وفاء عواد
«لـن أنســحب لمصلحــة التوافــق على عــون... بل لمصلحــة مرشــح مـن 14 آذار»

لم يخرج المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس «حركة التجدّد الديموقراطي» النائب السابق نسيب لحّود، لإعلان ترشّحه لرئاسة الجمهورية، عن إطار الأجواء التي اعتادها اللبنانيون في معظم مناسبات قوى 14 آذار، بدءاً بالحضور «الأكثري» اللافت بكثافته، الذي افتقدته ساحة النجمة عند قيام النائب بطرس حرب بالخطوة نفسها، وصولاً الى «التصفيق» المعبّر عن الرضى، لدى إعلان المرشّح موقفاً يترجم تطلّعات «ثورة الأرز»، أو لدى طرح سؤال عليه من جانب أي صحافي «موالٍ».
ففي قاعة «بيال» التي لها في ذاكرتهم مكان لا يُمحى، وهي التي شغلتهم لأشهر تخطيطاً لعقد جلسة نيابية من أجل إقرار مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي، احتشد قادة 14 آذار حول النائب لحّود. وذلك، بما يشبه «المبايعة» الضمنيّة لمن تردّد اسمه، في الآونة الأخيرة، الأوفر حظاً في «قطف» إجماع الموالين حوله. وتماشياً مع قاعدة «و... لكن»، التي أضحت سمة أساسية تطبع معظم مواقف السياسيين، وتحديداً في شأن الاستحقاق الرئاسي، وبعد ما «غصّت» كلمة المقدّم للمؤتمر مازن حايك بعبارات الإشادة بـ«الرئيس المحتمَل»، اعتلى لحّود المنبر بزهو «المنتصِر» على مؤيّديه الذين ضاقت بهم القاعة، مطمئناً الى أن انتخابات الرئاسة تأتي، هذا العام، من «بوّابة الحرية والاستقلال والسيادة»، فتضجّ القاعة بالتصفيق. وفي مقابل «التهويل والترهيب والتعقيد»، اختصر لحّود طرح 14 آذار «البسيط والواضح» بـ«إتمام الانتخابات وفق الأصول».
واستناداً الى تجربته، ولا سيما بعد 17 عاماً من دخوله معترك الحياة السياسية، مع إيمانه بأن المرشح للانتخابات «يقاس بمساره وتاريخه الكامل وقدراته»، وليس بـ«مسار يوم واحد» أدّى الى خسارته مقعده النيابي عام 2005، أطلّ لحّود على الاستحقاق الرئاسي من زاوية تشديده على ضرورة «الجلوس على طاولة الحوار»، مع وجوب «عدم إشهار سلاح المقاطعة لجلسة الانتخاب. وإذا جرى الاتفاق، تصبح قضية النصاب غير ذات معنى».
وبانتظار ما ستؤول إليه التطورات في موضوع الاستحقاق، أعلن التزامه دعم أي مرشّح تختاره قوى 14 آذار، لأن هذه القوى «مصرّة على مرشّح من ضمن فريقها، لأنه يملك رؤية تستوعب جميع اللبنانيين». لكن، إذا تمّ التوافق على النائب ميشال عون مرشّحاً رئاسياً، فإن مسألة الانسحاب «صعبة».
وإذ اعتبر أن مبادرة الرئيس نبيه برّي «فيها عدد كبير من الإيجابيات»، وأن «الأمل في نجاحها» مقرون بخلوّها من أي «شروط»، ذكّر بـ«المرونة» التي لاقت بها 14 آذار هذه المبادرة، والتي تقضي بـ«أن لا تشهر المعارضة في وجهنا سلاح تعطيل الاستحقاق، ولا نشهر في وجهها سلاح النصف زائداً واحداً».
وكان لحّود قد استهلّ مؤتمره بالإشارة الى أن «مصير لبنان ما زال معلّقاً بين سؤالين: كيف ندير بلداً سيداً مستقلاً، من دون وصاية أو تدخّل خارجي؟ وكيف نحمي لبنان من أربعة أخطار داهمة (العدوانية الإسرائيلية، تحويل لبنان ساحة لصراعات المنطقة، الانهيار الاقتصادي والهجرة، التطرّف والإرهاب)؟»، مجيباً عن هذين السؤالين وعلى جملة الأسئلة ـــــ المفاتيح التي تتخلّلهما، وفق رؤيته لما يجب أن يكون عليه الرئيس العتيد الذي «آن الأوان له لأن يضطلع بمهماته كاملة».
