها قد تكون المرة الأولى التي يجد فيها الأميركي نفسه يعارض أية فوضى في لبنان، إذ إنها تأتي في سياق شرق أوسطي مُعقَّد ودقيق، وفي توقيت لا ترغب إدارة اليمين الأميركي خلاله برؤية مشاريع أخرى تابعة لها، كمشروع ثورة الأرز والقرار الدولي الرقم 1559، والقرار الرقم 1701، في حالة مشابهة لما وقع لعملية تصدير الديموقراطية إلى العراق.
وكان مرجع ديني لبناني قد استقبل الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون وسمع منه كلاماً واضحاً عن أن الولايات المتحدة لا مصلحة لها بحالة فوضى في لبنان، سواء في سياق الانتخابات الرئاسية أو أي سياق آخر، وأن حالة الفوضى في لبنان ستنعكس مباشرة على قوات الطوارئ الدولية، حيث ثمة ما يكفي من معلومات تؤكد أن القاعدة جاهزة للتحرك في الجنوب ضد هذه القوات إذا سمحت الأوضاع السياسية بذلك، وأن انكشاف البلاد سياسياً سينعكس مباشرة انكشافاً أمنياً، وأن قوات الطوارئ لن تتحمل هجمات من القاعدة أو غيرها، ما سيدفعها إلى الرحيل.
وبحسب بيدرسون، فإن رحيل قوات الطوارئ سيفتح أرض الجنوب أمام كل القوى، سواء المعروفة اليوم أو التي هي قيد التشكل، أو قوى غير مصنفة حتى اللحظة، وستتحرك هذه القوى الفوضوية من دون ضابط بمواجهة الحدود مع إسرائيل، ولا يمكن الاعتماد على ردة فعل إسرائيلية كبيرة على ما ستقوم به هذه القوى، وخاصة أن ردة فعل إسرائيلية عنيفة قد تشعل المنطقة كلها.
وتضيف المعلومات المتوافرة أن القراءة الأميركية للرئاسة الأولى اليوم يمكن اختصارها بعبارة «خالية من المحتوى» كمنصب، وأن الإدارة الأميركية غير مستعدة للمغامرة بمكتسباتها في لبنان مقابل موقع لا تراه ذا سلطة، بينما المطلوب أولاً: حماية الحدود الشمالية لإسرائيل، ثانياً: احتضان قوى 14 آذار، ثالثاً: بقاء الحليف الأميركي الأول في لبنان فؤاد السنيورة في رئاسة الحكومة. وفي حال ضمان هذه النقاط الثلاث، فإن واشنطن لا تمانع تسوية في اسم الرئيس العتيد. وفي المعلومات أيضاً أن المعارضة رغم أنها تبدي تحفظاً على الرئيس السنيورة، إلا أنها قد تسير بصيغة أهون الشرور.
وتفيد المعطيات وما يُسَرَّب من نتائج للمفاوضات بأن الولايات المتحدة أبدت موافقة مشروطة على جلوس النائب ميشال عون على مقعد الرئاسة الأولى، إلا أنها تتخوف من علاقته بحزب الله، برغم أن الأميركيين يقرون بأن صورة عون في العواصم الأوروبية وفي الفاتيكان، هي غير تلك التي تنعكس في صفحة السياسة الأميركية، وأن عون نجح في إظهار صورة قائد انتفاضة 14 آذار، وفي كونه الزعيم المسيحي الأول في لبنان، وأنه وإن كان قد عقد تحالفاً مع حزب الله، إلا أنه لم ينتقل إلى فريق 8 آذار، بل ثمة العديد من القوى والشخصيات من صلب هذا الفريق لا تُوافق عون على اللقاء بها، ولديه مواقف معارضة لعدد من القوى الفلسطينية المتحالفة مع 8 آذار، وأنه قدم نفسه في الغرب بصفته طرفاً محايداً، وإن كان على خلاف مع بعض قوى 14 آذار. وبالرغم من كل ما يحكى ويشاع عن تراجع شعبيته بين المسيحيين، لم تتمكن كل قوى 14 آذار مجتمعة من إسقاطه في الانتخابات الفرعية في المتن، كما أنه حافظ على حضور هو أقوى بين المسيحيين مقابل كل خصومه. وامتلك إضافة إلى الحضور المسيحي تحالفات مع أطراف إسلامية متنوعة من الشيعة إلى المعارضة السنية إلى المعارضة الدرزية.
وإذا فشلت التسوية في المجيء بعون رئيساً، فإن السيناريو الآخر هو تعديل الدستور للمجيء برئيس انتقالي لمدة سنتين، هو قائد الجيش العماد ميشال سليمان، على أن تستمر المفاوضات بين الأطراف في المنطقة، وأن تتجه الأمور في لبنان إلى حلول هادئة في هذه المرحلة الانتقالية. وأولى مهام الرئيس الانتقالي إعداد قانون انتخاب، والإشراف على انتخابات نيابية تجري في مواعيدها، وإذا حافظ العماد عون على قوته في الشارع المسيحي بعد هذه الانتخابات، فإنه سيحتل كرسي الرئاسة الأولى بعدها من دون منازع.
أما إذا لم يحصل توافق، ووصلت الأمور إلى الطريق المسدود، وخاصة داخلياً في لبنان، فإن المعارضة ستلجأ إلى خطوات خاصة، ومن خارج السياق المعتاد، وإن كان من ضمن الدستور، فهي ستكسب المزيد من النواب إلى جانبها، ولن يكون العدد أقل من أربعة، ولن يُسمح باللجوء إلى قاعدة «النصف زائداً واحداً» لانتخاب رئيس للبلاد، بل سيتقدم عدد من النواب بطرح الثقة بالحكومة الحالية، وسيجري إسقاطها وتنطلق العملية الدستورية في تأليف حكومة اللحظة الأخيرة عبر المشاورات الملزمة، وستتألف برئاسة الوزير محمد الصفدي، الذي سيقدم للأكثرية مقاعد الثلث الضامن التي كانت إلى اليوم تشكل مطلب المعارضة. وفي حال امتناع الأكثرية عن المشاركة، فإن المعارضة ستحكم البلاد مؤقتاً بمفردها إلى حين إجراء انتخابات رئاسية.