فبدءاً من مجلس النواب الذي «لا يجوز أن يبقى مقفلاً»، كما الاعتصام الذي «لا يجوز أن يبقى»، طالب لحّود بـ«ضرورة انكباب المجلس على إقرار آلية واضحة لتفسير الدستور»، ووصولاً الى مجلس الوزراء الذي «لا بدّ أن يفتح انتخاب رئيس جديد صفحة جديدة على مستوى هذا المجلس»، رأى لحود أن تحقيق السلطة القضائية المستقلة «أبرز العناوين لتجسيد دولة القانون»، مطالباً بـ«أن تنحصر في مجلس القضاء الأعلى كل الصلاحيات المتّصلة بالقضاء»، وبـ«إحياء» المجلس الدستوري.
وفي سياق تحقيق العدالة، رأى أن المحكمة ذات الطابع الدولي ولجنة التحقيق الدولية «أصبحتا جزءاً لا يتجزّأ من منظومة العدالة والقضاء في لبنان». وإذ شدّد على أهمية «إعادة الاعتبار» الى هيئات الرقابة، عبر «منع التدخل في أعمالها، ومنع تجاوز السلطة التنفيذية لقراراتها وأدوارها»، رأى أن الضرورة نفسها تنطبق على كل الهيئات التي استُحدثت بعد الطائف.
ومن بوّابة ضرورة تعزيز الجيش وقوى الأمن الداخلي وسائر القوى المسلّحة، أكّد لحّود أهمية جعل هذه القوى «الجهة الوحيدة المؤهّلة، قانوناً، لحمل السلاح، تحت إمرة المؤسسات الدستورية، بحيث تتولّى الدفاع عن لبنان في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، وتصدّ الاعتداءات الإرهابية وسواها». وذلك، بـ«الاستفادة من قدرات حزب الله الدفاعية ضمن إطار الدولة اللبنانية، عبر تحديد وظيفة سلاحه ووجهة استعماله في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، وبإمرة السلطة السياسية اللبنانية».
وفي موضوع سنّ قانون جديد للانتخابات النيابية، اقترح لحّود واحداً من خيارين: إما نظاماً مركّباً يزاوج بين التمثيل النسبي والأكثري في دوائر متوسطة الحجم، أو التمثيل الأكثري في دوائر صغيرة بحجم القضاء كحد أقصى. وإذ شدّد على أن قدر اللبنانيين ومصلحتهم المشتركة هما في «إنجاز تسوية داخلية مشرّفة تستند الى اتفاق الطائف، مقرّرات مؤتمر الحوار، سياسة التضامن العربي، والتزام قرارات الشرعية الدولية»، على أن تدير هذه التسوية حكومة وحدة وطنية جامعة تؤلّف بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لفت الى تمسّكه بجملة نقاط، وفق الآتي:
- القرار 1701 «إطار شامل وصالح» لوقف عدوان إسرائيل وتحرير الأسرى اللبنانيين واسترجاع مزارع شبعا.
- ممارسة الدولة مسؤولياتها السياسية والعسكرية والتنموية في الجنوب، تأكيداً لبسط سلطتها عليه بجيشها مستعيناً بقوات الطوارئ الدولية.
- في الموضوع الفلسطيني، رأى أن «لبنان لا يمكن إلا أن يكون متضامناً مع القضية الفلسطينية ومع حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وبناء دولتهم المستقلة»، مطالباً بتنظيم العلاقات مع الفلسطينيين عبر «الانطلاق من حق لبنان غير المشروط بممارسة سيادته على كامل أراضيه، بما فيها المخيمات/ الدخول في حوار مع السلطة الفلسطينية من أجل التوصل الى ممارسة لبنان لحقه هذا، وحل موضوع سلاح الفصائل الفلسطينية طبقاً لمقررات «مؤتمر الحوار الوطني»/ تحسين شروط الحياة المدنية في المخيمات وتسهيل شروط العيش الإنسانية للفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية، في اطار قانوني.
- في العلاقة مع سوريا، رأى أن السياسة المطلوبة حيالها «يجب أن تؤدي الى قيام علاقة ندية متوازنة، بين دولتين مستقلتين لهما مساحة واسعة من المصالح المشتركة». وذلك، عبر «تأكيد سوريا احترام استقلال لبنان وسيادته والامتناع عن أي تدخل في شؤونه، والتزام لبنان السياسة نفسها/ تبادل العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفارات/ ضبط الحدود والالتزام بحصر الحركة بين البلدين بالمعابر الشرعية/ كشف مصير المفقودين والمعتقلين في سوريا/ توقيع الحكومة السورية وثائق تحديد وترسيم الحدود في منطقة مزارع شبعا وغيرها، طبقاً للقانون الدولي/ إعادة النظر في الاتفاقات الثنائية».
وعلى صعيد الإصلاح الاقتصادي الذي احتلّ حيزاً كبيراً في رؤيته، شدّد على أهمية «السيطرة على الدين العام، من خلال قلب المعادلة السلبية للموازنة العامة من عجز إلى فائض أولي ملموس»، و«ترشيد الإنفاق، ضمن برنامج متكامل لإصلاح الإدارات العامة».